منابع الشريعة (القرآن و السنة) و أنهما الحجة الظاهرة و العقل


ان منابع الشريعة هما الکتاب العزيز و السنة المطهرة من أقوال و أفعال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أقوال الائمة المعصومين عليهم السلام و أفعالهم و تقريرهم و قال الکاظم عليه السلام لهشام بن الحکم في الوصية المعروفة «ياهشام ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الانبياء و الائمة عليهم السلام و أما الباطنة فالعقول»

و قال الصادق عليه السلام لعبدالله بن سنان «حجة الله علي العباد النبي و الحجة



[ صفحه 54]



فيما بين العباد و بين الله العقل».

و في حديث طويل للصادق عليه السلام حيث بين فيه أن بالعقل مبدأ الامور وقتها و عمارتها و به عرف الله و صفاته الکمالية و به عرفت الکمالات قيل له: فهل يکنفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: ان العاقل لدلالة عقله الذي جعله الله قوامه و زينته و هدايته علم أن الله هو الحق و أنه هو ربه و علم أن لخالقه محبة و أن له کراهية و أن له طاعة و أن له معصية فلم يجد فقله يدله علي ذلک و علم أنه لايوصل اليه الا بالعلم و الادب و أنه لاينتفع بعقله ان لم يصب بعلمه فوجب علي العاقل طلب العلم و الادب الذي لافوام له الابة». (الکافي کتاب العقل و الجهل).

و قد روي السنة و الشيعة بالطرق المستفيضة المتواترة حديث الثقلين عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انه قال: «اني تارک فيکم الثقلين ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر کتاب الله حبل ممدود من السماء الي الارض و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا کيف تخلفوني فيهما».

و قد رواه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أکثر من ثلاثين صحابيا و مالايقل عن مئتين عالم من کبار علماء السنة بألفاظ مختلفة في کتبهم [1] فضلا عن الشيعة.

و روي الشيخ الصدوق في معني الاخبار عن الباقر عليه السلام قال: خطب أميرالمومنين



[ صفحه 55]



علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالکوفة بعد منصرفه من النهروان و بلغله أن معاوية يسبه و يلعنه و يقتل أصحابه، فبعد حمدالله و الثناء عليه.

قال عليه السلام: «ياأيها الناس انه بلغني و اني أراني قد اقترب أجلي و کأني بکم و قد جهلتم أمري و اني تارک فيکم ماترکه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کتاب الله و عترتي و هي عترة الهادي الي النجاة الانبياء و سيد النجباء و النبي المصطفي (معني الاخبار، 58).

و قال الصادق عليه السلام: ان الله تبارک و تعالي أنزل في القرآن تبيان کل شي ء حتي و الله ما ترک ماترک الله شيئا يحتاج اليه العباد حتي لايستطيع عبد يقول: لو کان هذا انزل في القرآن الا و قد انزله الله فيه.

و قال عليه السلام يقول: ما خلق الله حلالا و لا حراما الا و له حد کحد الدار فما کان من الطريق فهو من الطريق و ما کان من الدار فهو من الدار حتي أرش الخدش فما سواه و الجلدة و نصف الجلدة.

و قال: ما من شي ء الا و فيه کتاب أو سنة.

و قال زين العابدين عليه السلام: ان أفضل الاعمال عند الله ما عمل بالسنة و ان قل.

و قال الباقر عليه السلام: کل من تعدي السنة رد الي السنة.

و قال الصادق عليه السلام: من خالف کتاب الله و سنة محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقد کفر.

و عن الباقر عليه السلام عن آبائه عن أميرالمومنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لاقول الا بعمل و لا قول و لا عمل الا بنية و لاقول و لاعمل و لانية لال باصابة السنة.

و قال عليه السلام: من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة» أي من تدين و عمل بحکم بغير المأثور من المعصوم جعل الله حاله يوم القيامة و هو يوم الفزع الاکبر في تيه مع کونه ذلک اليوم في أشد الحاجة الي الامان و القرار أو أن التيه کناية عن الضلال و عافية السوء.



