الانقلاب علي تعاليم خيمة الاجتماع


ذکرت التوراة تحذير الله لبني إسرائيل واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا إلهکم وزغتم عن الطريق وأخبر القرآن الکريم أنهم لم يسمعوا وزاغوا عن الطريق. وقال تعالي: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) [1] والزيغ: الميل عن الاستقامة. ولازمه الانحراف عن الحق إلي الباطل. فهم زاغوا أولا. فأزاغ الله قلوبهم لسوء اختيارهم. وإزاغته تعالي إمساک رحمته وقطع هدايته عنهم کما يفيد التعليل بقوله (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) حيث علل الإزاغة بعدم الهداية. [2] .

والذين تلبسوا بالزيغ وفتحوا طريق الضلال. ظل منهجهم يعمل علي طريق الصد عن سبيل الله علي امتداد الرحلة الإسرائيلية. وانطلق تحت ظلاله الذين أخذوا بذيول آبائهم وخرجوا عن سبيل موسي وهارون عليهما السلام. وسنبين في موضعه أن الخط الذي خرج عن طريق هارون وبنيه. هو الذي صد عن سبيل المسيح عيسي عليه السلام وهو الذي مهد للمسيح الدجال بعد ذلک.

ويبين العهد القديم أن الانحراف فتحت أبوابه مع الفتوحات العسکرية من بعد موسي عليه السلام فمع القتال علي الملک اتسعت رقعة الأرض ودخل السبي ومعهم آلهتهم الغريبة وثقافاتهم التي تفسد الفطرة، وسجل العهد القديم قول يوشع بن نون لبني إسرائيل أنتم شهود علي أنفسکم إنکم قد اخترتم لأنفسکم الرب لتعبدوه. فقالوا:

نحن شهود. فالآن انزعوا الآلهة الغريبة التي في وسطکم وأميلوا قلوبکم



[ صفحه 55]



إلي الرب إله إسرائيل. [3] .

وتعليمات يوشع بن نون بنزع الآلهة الغريبة لم تلبث طويلا. لأنها ذابت في غبار المسيرة بعد وقت قصير، ويذکر سفر القضاة أن الشعب الإسرائيلي اختار لنفسه مجموعة من الزعماء تولوا قيادته، وکان هؤلاء الزعماء يتم اختيارهم وفقا لصفاتهم الجسمانية أو الشخصية، وکان معظمهم من العسکريين، وعلي أکتاف هذه الزعامة بدأت المسيرة تتجرد من المعني الديني الذي وضعت أصوله في خيمة الاجتماع، ولبست المسيرة رداء الغزو والاحتلال، ولم يکن الشعب علي امتداد هذه المدة يحکمه قائد واحد. فمع تمزيق الوحدة الدينية تمزقت الأرض من تحتهم وتحولت إلي رفع للأسباط والجنود، يقول سفر القضاء وفي تلک الأيام لم يکن ملک في إسرائيل، کان کل واحد يعمل ما يحسن في عينيه. [4] .

ومن القيادات التي ذکرها السفر، امرأة تدعي (ديورة) وکانت من العسکريين، يقول السفر وديورة.. زوجة لفيدوت. هي قاضية إسرائيل في ذلک الوقت.. وکان بنو إسرائيل يصعدون إليها للقضاء [5] ومنهم (جدعون) الذي قاد معارک ضد الجوالة، (والجلعاوي) الذي حارب بني عموت، و (شمشون) الذي حارب أهل فلسطين.

ويذکر السفر ما ترتب هذه الفتوحات وهذا القتال علي الملک، فيقول فسکن بنو إسرائيل في وسط الکنعانيين والحيثيين والآموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، واتخذوا لأنفسهم نساء. وأعطوا بناتهم لبنيهم. وعبدوا آلهتهم. فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب. ونسوا



[ صفحه 56]



الرب إلههم. وعبدوا البعليم والسواري [6] وعبدوا البعليم.

والعشتاروت. وآلهة آرام وآلهة صيدون. وآلهة مو آب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين. وترکوا الرب ولم يعبدوه [7] وزنوا وراء البعليم وجعلوا لهم بعل يرث إلها. [8] .

وهکذا جاءت النتيجة وفقا لمقدمة انقلبوا فيها علي أعقابهم بعد وفاة موسي عليه السلام بزمن يسير. لقد ساروا بلا رأس وراء الزخرف والأهواء.

فانتهت بهم أقدامهم وهم تحت سقف الامتحان إلي التيه والضياع.


پاورقي

[1] سورة الصف آية 5.

[2] الميزان 259 / 19.

[3] يوشع 24 / 21 - 23.

[4] القضا ة 17 / 6.

[5] المصدر السابق 4 / 4 - 6.

[6] المصدر السابق 3 / 5 - 7.

[7] المصدر السابق 10 / 6 - 7.

[8] المصدر السابق 7 / 33.