المهدي من اهل البيت


لان الله اعلم حيث يجعل رسالته، حيث قال سبحانه:

«وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُوا لَن نُؤْمِنَ حَتَّي نُؤْتَي مِثْلَ مَآ اُوتِيَ رُسُلُ الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا کَانُوا يَمْکُرُونَ» (الانعام / 124)

ولان مثل الذرية الطيبة مثل الشجرة الطيبة، والأرض الطيبة يطيب نباتها ويبارک الله فيها، کذلک اختار الله رسله من بين اطيب السلالات وارفع الانساب وازکاها. فقال سبحانه:

«إِنَّ الله اصْطَفَي ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آل عمران / 33 - 34)

وفي اکثر من مناسبة يذکرنا ربنا بقيمة الأصل الطيب والذرية الطيبة، وکيف اورث الله الکتاب من ذرية الانبياء من کان تقيا.

قال عز وجل:

«وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الزخرف / 28)

ومن هذه القيمة، طيب ذرية الرسول - صلي الله عليه وآله -، والتي قال عنهم ربنا سبحانه:

«اِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً» (الاحزاب / 33)

وقال سبحانه:

«قُل لآ أَسْاَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» (الشوري / 23)

وجاءت روايات النبي المتواترة لتؤکد مقام أهل بيته، وانهم مثل سفينة نوح من رکبها نجا ومن تخلف عنها هلک وهوي. او ان مثلهم کمثل النجوم، فهم امان لأهل الأرض کما النجوم امان لأهل السماء. و ان الرسول قد خلفهم من بعده ثقلا عظيما بعد الثقل الأعظم - القرآن -، اذ قال - صلي الله عليه وآله - في حجة الوداع:

اني تارک فيکم الثقلين ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي؛ کتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض،

فانظروا کيف تخلفوني فيهما . [1] .

وجاءت حوادث التاريخ لتشهد علي تلک الحقائق، جيلا بعد جيل، من خلال ائمة الهدي - عليهم السلام - الذين کانوا المثل الأعلي لکل قيم الوحي والقدوة في کل خير.

فلولم يکن النبي قد اوصي بأهل بيته - عليهم السلام - ولم تکن آيات القرآن الکريمة تشير الي فضائلهم في کل مناسبة، وکنا فقط وفقط مع حوادث التاريخ التي اجمعت الرواة عليها ولم يختلف فيها أحد منهم، فهل کنا نجد ذرية أطيب منهم خلقا، واعظم حلما، واغزر علما، واتقي عملا، واصوب مواقفا، واشد يقينا، واسبق جهادا، واشجع دفاعا عن الحق، واخلص عبادة وزهادة؟؟

فهل نجد بين اصحاب النبي کالامام علي، وبين النساء کفاطمة الزهراء، وبين التابعين کالسبطين الحسن والحسين، وبين فقهاء الأمة وائمتها کذرية الحسين عليهم جميعا صلوات الله؟؟

وهکذا کانت الحقيقة التي اشارت اليها الروايات المتواترة من الرسول - صلي الله عليه وآله - ان يکون مهدي هذه الأمة من أهل بيت الرسول - صلي الله عليه وآله -، کانت هذه الحقيقة متطابقة مع سنن الله في خليقته..

فان لم يکن من اهل بيت الرسول، فمن أية ذرية عساه ان يکون؟!

وهکذا لولم تکن الأحاديث التي استفاضت عن النبي (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته بان الخلفاء من بعد الرسول هم اثني عشر، وانهم اثني عشر اماما، واثني عشر مهديا. وربما ذکرت اسماءهم بالذات.. اقول لو افترضنا عدم توارد اسماءهم، فان حقائق التاريخ تشهد علي ذلک. فاذا کان هذا الأمر من الغيب الذي آمن به المسلمون في عصر النبي وصدقوا به وسلموا له تسليما، فانه بالنسبة الينا من الحقائق المشهودة التي علينا ان نعرفها ونعترف بها.

حقا الفرق کبير بين مسلم آمن بالغيب علي عهد النبي، وسلم لامام لم يره ولم يعرفه، وبين من يدعي الاسلام ثم لا يسلم لامام عرفه وسمع انباء حياته المشرقة..

واليوم وبعد زهاء اربعة عشر قرنا، اضحي فضل الأئمة من اهل بيت الرسول من المسلّمات التي لايرتاب فيها إلا جاهل بالتاريخ او مکابر.

فمن يعدل بعلي بن ابي طالب غيره؟ ومن يساوي بفاطمة غيرها من النساء؟

فهذه کلمات نهج البلاغة تشهد بان کلامه - عليه السلام - دون کلام الخالق، وفوق کلام المخلوق. انه بحق انعکاس واضح لخطاب الله علي صدر بشر. وکان عمله - عليه السلام - انصع واسمي واسبق من کلامه الرائع والمتفوق علي سائرکلام البشر علما وهدي وبلاغة..

اما الصديقة الزهراء - عليها السلام - فقد کانت صورة انثوية لجلال ابيها وجمال سيرته ونبل خلقه وعظيم علمه وحلمه. وخطبتها الغراء في المسجد النبوي بعد رحيل والدها تعبير صادق عن شخصيتها بما فيها من شجاعة نادرة في رفض الظلم، وبلاغة نادرة في القاء الحجة، وعلم واسع بحکمة الشريعة، ونفاذ بصيرة في سنن الله، وقراءة شفافة لما تؤول اليها الأحداث وفق تلک السنن..