[ صفحه 56]



و في الرسالة المشهورة للامام الصادق عليه السلام الي أصحابه و التي أمرهم بمدارستها و النظر فيها و تعاهدها و العمل بها فکانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها و التي رواها الکليني قدس الله سره في کتاب الروضة من الکافي بطرق معتبرة نذکر موضع منها مما يهم الکلام في المقام.

قال عليه السلام:»أيتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله أتم لکم ما آتاکم من الخير و اعلموا أنه ليس من علم الله و لامن أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوي و لا رأي و لامقائيس قد أنزل الله القرآن و جعل فيه تبيان کل شي ء و جعل للقرآن و لتعلم القرآن أهلا لايسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوي و لارأي و لامقائيس اغناهم الله عن ذلک بما آتاهم من علمه و خصهم به و وضعه عندهم کرامة من الله أکرمهم بها و هم علم الله أن يصدقهم و يتبع أثرهم أرشدوه و أعطوه من علم القرآن مايهتدي به الي الله لاذنه و الي جميع سبل الحق.

و هم الذين لايرغب عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي اکرمهم الله به و جعله عندهم الامن سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة [2] فاولئک الذين يرغبون عن سوال أهل الذکر و الذين آتاهم الله علم القرآن و وضعه عندهم و أمر بسوالهم و اولئک الذين يأخذون بأهوائهم و آرائهم و مقائيسهم حتي دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عندالله کافرين و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عندالله مومنين و حتي جعلوا ما أحل الله في کثير من الامر حراما و جعلوا ما حرم الله في کثير من الامر حلالا فذلک أصل ثمرة أهوائهم و قد عهد اليهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله



[ صفحه 57]



عزوجل رسوله صلي الله عليه و آله و سلم يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ماقبض الله عزوجل رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و بعد عهده الذي عهده الينا و أمرنا به مخالفالله و لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

فما أحد أجرأء علي الله و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلک و زعم أن ذلک يسعه و الله ان لله علي خلقه أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد موته هل يستطيع اولئک اعداءالله أن يزعموا أن احدا ممن اسلم مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أخذ بقوله و رأيه و مقائيسه؟ فان قال نعم فقد کذب علي الله و ضل ضلالا بعيدا و ان قال: لا لم يکن لاحد أن يأخذ برأيه و هواه و مقائيسه فقد اقر بالحجة علي نفسه و هم ممن زعم ان الله يطاع و يتبع دمره بعد قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد قال الله و قوله الحق «و ما محمد الارسول قد خلت من قبله الرسل أمان مات أو قتل انقلبتم علي اعقابکم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضرالله شيئا و سيجزي الله الشاکرين» [3] و ذلک لتعلموا أن الله يطاع و يتبع أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد قبض الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و کما لم يکن لاحد من الناس مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقائيسه خلافا لامر محمد صلي الله عليه و آله و سلم فکذلک لم يکن لاحد من الناس بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقائيسه.

الي ان قال عليه السلام أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليکم بآثار الرسول صلي الله عليه و آله و سنته و آثار الائمة الهداة من أهل بين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بعده و سنتهم فأنه من أخذ بذلک فقد اهتدي و من ترک ذلک و رغب عنه ضل لانهم هم الذين أمرالله بطاتعهم و ولايتهم و قد قال ابونا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المداومة علي العمل في اتباع الاثاروا السنن و ان قل أرضي لله و أنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع و اتباع الاهواء ألا ان اتباع الاهواء و اتباع البدع بغير هدي من الله ضلال و کل ضلالة بدعة و کل بدعة في النار و لن ينال شي ء من الخير عندالله



[ صفحه 58]



الابطاعته و الصبر و الرضا لان الصبر و الرضا من طاعة الله.

الي أن قال عليه السلام فان من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فاولئک هم شياطين الانس و الجن و ان لشياطين الانس حيلة و مکرا و خدائع و وسوسة بعضهم الي بعض يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أکرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله ارادة أن يستوي اعداءالله و أهل الحق في الشک و الانکار و التکذيب فيکونون سواء کما وصف الله تعالي في کتاب من قوله «ودوا لو تکفرون کما کفروا فتکونون سواء» ثم نهي الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء لله وليا و لانصيرا فاليهولنکم و لايردنکم عن النصر بالحق الذي خصکم الله به من حيلة شياطين الانس و مکرهم من أمورکم.

