الشک و التقدم الي الخلف


في زمن المسيح عليه السلام بلغت الأحداث ذروتها، عندما عزم اليهود علي قتل المسيح لأنه لم يأت لهم بما تهوي أنفسهم. وفضح علمائهم الذين عکفوا علي تقاليد آبائهم. وکشف مخططاتهم التي تسعي لتهويد الفطرة بما لم ينزل به الله سلطانا، ولقد سجلت الأناجيل محاولات اليهود العديدة للفتک بالمسيح وکيف کان اليهود يخافون من تنفيذ محاولاتهم. نظرا لأن الجموع کانوا يعتبرون المسيح عليه السلام رسولا نبيا مبعوثا من الله تعالي، يقول متي في إنجيله ولما سمع رؤساء الکهنة والفريسيين المثلين الذين ضربهما المسيح. أدرکوا أنه کان يعنيهم هم ومع أنهم کانوا يسعون إلي القبض عليه. فقد کانوا خائفين من الجموع لأنهم کانوا يعتبرونه نبيا. [1] وسجلت الأناجيل أن المسيح عليه السلام کان يتخفي من اليهود. ولا يظهر لهم عندما يصل إلي علمه أنهم يبحثون عنه. ذکر يوحنا في إنجيله أن المسيح عليه السلام أمر تلاميذه بأن يشارکوا اليهود عيد الخيام وبعدما ذهب أخوته إلي العيد.

ذهب هو أيضا کما لو کان متخفيا لا ظاهرا، وأخذ اليهود يبحثون عنه في العيد. ويسألون: أين ذاک الرجل. وثارت بين الجموع مناقشات



[ صفحه 159]



کثيرة حوله فقال بعضهم: إنه صالح. وقال آخرون: لا بل إنه يضلل الشعب. ولکن لم يجرؤ أحد أن يتکلم عنه علنا خوفا من اليهود. [2] .

وبالجملة: جاء في إنجيل يوحنا بدأ يسوع ينتقل في منطقة الجليل متجنبا التجول في منطقة اليهود، لأن اليهود کانوا يسعون إلي قتله. [3] .

فالنصوص تفيد أن المسيح عليه السلام کان يتحرک بين الجموع. يأکل الطعام ويمشي في الأسواق ويأمر تلاميذه بمشارکة اليهود الأعياد التي سنها أنبياء بني إسرائيل، وکان الجموع يعلمون أن المسيح نبيا ليس له من الأمر شيئا إلا أنه يحمل رسالة الله إلي بني إسرائيل.

وإنه عليه السلام کان يأخذ بالأسباب لدفع الضرر عنه، فکان يتخفي من اليهود ولا يدخل منطقتهم. إلا بعد أن يأخذ بالأسباب لتحقيق أمنه وأمن تلاميذه، وذکر الإنجيل کيف کان المسيح يضج من استکبار القوم وصدهم عن سبيل الله، رغم ما يقدمه إليهم من علم ومعجزة، وکان يقول أيها الجيل غير المؤمن إلي متي أبقي معکم. إلي 0000 أحتملکم. [4] وشأنه في هذا کشأن جميع إخوته الأنبياء. کانوا يشعرون بالحزن عندما لا يأخذ الناس بأسباب الحياة الکريمة التي تحقق لهم السعادة في الدنيا بما يوافق الکمال الأخروي، وکانوا يشکون حزنهم إلي الله تعالي.

ورغم حرکة المسيح عليه السلام الواضحة کل الوضوح. إلا أن القوم أحاطوه بعد عهد البعثة بهالات تخرجه من دائرة البشرية إلي الألوهية، ووضعوا في الأناجيل نصوصا رشحت بهذا المعني، وعندما جاء بولس وقاد المسيرة أصبحت ألوهية المسيح عمودا لدعوته، وبين



[ صفحه 160]



النصوص التي تقول بنبوة المسيح وبين التي تقول بألوهيته تعددت الفرق والمذاهب، وکان هذا علي حساب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولما کان للدين الفطري شهود وأمناء علي امتداد المسيرة البشرية، ولما کانت النبوءة هي التي تفسر التاريخ وليس العکس، فإننا لکي نمسک بخيط الأحداث. لا بد أن نتتبع الأحداث وفقا لنصوص أصول النبوة، فننظر إلي الأحداث وحرکتها في الأناجيل. ثم نضع ذلک تحت الضوء القرآني، فبهذا وحده نصل إلي الحقيقة في مدونات أهل الکتاب، واضعين في الاعتبار أن الحق لا يخص بوجه وعلي أي تقدير، فهو بين السطور حجة علي کل من قرأ وإن عتمت علي السطور سحب التحريف والتأويل، وهو ظاهر في الکون الواسع وإن حاصرته أدوات الزينة والإغواء، وهو داخل النفس الإنسانية لأن الإنسان مجبول علي قبول الحق والخضوع الباطني أمامه. وإن طوقت الأهواء النفس، فالحق واضح المعالم في کل مکان وزمان لأنه حجة بذاته، والحق ينتصر في الدنيا ظاهرا أو باطنا. لأن الله تعالي أوجب علي نفسه أن يفني الباطل بالحق.

ولما کان النصاري يؤمنون بألوهية المسيح. وأن أحد تلاميذه قد خانه وسلمه إلي أعدائه. فجردوه من ثيابه. وبصقوا في وجهه. وضربوه علي رأسه بعد أن أوسعوه سخرية، ثم ساقوه إلي الصلب. وصلبوا معه لصين. وکان اللصان يسخران منه [5] ولما کان القرآن الکريم قد نفي ما ادعاه النصاري في حق المسيح، وقال تعالي: (لقد کفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) [6] وقال (لقد کفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [7] وقال في قصة الصلب (وما قتلوه وما صلبوه ولکن شبه



[ صفحه 161]



لهم) [8] فإننا سنلقي ضوءا علي الأحداث کما ذکرت في الأصول.

لتظهر الحقيقة من تحت السحب وتکون واضحة وضوح الشمس في کبد السماء، وأول ضوء نلقيه سيکون علي التلاميذ. لقولهم أن أحدهم قد خان المسيح. فإذا لم يظهر الخائن تحت الضوء. تصبح الدعوي منهدمة من أساسها ولا يبقي إلا الحق.


پاورقي

[1] متي 21 / 45.

[2] يوحنا 7 / 10 - 13.

[3] يوحنا 7 / 1.

[4] يوحنا 8 / 41.

[5] أنظر: متي 27 / 28 - 44.

[6] سورة المائدة آية 17.

[7] سورة المائدة آية 73.

[8] سورة النساء آية 157.