بصائر المعرفة بالامامة و الإمام


فمناسبة شريفة کريمة تتمثل بميلاد خاتم الأوصياء وإمام العصر والشفيع الذي لا يزال ناظرا ورقيباً، سيدنا وإمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه؛ مناسبة کهذه لابد أن تکون محطة تزود وانطلاق للمؤمنين الرساليين، وحافزا قويا للتقدم والقفز الي الأمام علي طريق التطور الإيجابي، والانبعاث المتواصل من عمق الأمل والطموح الرسالي المستمد من وجود الإمام عجل الله فرجه، ونبذ السکون والانفلات من قوقعة الجمود.. وذلک عن طريق أکثر من رؤية وبصيرة إيمانية يجب أن نستفيدها من هذا البحر الزاخر، والفيض الإلهي المتدفق.

فلو عرف الإنسان مستوي درجة الإمامة، والمقام الأرفع والأسمي لها؛ ولو عرف أن الإمام والامامة هي الدرجة التي تسبق والتي تلحق درجة النبوة. فإبراهيم عليه السلام کان نبياً ورسولاً من أولي العزم حينما امتحنه الله سبحانه بأشد الامتحانات؛ بالنيران التي القي فيها فصبر وسلم لله تعالي. بالهجرة، حيث ترک زوجته وطفله الرضيع عند البيت الحرام اذ لا ماء ولا زرع وسکن، وبأمره أن يذبح ابنه بيده، وغيرها من الابتلاءات العظيمة. هنالک فقط وبعد أن اجتاز إبراهيم عليه السلام کل الامتحانات، جعله الله سبحانه إماما «وإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ».

فإذا عرفنا هذه الحقيقة، وعرفنا أن مولانا المهدي عجل الله فرجه هو إمام، أي انه في هذا المستوي العظيم والدرجة الرفيعة، وأنه حي يتعايـش معنــا ويرانا من حيث لا نراه، وأنه مطلع علي أحوالنا ويراقب صفحات أعمالنا التي تعرض عليه يومياً، وأننا بحاجة ماسة إليه، لبرکاته ونوره وحبه و.. ليشفع لنا ذنوبنا ولنهتدي به جادة الحق والصواب ويوحدنا وينقذنا من صحراء التيه والضياع، من الانکسار والذلة، إذا عرفنا ذلک، فلابد ان نستفيد من هذه المعرفة عدة بصائر، ولنتساءل عن کيفية إقامة علاقة حقيقية تربطنا بالإمام عجل الله فرجه، وکيف نمتن هذه العلاقة؟ وهل أن الحجة عليه السلام هو الذي لا يريد إقامة مثل هذه العلاقة معنا أم أننا نحن الذين لا نريد ولا نسعي إليها؟

في هذا الجانب ينقل أحد العلماء أنه وبينما کان يشتغل بالتدريس في النجف الاشرف إذ جاءه رجل من أهل القري البعيدة وطلب الدراسة من اليوم التالي. وفي أحد الأيام صادف أن فقد العالم خاتمه، ففتش کل زوايا بيته فلم يعثر عليه، فأصبح مغموما لأنه کان متعلقا بهذا الخاتم، ولکنه عندما حضر لإلقاء أحد الدروس علي طلبته قام ذلک الطالب الجديد فقال لـه: ياسيدنا، إن خاتمک موجود في غرفتک، وفي الموضع الفلاني بالتحديد فتعجب العالم من معرفة الطالب بأمر خاتمه، ومعرفته بالمکان الموجود فيه بالتحديد،. الا أنه کتم عجبه وذهب إلي بيته فرأي الخاتم هنالک في الغرفة کما أخبره الطالب ومرت الأيام والليالي فحدث أن أضاع العالم شيئاً معيناً في بيته أيضاً، فحدثت مشادة بينه وبين زوجته بسبب ذلک، وکما في المرة الأولي جاء السيد العالم الي مکان الدرس، فإذا بنفس الطالب يقول لـه: بأن الشيء الذي فقدته هو في المکان الکذائي من بيتک. وبعد انتهاء الدرس ذهب العالم إلي البيت فوجد ما أضاعه في نفس المکان الذي أخبره عنه ذلک الرجل. يقول هذا الفقيه: بأنني کنت في غاية العجب من أمر هذا الرجل، فأنا متأکد بان لا أحد يعلم بأنني أضعت ما أضعت، کما أني فتشت بيتي مراراً فلم أعثر علي ما فقدته قبل أن يخبرني هو بذلک، فذهبت اليه وقلت: يا أخي من أين تأتي بهذه الأخبار العجيبة؟ فقال لي: أنا أيضا لا أعرف، ولکنه أحد أصحابي أراه في الشارع واسلم عليه، هو الذي أخبرني بذلک. يقول العالم: فشکرته وطلبت منه إذا ما رأي ذلک الشخص ثانية أن يقول له بأن السيد (العالم) يريد أن يصل بخدمتک، فجاءني في اليوم التالي وقال: بانه نقل رغبة السيد لصاحبه فرد عليه بالقول: قل للسيد أن يصبح آدميا حتي أصل أنا بخدمته!

وينقل السيد الفقيه أنه سأل الطالب عمن يکون وما هي قصته وأعماله وسلوکه الذي أوصله الي هذه الدرجة، بحيث أصبح يلتقي بالإمام الحجة عجل الله فرجه، فذکر لـه بأنه أحد أبناء شيوخ العشائر، وأن والده رجل يفعل المنکرات من قتل ونهب و..، وأنه (أي الابن) ينکر أفعال والده ولکنه لا يملک القدرة علي مقاومته. وبعد أن مات والده في إحدي الليالي کان منصب رئاسة العشيرة سينتقل إليه حسب العادات والتقاليد العشائرية في مثل هذه الحالة، ولأنه يخشي أن يکون مثل والده إن هو تسلم المنصب فيقوم بفعل المنکرات والمحرمات، بقي تلک الليلة يفکر حتي الصباح ويخير نفسه بين الدنيا والآخرة، فقرر في نهاية الأمر أن يترک عشيرته وبيته ويهرب من هذه المسؤولية الي النجف الأشرف ليکون طالباً للعلم عند هذا العالم. لقد فرّ هذا الرجل الصالح من الرئاسة المنکرة، ومن حطام الدنيا الفاني؛ فر بدينه وأخذ يري الإمام المهدي عجل الله فرجه «تِلْکَ الدَّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً»