بيعة عثمان بن عفان


يبدو أن کثيراً من الناس وعلي رأسهم عمر (رض) نفسه أدرکوا أن بيعة أبي بکر کانت فلتة، ولم تکن وفق سياق طبيعي، وأن بيعة عمر کانت بغير مشورة من المسلمين، وکذلک تکرر کثيراً - کما مر بنا وکما ذکرت عشرات الکتب في التاريخ والحديث - أن هذا أو ذاک من الصحابة صرح بذلک حتي اعترف عمر (رض) بهذه الحقائق قائلاً (إن رجالاً يقولون إن بيعة أبي بکر فلتة وقي الله شرها، وإن بيعة عمر کانت عن غير مشورة، والأمر بعدي شوري) [1] فهذه الرواية - إن صحت - دلت علي اعتراف صريح بأن تحديد القيادة في المرة الأولي والثانية لم يکن شوري، بل کان کما رآه الناس آنذاک: فلتة مرة، وبلا مشورة أخري، ولهذا فقد قرر عمر تعيين القيادة من بعده - وفي المرة الثالثة - عن طريق الشوري



[ صفحه 82]



ولما طعن عمر، ورأي أنه ذاهب الي ربه، وضع صيغة سياسية جديدة لتعيين قيادة خير أمة وخير دولة، فدعا علياً، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام (رض) وقال لهم:

(فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام، وليصل بالناس صهيب، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليکم أمير منکم، ويحضر عبدالله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريککم في الأمر، فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه معکم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمرکم... وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن الله عزوجل طالما أعز الإسلام بکم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتي يختاروا رجلاً منهم. وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فأجمع هؤلاء الرهط في بيت حتي يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبدالرحمن بن عوف وطلحة إن قدم، وأحضر عبدالله بن



[ صفحه 83]



عمر ولا شيء له من الأمر، وقم علي رؤوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبي واحد فاشدخ رأسه أو أضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً وأبي إثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحکموا عبدالله بن عمر، فأي الفريقين حکم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحکم عبدالله بن عمر، فکونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس.

.. فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشوري في بيت المسور بن مخرمة، ويقال في بيت المال، ويقال في حجرة عائشة بإذنها، وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب... فتنافس القوم في الأمر وکثر بينهم الکلام... فقال عبدالرحمن: أيکم يخرج منها نفسه ويتقلدها علي أن يوليها أفضلکم؟ فلم يجبه أحد، فقال فأنا أنخلع منها فقال عثمان أنا أول من رضي... فقال القوم: قد رضينا. [2] .



[ صفحه 84]



وبعد مناقشات ومداولات کثيرة قال عبدالرحمن بن عوف (رض) (إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط علي أنفسکم سبيلاً. ودعا علياً فقال: عليک عهد الله وميثاقه لتعملن بکتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي قال نعم، فبايعه) [3] .

وفي رواية أخري أنه سأل علياً (ع) (هل أنت يا علي مبايعي علي کتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بکر وعمر؟ فقال: اللهم لا ولکن علي جهدي من ذلک وطاقتي، فالتفت الي عثمان فقال: هل أنت مبايعي علي کتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بکر وعمر؟ قال: اللهم نعم) [4] ثم نهضوا الي المسجد فصعد عبدالرحمن المنبر، ونادي علياً ثم أخذ بيده وقال (هل أنت مبايعي علي کتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بکر وعمر؟ قال:



[ صفحه 85]



اللهم لا، ولکن علي جهدي من ذلک وطاقتي، فأرسل يده ثم نادي: قم اليَّ يا عثمان، فأخذ بيده وهو في موقف علي الذي کان فيه فقال: هل أنت مبايعي علي کتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بکر وعمر؟ قال: اللهم نعم، فرفع رأسه الي سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال: أللهم اسمع وأشهد، أللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاک في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان) [5] .

وإذا حاولنا أن نفهم هذه القصة بلغة عصرنا، لا بأسلوب المؤرخين الذي قد يصعب علي کثير منا، قلنا إن برنامج الخليفة الثاني لتعيين القيادة اشتمل علي البنود التالية:

1 - تشکيل مجلس شوري من سبعة أعضاء أحدهم لا يحق له ترشيح نفسه. هؤلاء الأعضاء هم:

علي بن أبي طالب، وکان مرشحا للقيادة.



[ صفحه 86]



عثمان بن عفان، وکان مرشحا للقيادة.

عبدالرحمن بن عوف، وهو زوج أم کلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمها. أروي بنت کريز، وأروي هي أم عثمان، فهمو بهذا زوج أخت عثمان لأمه.

سعد بن أبي وقاص، وهو ابن عم عبدالرحمن بن عوف.

طلحة بن عبيدالله، وکان غائباً لم يحضر.

الزبير بن العوام، وکان ابن خال فاطمة (ع) زوجة أحد المرشحين.

عبد الله بن عمر، رأيه استشاري، وهو ابن الخليفة، ومواقفه من أحد المرشحين (الإمام علي) معروفة مسجلة.

2 - قتل من حاز علي نسبة أقل أو حتي متساوية من الأصوات، ورفَضَ مبايعة من وقع عليه الإختيار.

3 - عند تساوي الأصوات توضع سلطة التحکيم في يد ابن الخليفة، فإن رفض قراره، رجح المرشح الذي يميل معه عبدالرحمن بن عوف.



[ صفحه 87]




پاورقي

[1] أنساب الأشراف للبلاذري: 5: 15.

[2] الطبري: 3: 294 - 295. العقد الفريد: 4: 275 - 276.

[3] الطبري: 3: 296.

[4] الطبري: 3: 301.

[5] الطبري: 3: 301 - 302. وانظر التفاصيل في العقد الفريد: 4: 273 وما بعدها.