الي أن قال هذا أدبنا أدب الله فخذوا به و تفهموه و اعقلوه و لاتنبذوه و راء ظهورکم».

و روي الکليني في کتاب الکافي في ابواب الحجة باب الغبية بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام: اللهم انه لابدلک من حجج في أرضک حجة بعد حجة علي خلقک يهدونهم الي دينک و يعلمونهم علمک کيلا ينفرق اتباع اوليائک ظاهر غير مطاع أومکتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فل يغب عنهم قديم مبثوت علمهم و آدابهم في قلوب المومنين مثبتة فهم بها عاملون.

و يقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر: فيمن هذا؟ و لهذا يأرز [4] العلم اذا لم يوجد له حملة يحفظونه و يروونه کما سمعوه من العلماء و يصدقون عليهم فيه، اللهم فاني لاعلم أن العلم لايأرز کله و لاينقطع مواده و انک لاتخلي ارضک من حجة لک علي خلقک ظاهر ليس بمطاع أو خائف مغمور کيلا تبطل حجتک و لايضل اولياوک بعد اذهديتهم بل اين هم؟ و کم هم؟ اولئک الافلون



[ صفحه 59]



عددا الاعظمون قدرا».

و في کلامه عليه السلام اشارة الي غيبة الحجة (عج) حيث قال «أو مکتتم مترقب ان غاب عن الناس» و الاکتنام اشارة الي عدم نصب الحجة الغائب النائب الخاص في غيبته و هي الطولي الکبري و أشار عليه السلام بقوله «ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يعب عنهم قديم مبثوث علمهم و آدابهم في قلوب المومنين مثبتة فهم بها عاملون» الي الوظيفة في الغيبة الکبري و هي الرجوع الي أحاديث الائمة الحجج صلوات الله عليهم المثبتة في کتب المومنين الرواة منذ قديم أيام الائمة عليهم السلام و أن هذه الاحاديث المأثورة عنهم هي علم الائمة و آدابهم و هي منبع الدين و الشريعة و الهداية.

و أشار عليه السلام بقوله «و لهذا يأزر العلم اذت لم يوجد له حمله يحفظونه و يروونه کما سمعوه من العلماء و يصدقون عليهم فيه» الي أن العلم بالشريعة بين الناس يذهب و يقل بذهاب الفقهاء و الحفاظ و الرواة عن الائمة عليهم السلام و هذا وجه قول الصادق عليه السلام الذي سبق حول زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد.

و روي الصدوق في کتابه اکمال الدين بسنده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي أعجب الناس ايمانا و أعظمهم يقينا قوم يکونون في آخر الزمان لم يلحقوا بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد علي بياض.

و روي الکشي في کتاب الرجال بسنده الي أبني هاشم الجعفري (داود بن القاسم من ذرية جعفر الطيار رضوان الله تعالي عليه) قال: ادخلت کتاب يوم و ليلة الذي ألفه يونس عبدالرحمن (و هو من أصحاب الرضا عليه السلام و کان من افقه أصحابه) علي أبي الحسن العسکري عليه السلام فنظر فيه و تصفحه کله ثم قال هذا ديني و دين آبائي کله و هو الحق کله».



[ صفحه 60]



و روي الکليني بسنده عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينوله قال قلت لابي جعفر الثاني (الجواد) عليه السلام جعلت فداک ان مشايخنا رووا عن أبي جعفر (الباقر) و أبي عبدالله (الصادق) عليهماالسلام و کانت التقية شديدة فکتموا کتبهم فلم تر و عنهم فلما ماتوا صارت تلک الکتب الينا فقال: حدثوا بها فانها حق».

