للانتظار ثلاث معانٍ متدرجة وهي


1- انتظـار الفـرج؛ وهـو النقـطة المشـرقة التي تتجلي أمام الإنسان، فيتحرّک نحوها بالانتظار. فحرکته يجب أن تکون باتجاه نقطة معينة؛ أي باتجاه تلک الغاية التي رسمها الله سبحانه وتعالي، وهذه الغاية هي التي تحددها فکرة انتظار الفرج الذي يشرق علي القلوب دائماً بنور الأمل. فالإنسان الذي يعيش الأمل يؤمن بأن العاقبة للمتقين، وبالتالي فإن الله عز وجل سيمکن للصالحين، وتکون علي أيديهم نهاية العتاة المتمردين، وهذه الفکرة تجعل قلبه في راحة وأمل، حتي في أحلک الظروف؛ لأن اليأس هو أخطر مشکلة يواجهها الإنسان، فهو يفقد الحياة عندما ييأس، نظراً إلي أن القنوط هو الموت العاجل، والخطيئة الکبري.

وفي الحقيقة، فإن انتظار الفرج يعالج هذه المشکلة؛ مشکلة اليأس والقنوط، والدليل علي ذلک أن الشيعة کانوا وما يزالون هم الأکثر رفضاً للظلم والطغيان، فالمناطق التي تسکنها الأغلبية المؤمنة بمذهب أهل البيت عليهم السلام، الذين في قلوبهم نور من انتظار الفرج، وشعاع من نور الإمام الحجة عجل الله فرجه نراهم هم الذين يرفضون الظلم أکثر من غيرهم، وهم الذين يتصدّون للفساد، ويضحّون بأنفسهم قبل غيرهم، وعلي سبيل المثال؛ فعندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان بادر المسلمون الشيعة في لبنان إلي مقاومة الاحتلال کما يعرف الجميع، وعندما قاوموا الاحتلال کان الشعار الذائع علي أفواههم (يا حجة بن الحسن، يا مهدي)، لأن قوات الکيان الصهيوني کانت جاءت لکي تبقي في لبنان، وهذا يعني انتهاک الأعراض، وتغيير الدين، وانتشار الفساد، فعرف الشيعة الحقيقة، لذلک اتجهوا إلي الإمام الحجة، وحملوا السلاح في وجه المعتدين، حتي حققوا انتصارهم العظيم.

ونفس هذه الظاهرة وجدناها لدي الشيعة في العراق الذين قاوموا الظلم أيام الاحتلال البريطاني وقبله وحتي اليوم؛ وأذکر في هذا المجال أن مراسلاً فرنسياً سألني قائلاً: إن الشيعة في العراق أصيبوا بمشاکل أکثر من الأکراد، وتحملوا الدمار أکثر من غيرهم، فلماذا لم يقبلوا التفاوض مع النظام کما فعل غيرهم؟ فقلت: لأن الشيعة يمتلکون أملاً اسمه انتظار الفرج.

وفي الواقع فإن السبب الذي يجعلنا نحارب دائماً أننا نؤمن بفکرة الانتظار، ومن علامات وإشارات هذه الحقيقة أن ثورة العشرين قد تفجرت في ليلة الخامس عشر من شعبان، کما أن الانتفاضة الأخيرة ضد النظام الصدامي حدثت هي الأخري في هذه الليلة، ذلک لأن هذه الليلة هي ليلة النور التي تذکرنا بأننا لسنا من الذين لا يمتلکون إماماً وراعياً، بل نحن نمتلک هذا الإمام والراعي، وهو ينظر إلينا، وهذه الفکرة هي التي تدفعنا إلي الامام. ولو أن الشيعة عرفوا قيمة انتظار الفرج حق معرفتها، واستوعبوها حق استيعابها، لما بقي شيعي واحد مظلوماً في الأرض، لأنهم سيرفضون في هذه الحالة الظلم، وسينصرهم الله عز وجل.

2- المعني الثاني لانتظار الفرج، أننا عندما ننتظر هذا الفرج نوجه نظرتنا دائماً إلي القيادة، وإلي مرکز القرار، وإلي الولاية الإلهية، ونجعل مقياسنا في ذلک الإمام الحجة عجل الله فرجه. وهذا ما ينعکس علي قيادتنا الروحية المتمثلة في المرجعية، وما يفسر سبب کون القيادة الدينية لدي الشيعة هي الأزهد والأتقي والأعلم، والأقرب إلي المثل الإلهية.

ونحن عندما نستعرض القيادات الشيعية في العصور الأخيرة. فإننا نجد أشخاصاً من مثل العلامة الأنصاري، والميرزا حسن الشيرازي، والشيخ کاظم الأخوند والسيد الطباطبائي صاحب العروة الوثقي، والمرحوم آية الله السيد أبو الحسن الاصفهاني، وأخيراً السيد الخوئي، والسيد الکلبايکاني (رضي الله تعالي عنهم أجمعين).

تري کيف اکتشف الشيعة هذه النماذج، وکيف نمت هذه النماذج، حتي أصبحت قمماً مضيئة لا نجد لها نظيراً في العالم.

السبب أنهم يمتلکون قمة أعلي هي قمة الإمام الحجة عجل الله فرجه، وهذه الذروة السامقة والمتکاملة هي التي نعبّر عنهـا بـ (انتظار الفرج) لأن انتظار الفرج يجعلنا دائماً نسير نحو القمم المضيئة، ونحلّق حتي نصل إلي الآفاق البعيدة.

3- وأما المعني الأعمق لانتظار الفرج، فهو أن يعيش کل واحد منا کما يريد لـه الإمام الحجة عجل الله فرجه أن يعيش، فکل واحد منا يحاول أن يجد لنفسه نموذجاً يقتدي به، وهذه صفة أصيلة في البشر، لکي يحوّل نفسه إلي صورة مصغرة لذلک النموذج الأسمي، ونحن عندما ندرک ان إمامنا الحجة المؤيد من السماء تتجسد فيه کل المثل العليا، فإننا سننتظر خروجه؛ أي نستقبله من خلال جعل أنفسنا بحيث يرضي عنا.

وفي هذا المجال يؤکد أئمتنا عليهم السلام أن صحيفة أعمالنا تعرض کل يوم علي الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وأننا بحاجة إليه في کل صغيرة وکبيرة؛ في الدنيا، وعند سکرات الموت، وعند النزول في القبر، وأن السؤال الأول الذي يوجّه إلينا هو عن إمامنا.

ونحن عندما نسمع أن صحائف أعمالنا تعرض کل يوم عليه، فإننا سنحاول تهذيب أنفسنا أکثر فأکثر، وهذا هو المعني الأصيل والحقيقي لانتظار الفرج، فهو يعني أن تستقبل الإمام الحجة عجل الله فرجه بأعمالک الحسنة، وبتهذيب نفسک وتزکيتها، وتنمية المعاني الخيرة فيها.