قصة الدجال وخروجه عند العامة


روي الشيخ الصدوق من طريق العامّة قصّة ابن الصيّاد الّذي اختلف العامّة في أ نّه الدجّال أو غيره ثمّ قال: إنّ أهل العناد والجحود يصدِّقون بمثل هذا الخبر، ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدّة الطويلة، وبخروجه في آخر الزمان، ولا يصدِّقون بأمر القائم عليه السلام وأ نّه يغيب مدّة طويلة ثمّ يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً بنصّ النبيّ والأئمّة بعده صلوات اللَّه عليهم وعليه باسمه وعينه ونسبه، وبإخبارهم بطول غيبته، إرادةً لاطفاء نوراللَّه، وإبطالاً لأمر وليّ اللَّه، ويأبي اللَّه الا أن يُتمّ نوره ولو کره المشرکون.

وأکثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجّة عليه السلام أنّهم يقولون: لم نروِ هذه الأخبار الّتي تروونها في شأنه ولا نعرفها، وکذا يقول من يجحد نبيّنا صلي الله عليه وآله من الملحدين، والبراهمة واليهود والنصاري: إنّه ما صح عندنا شي ء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها، فنعتقد بطلان أمره لهذه الجهة، ومتي لزمنا ما يقولون، لزمهم ما يقوله هذه الطوائف وهو أکثر عدداً منهم!

ويقولون أيضاً: ليس في موجب عقولنا أن يعمّر أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، فقد تجاوز عمر صاحبکم علي زعمکم عمر أهل الزمان.

فنقول لهم: أتصدِّقون علي أنّ الدجّال في الغَيبة يجوز أن يعمِّر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وکذلک إبليس، ولا تصدِّقون بمثل ذلک لقائم آل محمّد صلي الله عليه وآله؟ مع النصوص الواردة فيه في الغَيبة، وطول العمر، والظهور بعد ذلک للقيام بأمر اللَّه عز وجل، وما روي في ذلک من الأخبار الّتي قد ذکرتها في هذا الکتاب، ومع ما صحّ عن النبيّ صلي الله عليه وآله أ نّه قال: کلّ ما کان في الأمم السالفة يکون في هذه الاُمّة مثله، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، وقد کان فيمن مضي من أنبياء اللَّه عزّوجلّ وحُججه عليهم السلام معمِّرون.

أمّا نوح عليه السلام فإنّه عاش ألفَي سنة وخمسمائة سنة، ونطق القرآن بأ نّه لَبثَ في قَومِهِ ألفَ سَنة إلّا خمسينَ عاماً؛ وقد روي في الخبر الّذي قد أسندته في هذا الکتاب أنّ في القائم سُنّةً من نوح، وهي طول العمر، فکيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور الّتي ليس شي ء منها في موجب العقول، بل لزم الاقرار بها لأ نّها رويت عن النبيّ صلي الله عليه وآله.

وهکذا يلزم الاقرار بالقائم عليه السلام من طريق السمع. وفي موجب أيّ عقل من العقول أ نّه يجوز أن يلبث اصحاب الکهف ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً؟ هل وقع التصديق بذلک إلّا من طريق السمع، فلم لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السلام أيضاً من طريق السمع؟!

وکيف يصدِّقون بما يرد من الأخبار عن وهب بن منبّه وعن کعب الأحبار في الحالات الّتي لا يصحّ منها شي ء في قول الرسول، ولا في موجب العقول، ولا يُصدِّقون بما يرد عن النبيّ والأئمّةعليهم السلام في القائم وغيبته، وظهوره بعد شکّ أکثر الناس في أمره، وارتدادهم عن القول به، کما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام، هل هذا إلّا مکابرة في دفع الحقِّ وجحوده؟

وکيف لا يقولون: إنّه لمّا کان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنّة الأوّلين بالتعمير في أشهر الاجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة عليه السلام، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه السلام لأ نّه مذکور في الشرق والغرب علي ألسنة المقرِّين وألسنة المنکرين له، ومتي بطل وقوع الغَيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمّةعليهم السلام مع الروايات الصحيحة عن النبيّ أ نّه صلي الله عليه وآله أخبر بوقوعها به عليه السلام بطلت نبوّته، لأ نّه يکون قد أخبر بوقوع الغَيبة بما لم يقع به، ومتي صحّ کذبه في شي ء لم يکن نبيّاً.

وکيف يصدق في أمر عمّار أ نّه تقتله الفئة الباغية، وفي أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه تخضب لحيته من دم رأسه، وفي الحسن بن عليّ عليهما السلام أ نّه مقتول بالسّم، وفي الحسين بن عليّ عليهما السلام أ نّه مقتول بالسيف، ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم ووقوع الغَيبة به، والنصّ عليه باسمه ونسبه؟ بل هو صلي الله عليه وآله صادق في جميع أقواله مصيب في جميع أحواله، ولا يصح إيمان عبدٍ حتّي لا يجد في نفسه حرجاً مما قضي ويُسلِّم له في جميع الأمور تسليماً لا يخالطه شکّ ولا ارتياب، وهذا هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام والانقياد «ومَن يَبتغِ غَيرَ الإسلام دِيناً فلن يُقبَل مِنه و هو في الآخرة مِن الخاسِرين». [1] .

ومن أعجب العجب أنّ مخالفينا يروون انّ عيسي ابن مريم عليه السلام مرَّ بأرض کربلاء فرأي عدّة من الظباء هناک مجتمعة فأقبلت اليه وهي تبکي، و أ نّه جلس وجلس الحواريون، فبکي وبکي الحواريون، وهم لا يدرون لم جلس ولم بکي؟

فقالوا: يا روح اللَّه وکلمته ما يبکيک؟ قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيه أمّي ويلحد فيها، هي أطيب من المسک لأ نّها طينة الفرخ المستشهد، وهکذا تکون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء تکلّمني وتقول إنّها ترعي في هذه الأرض شوقاً إلي تربة الفرخ المستشهد المبارک وزعمت أ نّها آمنة في هذه الأرض.

ثمّ ضرب بيده إلي بعر تلک الظباء فشمَّها وقال: اللهم أبقها أبداً حتّي يشمّها أبوه فتکون له عزاءً وسلوة، و أ نّهابقيت إلي أيّام أمير المؤمنين عليه السلام حتّي شمَّها وبکي وأبکي، وأخبر بقصتها لما مرّ بکربلاء.

فيصدِّقون بأنّ بعر تلک الظباء تبقي زيادة علي خمسمائة سنة لم تغيِّرها الأمطار والرياح، ومرور الأيام والليالي والسنين عليها، ولا يصدِّقون بأنّ القائم من آل محمّدعليهم السلام يبقي حتّي يخرج بالسيف فيبير أعداء اللَّه ويظهر دين اللَّه، مع الأخبار الواردة عن النبيّ والأئمّة صلوات اللَّه عليهم بالنصِّ عليه باسمه ونسبه وغيبته المدّة الطويلة، وجري سنن الأوّلين فيه بالتعمير، هل هذا إلاَّ عناد وجحود للحق؟ [2] .


پاورقي

[1] آل عمران: 85.

[2] کمال الدّين 2 : 532-529.