و روي الشيخ الجليل الاقدام ابن شعبة الحراني في کتابه تحف العقول و الشيخ المفيد في کتاب الاختصاص عن الکاظم عليه السلام انه کان لابي يوسف (تلميذ أبي حنيفة و قاضي العباسيين) معه کلام في مجلس الرشيد فقال الرشيد بعد کلام طويل لموسي بن جعفر عليه السلام: بحق آبائک لما اخترصت کلمات جامعة لما تجارريناه [5] فقال: نعم و أتي بداوة و قرطاس فکنب:

بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الاديان أربعة: أمر لااختلاف فيه و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون اليها و الاخبار المجمع عليها و هو الغاية المعروض عليها کل شبعة و المستنبط منها کل حادثة و أمر يحتمل الشک و الانکار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من کتاب الله مجمع علي تأويلها و سنة مجمع عليها لااختلاف فيها، أوقياس تعرف العقول عدله و لاتسع خاصة الامة و عامتها الشک فيه و الانکار له و هذان الامران من أمر التوحيد فمادونه و أرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لک برهانه اصطفيته و ما غمض عليک صوابه نفيته.

فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله و رسوله صلي الله عليه و آله في قوله لنبيه «قل فلله الحجة البالغة فلوشاء لهداکم أجمعين» تبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله کمايعلم العالم بعلمه، لان الله عدل لايجوز يحتج علي خلقه بمايعلمون يدعوهم الي مايعرفون لا الي مايجهلون



[ صفحه 61]



و ينکرون».

و مضمون کتاب الکاظم عليه السلام هو مضمون ماتقدم في بداية هذا الامر الرابع عن الصادق عليه السلام من أن العقل و ان کان حجة يدرک به التوحيد و صفات الخالق و الکمالات و حسن العدل و قبح الظلم و احالة اجتماع النقيضين و نحوها ولکن لايکنفي به في معرفة مراضي الله و معاصيه و أوامره و نواهيه بل لابد من العلم و هو الکتاب العزير والسنة المطهرة للنبي و آله صلوات الله و سلامه عليهم فهذه هي الحجج الثلاث المشار اليها في قوله عليه السلام.

«فمن أورد واحدة من هذه الثلاث و هي الحجة البالغة».

کما أن المشار اليه بقوله عليه السلام «و هذان الامران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين» هو ما تقدم في صدر کلامه عليه السلام من اجماع الامة علي الضرورة و الاخبار المجمع عليها أو الامر الذي لا اختلاف فيه و الذي فيه الشک سواء کان من الاصول أو فروعه و مقارنته مع الضروريات و السنة القطعية و المستفيضه عنهم عليهم السلام فما وافقها اصطفي و ارتضي و مانا فاها أنکر و نفي.

و هذه ضابطة وردت بها أحاديث مسنفيضة کما في قول الصادق عليه السلام الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلکة ان علي کل حق حقيقة و علي کل صواب نورا فما و افق کتاب الله فخذوه و ما خالف کتاب الله فدعوه»

و قال عليه السلام «اذا ورد عليکم حديث فوجدتم له شاهدا من کتاب الله أو من قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الا فالذي جاءکم به أولي به» و قال «مالم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» «و کل شي ء مردود الي الکتاب و السنة».

و قال الرضا عليه السلام «ان الله حراما و أحل حلالا و فرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في کتاب الله رسمها



[ صفحه 62]



بين قائم بلاناسخ نسخ فذلک فذلک ما لايسع الاخذ به لان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يکن ليحرم ما أحل الله و لاليحلل ما حرم الله و لا ليغير فرائض الله و احکامه، کان في دلک کله متبعا مسلما مؤديا عن الله و ذلک قول الله أن أتبع الا مايوحي الي» فکان عليه السلام متبعا لله مؤديا عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة -الي أن قال- أنا لانرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لانأمر بخلاف ما أمر به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي أن قال -فأما أن نستحل ما حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو نحرم ما استحل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تابعا لامر ربه مسلما له و قال الله عزوجل «ما آتاکم الرسول فخذوه ومانها کم عنه فانتهوا».

و قال الصادق عليه السلام «حلال محمد صلي الله عليه و آله و سلم حلال أبدا الي يوم القيامة و حرامه حرام أبدا الي يوم القيامة لايکون غيره و لا يجبي ء غيره و قال قال علي ما أحد ابتدع بدعة الانرک بها سنة» [6] .