فأني بحثت في النساء المؤمنات الفضليات علي کثرتهن عبر التاريخ وحتي اليوم فانک لن تجد مثيلتها، بل ولا مثيلة خادمتها فضة، اللهم إلا ابنتها الصديقة الصغري زينب الکبري - سلام الله عليها -.

وهکذا کانت فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، کما کان ابوها المصطفي - سلام الله عليه - سيد الانبياء والمرسلين.

اما سبطا هذه الامة وسيدا شباب الجنة الحسن والحسين، فاي فم تراه لا يثني عليهما، ام اي کتاب يخلو عن فضائلهما؟ فهذا بصلحه الذي حفظ بيضة الاسلام، فلم يقدر احد من اعداءه، فکيف بأولياءه إلا الثناء عليه. وهذا بقيامه الالهي الذي قدم نفسه وأهل بيته وافضل اصحابه في سبيل الله.

کانا بحق حافظين لدين جدهما، حتي صدق فيهما قول المصطفي - سلام الله عليه -: ابناي هذان امامان قاما او قعدا . [2] .

وعنه - صلي الله عليه وآله - انه قال للحسن: اللهم اني احبه فأحب من يحبه . [3] .

وقال: الحسين مني وانا من حسين، احب الله من أحب حسينا . [4] .

واما علمهما وحلمهما وجودهما وعبادتهما وزهدهما في حطام الدنيا، فذلک کان المثل الأعلي الذي جعلهما بحق من اعظم ائمة اهل بيت الرسالة.

والامام علي بن الحسين - عليه السلام - زين العابدين من الأئمة المعدودين الذين لهجت بالثناء عليه کل الالسنة، حتي تکاد تجمع الأمة بمختلف فئاتها واحزابها علي سبقه في اليقين والجهاد والعلم والزهد والهدي..

وبالرغم من بعض الخلاف حول الامامين الباقر والصادق - عليهما السلام - من قبل علماء البلاط الاموي ثم العباسي، إلا ان کبار علماء المسلمين اذعنوا لعلمهما وزهدهما وسبقهما في الهدي والجهاد.. حتي ذکر المؤرخون ان عدد من أخذ العلم منهما فاق الاربعة آلاف من کبار علماء المسلمين وفي مختلف الفروع.

والامام موسي بن جعفر - عليه السلام - کان مثلا في الجهاد والزهد ورفض سلطة الطاغوت ودوام العبادة.. وهکذا اجتمع حوله العلماء والزهاد والمجاهدون والصالحون، وکان - بالتالي - امامهم في کل خير.

والامام الرضا علي بن موسي - عليه السلام - کان في مختلف الصفات المثالية في درجة جعل المسلمين يذعنون له بالتفوق، حتي سمي بالرضا لاجتماع فئات المسلمين علي امامته..

وهکذا الامام الجواد محمد بن علي - عليه السلام - کان موضع احترام واهتمام المسلمين، وکان حواره مع علماء المسلمين في البلاط العباسي دليلا علي علمه الواسع وهو في سن مبکر من عمره الشريف.

والامام الهادي علي بن محمد - عليه السلام - کان هو الاخر في القمة علما وزهدا وکرما..

وکذلک الامام العسکري الحسن بن علي - عليه السلام -، وابسط دليل علي ذلک ضجة الناس في عاصمة الخلافة العباسية عندما شاع نبأ وفاته، حتي کانت حسب المؤرخين کيوم القيامة.

ان حياة ائمة اهل البيت - عليهم السلام - وسيرتهم الوضيئة کانت شاهد صدق علي امامتهم، ناهيک عن النصوص الشرعية التي تواترت

فيهم.

وعندما نقرء معا احاديث النبي في الخلفاء من بعده، ونستمع الي انهم اثنا عشر مهديا، فلا نشک في تطبيقها علي اولئک الائمة الهداة.

ولو کان مثل هذا الحديث غير واضح عند بعض الرواة في عصر النبي - صلي الله عليه وآله -، وبالذات عند من لم ينتبه الي سائر احاديث الرسول - صلي الله عليه وآله - او لم تصل اليه، فانه لا ينبغي الشک اليوم وبعد بروز ائمة الهدي من آل محمد - عليه وعليهم السلام - علي المسرح التاريخي.

بلي.. يبقي الامام الثاني عشر غير معروف عندهم کاملا لغيبته، فيکون الامام المهدي - عليه السلام - مثله مثل سائر الأئمة وذلک في عهد النبي وقبل ولادتهم، حيث کان من الأمور الغيبية، کذلک الامام المهدي أمر غيبي حتي بالنسبة الينا.

ان من خصائص النصوص الدينية احتمال التأويل فيها، اذ انها تعالج - في الأغلب - الحقائق الکبري، وکثيرة هي الابعاد الغيبية فيها، وهي الي ذلک تصطدم بالاهواء والشهوات، وربما بالتيارات الاجتماعية الحاکمة، وقبل ذلک بوساوس ابليس.

ومن هنا کان التأويل الخاطئ من عادة اصحاب الفتنة والزيغ کما قال سبحانه:

«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ» (آل عمران / 7)

واذا کان التأويل محتملا في نصوص الکتاب العربي المبين، فکيف لايحتمل في نصوص النبي الکريم؟ إلا ان المؤمن الذي يريد الهدي يبلغ بتوفيق الله سبحانه الي شاطئ الحقيقة فيها کما في آيات الکتاب المجيد.


پاورقي

[1] موسوعة بحار الانوار / ج 2 / ص 100.

[2] موسوعة بحار الانوار / ج 43 / ص 278.

[3] موسوعة بحار الانوار / ج 43 / ص 316.

[4] موسوعة بحار الانوار / ج 43 / ص 366.