سوره غافر


الآية الاولي قوله تعالي: «إنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا و الّذين آمَنوا في الحيوةِ الدُّنيا و يومَ يقومُ الأشهادُ». [1] .

793 - روي العلّامة الطبرسيّ رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ رحمه الله، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ، قال: کنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم عليّ بن عيسي القصريّ، فقام إليه رجل فقال له:اُريد أن أسألک عن شي ء، فقال له:سل عمّا بدا لک.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن عليّ عليه السلام أهو وليّ اللَّه؟ قال: نعم.

قال: أخبرني عن قاتله لعنه اللَّه أهو عدوّ اللَّه؟ قال: نعم.

قال الرجل: فهل يجوز أن يُسلّط اللَّه عزّوجلّ عدوّه علي وليّه؟!

فقال أبو القاسم قدّس اللَّه روحه: إفهم عنّي ما أقول لک، اعلم أنّ اللَّه تعالي لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالکلام، ولکنّه - جلّت عظمته - يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاؤوهم وکانوا من جنسهم يأکلون الطعام ويمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منکم حتّي تأتونا بشي ء نعجز من أن نأتي بمثله، فنعلم انّکم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل اللَّه عزّوجلّ لهم المعجزات الّتي يعجز الخلق عنها.

فمنهم: من جاء بالطوفان بعدالإعذار والإنذار، فغرق جميع مَن طغي وتمرّد.

ومنهم: من اُلقي في النار فکانت برداً وسلاماً.

ومنهم: من أخرج من الحجر الصلب الناقة، وأجري من ضرعها لبناً.

ومنهم: من فلق له البحر وفجَّر له من العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفکون.

ومنهم: من أبرأ الأکمه والأبرص وأحيي الموتي بإذن اللَّه، وأنبأهم بما يأکلون وما يدّخرون في بيوتهم.

ومنهم: من انشقّ له القمر وکلَّمته البهائم، مثل البعير والذئب وغير ذلک.

فلمّا أتوا بمثل ذلک وعجز الخلق من اُممهم عن أن يأتوا بِمثله، کان من تقدير اللَّه جلّ جلاله ولطفه بعباده وحکمته، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين واُخري مغلوبين، وفي حال قاهرين واُخري مقهورين، ولو جعلهم اللَّه في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم، لأتّخذهم الناس آلهةً من دون اللَّه عزّوجلّ، ولما عُرف فضل صبرهم علي البلاء والمحن والإختبار، ولکنّه جعل أحوالهم في ذلک کأحوال غيرهم، ليکونوا في حال المحنة والبلوي صابرين، وفي حال العافية والظهور علي الأعداء شاکرين، ويکونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين، وليعلم العباد أنّ لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتکون حجّة اللَّه ثابتة علي من تجاوز الحدّ فيهم، وادّعي لهم الربوبية، أو عاند وخالف، وعصي وجحد، بما أَتَت به الأنبياء والرسل، وليهلک من هلک عن بيّنة، ويحيي من حَيّ عن بيّنة.

قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله: فعُدت إلي الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح رحمه الله في الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذکر لنا ما ذکر يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني وقال: يامحمّد بن إبراهيم لئن أخّر من السماء فتختطفني الطير أو تهوي بي الريح في مکان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين اللَّه برأيي ومن عند نفسي، بل ذلک عن الأصل، ومسموع من الحجّة صلوات اللَّه عليه وسلامه. [2] .

794 - روي عليّ بن إبراهيم القمّي بإسناده عن جميل، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: قلت:

قول اللَّه تبارک وتعالي: «إنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا والّذين آمَنوا في الحيوةِ الدُّنيا و يومَ يَقومُ الأشهادُ» قال:

ذلک واللَّه في الرجعة، أما علمت أنّ أنبياء کثيرة لم يُنصَروا في الدنيا وقُتلوا، والأئمّة بعدهم قتلوا ولم ينصروا، ذلک في الرجعة. [3] .


پاورقي

[1] غافر: 51.

[2] الإحتجاج للطبرسيّ 2 : 289-284.

[3] تفسير القمّيّ 258:2؛ بحارالأنوار 27:11.