موقفة تجاه الأحداث العامة


و هنا نواجه نفس الفجوة التاريخية التي کنا نواجهها في تاريخ الامام الهادي عليه السلام. وهو عدم ورود تعليقات الامام العسکري (ع) علي جملة من الحوادث العالمية في أيامه. و قد اعطينا فيما سبق المبررات الواقعية لذلک مفصلا.

والمهم ان نعرف انه واکب عصر الامام العسکري (ع) العديد من الحوادث المهمة المختصة به. فالعام الأول من امامته عليه السلام هو العام الأول لبدء دولة احمد بن طولون في مصر. حيث بدأت بتوليه الحکم علي مصر واليا من قبل احد الاتراک هو بابکيال..أولا. ثم آخر منهم هو يار کوج [1] حيث استعمله الأخير علي ديار مصر کلها و سلطه عليها فقوي امره و علا شأنه و دامت ايامه.



[ صفحه 167]



و في ايامه عليه السلام، کانت سيطرة الحسن بن زيد العلوي علي طبرستان، في ثورته الکبري ضد السلطة التي دامت عدة سنوات، و ما قام به و ما نفذ ضده من حروب.

و يتکلل کل ذلک، من ناحية الاهمية بالنسبة الي الکيان العباسي القائم بل لمشعب المنطقة کله..بظهور صاحب الزنج بثورته العارمة الصاخبة التي عرفناها فيما سبق و قد استمرت حوالي الخمسة عشر عاما. و سنجد للامام (ع) تعليقا بسيطا علي صاحب الزنج. أما الحوادث الاخري فلم نسمع منه عليها تعليقا. و انما کان کابيه يقتصر في نشاطه بصفته اماما لمواليه و أصحابه و مشرفا علي مصالحهم العقائدية و الاجتماعية مضافا الي تمهيده المباشر لغيبة ولده الحجة بن الحسن المهدي عليه السلام.

و من الغريب الموسف، ان ظروفا صعبة نراها تمر علي الخلافة العباسية في هذا العصر بالذات، ضعفت فيها الخلافة، و سيطر علي الحکم الموالي و الأتراک و جماعة آخرين کالموفق طلحة بن المتوکل. و نري المهتدي يتحنث و يتشبه بعمر بن عبدالعزيز في بني امية، و ينصب قبة للمظالم و يتقرب الي الله بما يعتقده من خدمة الناس و قضاء حوائجهم [2] کل ذلک لم يوجب خفة الضغط الموجه ضد الامام و أصحابه و مواليه، بل کان في ازياد مستمر و تصاعد کبير، علي ما نري من المعتمد عند وفاة الامام العسکري و تقسيم أمواله و بدأ الغيبة الصغري،علي ما سنسمع، بالرغم مما کان يتمتع به المعتمد من سلبية و انصراف عن شوون الدولة.

و السبب في ذلک واضح و هو ان التوجس من الامام و أصحابه و الخوف من تحرکاته، لو کان مقتصرا علي شخص الخليفة أو بطانته،



[ صفحه 168]



لهان الأمر، ولاستطاع الامام بکثير من الوسائل اخفاء نشاطه وبث تعاليمه بعيدا عن انظار الدولة. ولکن الأمر ليس کذلک، بل کان هذا التوجس و الانحراف متمثلا في خط اجتماعي عام لم يکن الخليفة الا أحد افراده.. يضم کل من سيطر علي الدولة و کسر شوکة الخلافة، کالموفق نفسه و جماعة الاتراک و الموالي في أکثر قوادهم و عامتهم.کما يضم، الي جانب ذلک، عددا کبيرا من المصلحيين و المنتفعين و «أعضاء الشرف» في جهاز الدولة الکبير.

فکان هذا الخط الاجتماعي العام يتعاون و يتضامن ضد الخط العام الذي تمثله قيادة الامام عليه السلام.و يحاول بکل صراحة وجد ان يبعد الامام و أصحابه عن المسرح السياسي و الاجتماعي و يعد عليهم أنفاسهم و يحاسبهم علي القليل و الکثير.فمن ثم لا ينبغي أن نتوقع خفة الضغط بتوالي الأعوام؛ بل شدته و ترسخه و عمق تأثيره.

و علي أي حال، فينبغي أن -نکون علي ذکر من ذلک، في مستقبل البحث فانه يمثل أحد الأسباب المهمة لحدوث الغيبة.


پاورقي

[1] الکامل ج 5 ص 339.

[2] انظر الکامل ج 5 ص 357 و المروج ج 4 ص 103.