سوره سبأ


الآية الاولي قوله سبحانه: «وجَعَلنا بَينهم و بَين القُري الّتي بَارَکنا فيها قُريً ظَاهرةً وقدّرنا فيها السَّير سِيروا فيها لَيَالِيَ وأيّاماً آمِنين». [1] .

757 - روي الشيخ الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي زهير بن شبيب بن أنس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: کنت عند أبي عبد اللَّه عليه السلام إذ دخل عليه من کندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة، فقدمت الکوفة، فدخلت علي أبي حنيفة فإذا ذاک الغلام بعينه يستفتيه في تلک المسألة بعينها، فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبداللَّه عليه السلام، فقمت اليه فقلت: ويلک يا أبا حنيفة إنّي کنتُ العامّ حاجّاً، فأتيت أبا عبداللَّه عليه السلام مسلِّماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها، فأفتاه بخلاف ما أفتيته!

فقال: وما يعلم جعفر بن محمّد؟! أنا أعلم منه، أنا لقيتُ الرجال وسمعت من أفواهم، وجعفر بن محمّد صحفيّ أخذ العلم من الکتب!!

فقلت في نفسي: واللَّه لاحجَّنَّ ولو حَبواً. قال: فکنت في طلب حجّة، فجاءَتني حجّة فحججت. فأتيت أبا عبداللَّه عليه السلام فحکيت له الکلام، فضحک ثمّ قال: أمّا في قوله أنّي رجل صحفيّ فقد صدق! قرأت صُحف آبائي ابراهيم وموسي، فقلت: ومن له بمثل تلک الصحف.

قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وکان عنده جماعة من أصحابه، فقال الغلام: انظر من ذا، فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة، قال: أدخله، فدخل فسَلَّمَ علي أبي عبداللَّه عليه السلام فردَّ عليه ثمّ قال: أصلحک اللَّه، أتأذن لي في القعود؟ فأقبل عليه السلام علي أصحابه يُحدِّثهم ولم يلتفت اليه، ثمّ قال الثانية والثالثة فلم يلتفت اليه، فجلس ابو حنيفة من غير اذنه، فلمّا علم أ نّه قد جلس التفت اليه فقال: أين أبو حنيفة؟ فقيل: هو ذا أصلحک اللَّه.

فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: فبما تفتيهم؟ قال: بکتاب اللَّه وسنّة نبيِّه صلي الله عليه وآله.

قال: يا أبا حنيفة، تعرف کتاب اللَّه حقّ معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم. قال: يا أبا حنيفة لقد أدَّعيت عِلماً، ويلک ما جعل اللَّه ذلک إلّا عند أهل الکتاب الّذين أنزل عليهم، ويلک ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرِّية نبيّنا صلي الله عليه وآله ما ورّثک اللَّه من کتابه حرفاً، فإن کنتَ کما تقول - ولست کما تقول - فأخبرني عن قول اللَّه عزّوجل: «سِيرُوا فيها لَيَالِيَ و أيّاماً آمِنين» أين ذلک من الأرض؟

قال: أحسبه ما بين مکّة والمدينة.

فالتفت أبو عبداللَّه عليه السلام إلي أصحابه فقال: تعلمون أنّ الناس يَقطَع عليهم بين المدينة ومکّة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون علي أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسکت أبو حنيفة.

فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول اللَّه عزّوجل: «ومَن دَخَلَه کان آمِناً» [2] أين ذلک من الأرض؟ قال: الکعبة.

قال: أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق علي ابن الزبير في الکعبة فقتله کان آمناً فيها؟ قال: فسکت، ثمّ قال له: يا أبا حنيفة، إذا ورد عليک شي ءٌ ليس في کتاب اللَّه ولم تأتِ به الآثار والسُنَّة کيف تصنع؟ فقال: أصلحک اللَّه أقيس وأعلم فيه برأيي، قال: يا أبا حنيفة، إن أوّل من قاس ابليس الملعون، قاس علي ربّنا تبارک وتعالي فقال: «أنا خَيرٌ منه خَلَقتَني مِن نار و خَلَقتَه مِن طِين» [3] فسکت أبو حنيفة.