و في نهج البلاغة عن اميرالمومنين عليه السلام في کتابه الي مالک الاشتر قال: واردد الي الله و رسوله ما يظلعک من الخطوب و يشتبه عليک من الامور فقد قال الله سبحانه لقوم أحب ارشادهم «يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الامر منکم فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول» فالراد الي الله الاخذ بمحکم کتابه، و الراد الي الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المتفرقه».

و في تفسير العياشي عن سدير قال: قال ابوجعفر الباقر و ابو عبدالله (الصادق) عليهماالسلام: لاتصدق علينا الا ما وافق کتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم.

و قد تقدم قول الحجة (عج) «و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا» و هي الاحاديث المعتبرة المأثورة عن آبائه المعصومين عليهم السلام و عنه في



[ صفحه 63]



الغيبة الصغري.

و قد تکرر ارجاع الحجة عليه السلام في التوقيعات الصادرة في الغيبة الصغري الي الروايات المأثورة عن آبائه عليهم السلام المدونة في الکتب المشهورة بين الطائفة ففي کتاب [7] لمحمد بن عبدالله بن جعفر الحميري [8] الي الحجة عليه السلام بتوسط النواب الاربعة سألة: عن المصلي اذا قام من التشهد الاول الي الرکعة الثالثة هل يجب عليه أن يکبر؟ فان بعض اصحابنا قال: لايجب عليه التکبير و يجزيه أن يقول بحول الله و قوته اقوم و اقعد؟

الجواب توقيع الحجة عليه السلام: ان فيه حديثين: اما أحدهما: فانه اذا انتقل من حالة الي حالة اخري فعليه التکبير و أما الاخر: فانه روي: أنه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية فکبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تکبير و کذلک في التشهد الاول يجري هذا المجري، و بأيهما أخذت من جهة التسليم کان صوابا».

فأرجع (عج) السائل و هو محمد بن عبدالله الجعفري الي الحديثين المرويين عن آبائه عليهم السلام ثم أکد علي السائل الاخذ بأي واحد منهما و العمل به من باب التسليم و الرد في کل ماينوبه الي الاحاديث المنقولة عنهم عليهم السلام.

و سئل الحميري أيضا في ضمن المسائل التي في کتابه و روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها ان العالم (هو لقب للامام الکاظم) [9] عليه السلام قال:



[ صفحه 64]



عجبا لمن لم يقرأ في صلاته (انا انزلناه في ليلة القدر) کيف تقبل صلاته؟

و روي: ماز کت صلاه من لم يقرأ (قل هو الله أحد).

و روي: ان من قرأ في فرائضه (الهمزة) اعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) و يدع هذه الصور التي ذکرناها مع ما قد روي أنه لاتقبل صلاة و لاتزکوا الابهما؟

التوقيع: الثواب في السور علي ما قد روي و اذا ترک سورة مما فيها الثواب و قرأ (قل هو الله احد و انا انزلناه) لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ و ثواب السور التي ترک و يجوز ان يقرأ غير هاتين السورتين و تکون صلاته تامة، ولکن يکون قد ترک الفضل».

و سأل عن التوجه للصلاة أن يقول علي ملة ابراهيم و دين محمد صلي الله عليه و آله و سلم فان بعض اصحابنا ذکر انه اذا قال علي دين محمد فقد أبدع لانا لم نجده في شي ء من کتب الصلاة خلا حديثا في کتاب القاسم بن محمد عن جده عن الحسن به راشد أن الصادق عليه السلام قال للحسن (أي بن راشد): کيف تتوجه فقال: أقول لبيک و سعديک فقال له الصادق عليه السلام ليس عن هذا سألک کيف تقول وجهت وجهي الذي فطر السماوات و الارض حنيفا مسلما؟ قال الحسن: أقول:

فقال الصادق عليه السلام: اذا قلت ذلک فقل: علي ملة ابراهيم و دين محمد و منهاج علي بن ابي طالب و الايتمام بآل محمد، حنيفا مسلما و ما أنا من المشرکين.

