القيادة في ضوء ممارسات الجيل الاول


تعتبر فترة الخلافة الراشدة عندنا أهل السنة الفترة الذهبية للإسلام بعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، ومن ثم نولي وجوهنا شطرها، ونتخذها نموذجاً وقدوة.

والذي لا شک فيه هنا أن تلک الفترة کانت بالفعل کذلک، ومنزلتها في الفکر السياسي عند المسلمين جميعاً لا تنکر، إذ أن وقائعها بحلوها ومرها هي التي صاغت الفکر السياسي عند کل الفرق الإسلامية بلا استثناء.

لکننا - حتي الآن - لم ننظر الي أحداث تلک الفترة نظرة تحليل موضوعية، بل قدسناها، وبنينا علي أساسها معتقدات، بصرف النظر عن موقف الإسلام - دخلت في صلب فکرنا السياسي



[ صفحه 42]



الديني، وشکلت أغلب ما لدينا من بضاعة في هذه السوق، بل ليس بمبالغة أن نقول: إن ما لدينا اليوم أصداء لما وقع آنذاک، رسخت في عقولنا الباطنة، وغلبت علي بؤرات شعورنا، رغم بقائها في هوامشه.

ونحن من هذه العقائد علي قسمين: قسم مطلع يقرؤها ويدرسها کنموذج أمثل، فهو يعتقدها عن وعي، ويذب عنها بربع أو ثلث علم. وقسم آخر يستمع دون تفحص، ويردد بلا وعي. وکلا الفريقين عاطفي في موقفه وتصرفه وشعوره توجهه قداسة غيرحقيقية لحوادث الجيل الأول بعد وفاة المؤسس الأعظم.

علي أننا إذا کبحنا جماح العاطفة - قليلاً - وقلنا هلم نبحث الموضوع بطريقة الباحثين عن الحق، انتهينا الي نتائج تخالف - دون ريب - تلک التي انتهينا إليها ونحن نتحدث تحت تخدير العاطفة.

ولئن کان الإسلام يذم الموقف الأول من القضايا الهامة، ويحض علي تبني الموقف الثاني - خصوصاً في قضايا سير الأوائل، وقوانين الحضارة والعمران والسياسة والإجتماع - ويخاطبنا مئات



[ صفحه 43]



المرات (أفلا تعقلون..) (أفلا تنظرون...) (أفلا يتدبرون..) الي آخر ما نحفظه جميعاً من کتاب الله، إلا أن الإتجاه السائد يتجه إلي غير هذا. ومع ذلک، فهناک قليل ممن يريدون أن يسبحوا ضد هذا التيار، استجابة للنداء القرآني الموجه الذي يضييء لنا لجج البحر الذي تعالت أمواجه، وصارت ظلمات بعضها فوق بعض. ورجائي من الکثرة أن تصبر علينا ونحن نسبح سباحة الباحثين عن الحقيقة حتي نتم شوطنا، فإن أعجبتهم سباحتنا فلينزلوا معنا إلي البحر ليصدوا التيار، وإن لم تعجبهم فليترکونا في حرية علَّنا نخرج لهم بلؤلؤة تنفعهم، أو درة تضييء لهم ولو بشعاع، وليضعوها في متحفهم الي وقت قد يعم فيه الظلام فيبحثون فيه عن بصيص ضوء، ويذکروننا حينئذ.

تعالوا إذن نستعرض أکبر الوقائع التاريخية التي سجلها لنا تاريخ العهد الذهبي في موضوع القيادة، ونعيد قراءتها، بعيداً عن العواطف، قراءة مجردة، وننظر ما تؤدي اليه من نتائج



[ صفحه 44]