فقال: يا أبا حنيفة، أيُّما أرجس، البول أو الجنابة؟ فقال: البول، فقال: فما بالُ الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟ فسکت.

فقال: يا أبا حنيفة، أيّما أفضل الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بالُ الحايض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسکت.

فقال: يا أبا حنيفة، أخبرني عن رجلٍ کانت له أمّ ولد وله منها ابنة، وکانت له حرّة لا تلد فزارت الصبيّة بنت أمّ الولد أباها، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر، فواقع أهله الّتي لا تلد وخرج الي الحمّام فأرادت الحُرّة أن تکيد أمّ الولد وابنتها عند الرجل، فقامت إليها بحرارة ذلک الماء فوقعت عليها وهي نائمة، فعالجتها کما يعالج الرجل المرأة، فعلقت، أيّ شي ءٍ عندک فيها؟ قال: لا واللَّه ما عندي فيها شي ء.

فقال: يا أباحنيفة، أخبرني عن رجل کانت له جارية، فزوّجها من مملوک له وغاب المملوک، فولد له من أهله مولود، وولد للمملوک مولد من أمّ ولدٍ له، فسقط البيت علي الجاريتَين ومات المولي، من الوارث؟ فقال: جُعِلتُ فداک، لا واللَّهِ ما عندي فيها شي ء.

فقال أبو حنيفة أصلحک اللَّه أنَّ عندنا قوماً بالکوفة يزعمون أ نّک تأمرهم بالبراءة من فلان وفلان وفلان!

فقال: ويلک يا أبا حنيفة لم يکن هذا، معاذ اللَّه.

فقال: أصلحک اللَّه إنّهم يعظمون الأمر فيهما، قال: فما تأمرني؟ قال: تکتب اليهم، قال: بماذا؟ قال: تسألهم الکفّ عنهما، قال: لا يطيعوني، قال: بلي أصلحک اللَّه إذا کنت أنت الکاتب وأنا الرّسول أطاعوني.

قال: يا أبا حنيفة أبيت إلّا جهلاً، کم بيني وبين الکوفة من الفراسخ؟ قال: أصلحک اللَّه ما لا يُحصي، فقال: کم بيني وبينک؟ قال: لا شي ء، قال: أنت دخلت عليّ في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرات فلم آذن لک، فجلست بغير إذني خلافاً عليّ، کيف يطيعوني أولئک وهم هناک وأنا هاهنا؟!

قال: فقبّل رأسه وخرج وهو يقول: أعلم الناس ولم نره عند عالم.

فقال أبو بکر الحضرميّ: جُعلت فداک الجواب في المسألتين الأَوليَّين.

فقال: يا أبا بکر «سِيرُوا فيها لَيَالِيَ و أيّاماً آمِنين» فقال: مع قايمنا أهل البيت، وأما قوله: «وَمَن دَخَلَه کان آمِناً» [4] فمن بايعه ودخل معه ومَسَحَ علي يده ودَخَلَ في عقد أصحابه کان آمناً. [5] .

الآية الثانية قوله سبحانه: «ويَقولُون مَتي هذا الوَعدُ إن کُنتم صادِقين». [6] .

758 - روي الشيخ الصدوق رحمه الله بإسناده عن عبدالرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام:

منّا إثنا عشر مهدياً، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحقّ، يُحيي اللَّه به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحقّ علي الدّين کلّه ولو کره المشرکون. له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت فيها علي الدّين آخرون، فُيؤذَون ويُقال لهم: «مَتي هذا الوَعدُ إن کُنتم صادِقين»، أما إنّ الصابر في غيبته علي الأذي والتکذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يَدَي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله. [7] .

الآية الثالثة قوله عزّوجلّ: «ولَو تَري إذ فَزِعُو فَلا فَوتَ و اُخِذوا مِن مَکانٍ قَريب». [8] .


پاورقي

[1] سبأ: 18.

[2] آل عمران: 97.

[3] الأعراف: 12.

[4] آل عمران: 97.

[5] علل الشرايع 91-89 ح 5.

[6] سبأ: 29.

[7] کمال الدّين 317:1 ح 30.

[8] سبأ: 51.