فأجاب (عج): التوجه کله ليس بفريضة و السنة الموکدة فيه التي هي کالاجماع الذي لاخلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض حنيفا مسلما علي ملة ابراهيم و دين محمد و هدي اميرالمومنين و ما أنا من المشرکين ان صلاتي



[ صفحه 65]



و نسکي و محيايي و مماتي لله رب العالمين لاشريک له و بذلک امرت و أنا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ الحمد.

قال الفقيه [10] الذي لايشک في علمه: ان الدين لمحمد و الهداية لعلي أمير المومنين لانها له صلي الله عليه و آله و سلم و في عقبه باقية الي يوم القيامة فمن کان کذلک فهو من المهتدين و من شک فلادين له و نغوذ بالله من الضلاله بعد الهدي.

و سأل عن سجدة الشکر بعد الفريضة قان بعض أصحابنا ذکر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ و ان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الاربع رکعات النافلة؟

فأجاب (عج): سجدة الشکر من الزم السنن و أوجبها و لم يقل ان هذه السجدة بدعة الا من أراد أن يجدث بدعة في دين الله. فاما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في انها بعد الثلاث أو بعد الاربع فان فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل کفضل الفرائض علي النوافل و السجدة دعاء و تسبيح فالافضل ان تکون بعد الفرائض فان جعل بعد النوافل أيضا جاز».

و کتب اليه صلوات الله عليه أيضا في سنة 308 هجري کتابا سأله فيه عن مسائل أخري سأل: ان قبلنا مشايخ و عجايز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة و أکثر و يصلون بشعبان و شهر رمضان. و روي لهم بعض أصحابنا: ان صومه معصية؟

فأجاب عليه السلام: قال الفقيه: يصوم منه أيامه الي خمسة عشر يوما الا أن يصومه عن الثلاثة الايام الفائتة للحديث «ان نعم شهر القضاء رجب».



[ صفحه 66]



و سأل عن الرکعتين الاخراوين قد کثرت فيها الروايات فبعض يروي: ان قراءة الحمد و حدها أفضل و بعض برويک ان التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لابهما لنستعمله؟ فأجاب (عج): قد نسخت قراءة أم الکتاب في هاتين الرکعيتن التسبيح و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: کل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج الا للعليل أو يکثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه.

و سأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما لايدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيکتب في أحدهما: (نعم افعل) و في الاخر: (لاتفعل) فيستخير الله مرارا ثم يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلک أم لا؟ و العامل به و التارک له أهو مثل الاستخارة أم هو سوي ذلک؟

فأجاب (عج): الذي سنه العالم [11] عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصلاة.

و سأل: عن الرجل ينوي اخراج شي ء من ماله وان يدفعه الي رجل من اخوانه ثم يجد في اقربائه محتاجا أيصرف ذلک عمن نواه له أو الي قرابته؟

فأجاب يصرفه الي ادناهما و أقربهما من مذهبه فان ذهب الي قول العالم عليه السلام «لايقبل الله الصدقة و ذو رحم محتاج» فليقسم بين القرابة و بين الذي نوي حتي يکون قد أخذ بالفضل کله».

أقول: فکل هذا الارجاع من الحجة (عج) لاحاديث آبائه المعصومين عليهم السلام مع أنه معصوم أيضا و قوله کقولهم حجة علي العباد ليس الا لتعليم الشيعة علي الرجوع الي الاحاديث المأثورة عن آبائهه عليهم السلام في الغيبة الکبري.

و الائمة الاثناعشر کلهم نور واحد و مشکاة واحدة قال هشام بن سالم و هو من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام و کذلک قال حماد بن عثمان و غيره قالوا: سمعنا اباعبدالله عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدي



[ صفحه 67]



و حديث جدي جديث الحسين، و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أميرالمومنين و حديث أميرالمومنين حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قول الله عزوجل [12] .

و قال جابر الجعفي (و هو من حواربي الباقر عليه السلام): قلت لابي جعفر عليه السلام: اذا حدثتني بحديث فأسنده لي فقال: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله تبارک و تعالي و کلما أحدثک أحدثک بهذا الاسناد و قال: لحديث و احد تأخذه عن صادق [13] خير لک من الدنيا و مافيها».

و روي الکليني عن الصادق عليه السلام انه قال: ليس يخرج شي ء من عند الله عزوجل حتي يبدأ برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم بأميرالمؤمين عليه السلام ثم بواحد بعد واحد لکيلا يکون آخرنا أعلم من أولنا» [14] .

و روي الکليني عن الحکم بن أبي نعيم قال: أتيت أباجعفر (الباقر) عليه السلام و هو بالمدينة فقلت له: علي نذر بين الرکن و المقام ان انا لقيتک أن لا أخرج من المدينة حتي أعلم أنک قائم آل محمد أم لا فلم يجبني بشي ء فأقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في طريق فقال: يا حکم و انک لههنا بعد فقلت: نعم اني أخبرتک بما جعلت لله علي فلم تأمرني و لم تنهني عن شي ء و لم تجبني بشي ء؟ فقال: بکر علي غدوة المنزل فغدوت عليه فقال عليه السلام: سل عن حاجتک؟ فقلت: اني جعلت لله علي نذرا و صياما و صدقه بين الرکن و المقام ان أنا لقيتک أن لا أخرج من



[ صفحه 68]



المدينة حتي أعلم أنک قائم آل محمد أم لا؟ فان کنت أنت رابطتک و ان لم تکن أنت، سرت في الارض فطلبت المعاش فقال: ياحکم کلنا قائم بأمر الله قلت: فأنت المهدي؟ قال: کلنا نهدي الي الله قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: کلنا صاحب السيف و وارث السيف قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله و يعز بک أولياء الله و يظهر بک دين الله؟ فقال: يا حکم کيف أکون أنا و قد بلغت خمسا و أربعين سنة؟ و ان صاحب هذا الامر أقرب عهدا باللبن مني و أخف علي ظهر الدابة» [15] .


پاورقي

[1] راجع صحيح مسلم ج4 ص110 و مسند أحمد ج5 ص181 و ج4 ص366 و فيض القدير للمناوي ج3 ص14 و الصواعق لابن حجر ص136 و الزمخشري في المناقب ص213 مخطوط و الحمويني في الفرائد و جمال الدين الحنفي في در و بحر المناقب ص116 مخطوط و الحافظ محمد بن أبي الفوارس في الاربعين ص14 مخطوط کما في احقاق الحق ج4 ص288 و ج9 ص198. و الخوارزمي في مقتل الحسين ص59، و الشيخ سليمان في ينابيع المودة ص82.

[2] يحتمل ارادة عالم الارواح أو التقرر العلمي للاشياء.

[3] و الخطاب في الاية الشريفة يشملنا نحن ابناء هذا الزمن أيضا و يهتف بنا عن تبديل الدين الحق و الرجوع الي العقب و الي الضلالة.

[4] أي ينقبض و يرتفع کناية عن ذهابه.

[5] أي لماوقع الکلام و المحادثة حوله.

[6] الکافي ج1 ص58 ح19.

[7] اي مکتوب.

[8] قال عنه العلامة الحلي «ابوجعفر القمي کان ثقة وجها کاتب صاحب الامر عليه السلام و سأله مسائل في ابواب الشريعة. و قال عنه النجاشي قال لنا احمد بن الحسين الفضائر (ابن استاذه): وقعت هذه المسائل الي في اصلها و التوقيعات بين السطور.

[9] للکاظم عليه السلام عدة ألقاب لشدة التقية في زمانه عليه السلام فکانت الشيعة تکني عنه بالعالم و الفقيه و العبد الصالح و غيرها من الالقاب خوفا من سلطات بني العباس.

[10] أي الامام الکاظم عليه السلام و هذا اخبار منه (عج) عن جده.

[11] قد ذکر المجلسي الاول (قده) في موضع من روضته أن لقب العالم هو لکل المعصومين (ع) لاخصوص الکاظم (ع) و أن هذا التخصيص اشتباه من بعض المتأخرين فتأمل.

[12] کما قال تعالي «ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي» «ان اتبع الا ما يوحي الي».

[13] اشارة الي المعصوم عليه السلام کما قال تعالي «کونوا مع الصادقين» أي المعصومين عليهم السلام.

[14] الکافي ج1 ص255.

[15] الکافي ج1 ص536.