العترة بين التحذير و الابتلاء


إن الله تعالي يمتحن الناس بالناس. قال تعالي: (وجعلنا بعضکم لبعض فتنة أتصبرون وکان ربک بصيرا) [1] فدائرة الهدي علي امتداد المسيرة البشرية، فتنة لسائر الناس يمتحنون بهم، فيميز بهم أهل الريب من أهل الإيمان، والمتبعون للأهواء من طلاب الحق الصابرين في طاعة



[ صفحه 295]



الله وسلوک سبيله، وکما أن النبي (ص) أمر أمته بأن يتمسکوا بحبل العترة حتي لا يضلوا، وقال أذکرکم الله في أهل بيتي. أذکرکم الله في أهل بيتي. أذکرکم الله في أهل بيتي [2] وقال إني ترکت فيکم ما إن أخذتم به لن تضلوا. کتاب الله وعترتي أهل بيتي، [3] فإنه أخبر أمته بأنهم سيمتحنون بأهل بيته. قال إنکم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي، [4] وأخبر بالغيب عن ربه بما سيسفر عنه الامتحان، فقال إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا. [5] .

وأخبر النبي (ص) علي بن أبي طالب. بما سيجري له من بعده، وقال له إن الأمة ستغدر بک بعدي، وأنت تعيش علي ملتي، وتقتل علي سنتي، من أحبک أحبني، ومن أبغضک أبغضني، وإن هذه (يعني لحيته) ستخضب من هذا (يعني رأسه)، [6] وروي أن النبي (ص) قال له:

ألا أحدثک بأشقي الناس، رجلين، أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربک يا علي علي هذه (يعني رأسه) حتي تبتل منه هذه (يعني لحيته). [7] .

وأخبر النبي (ص) الحسين بن علي بما سيجري له من بعده، وروي ابن کثير عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: أشهد لقد سمعت عائشة تقول: أنها سمعت رسول الله نهض يقول: يقتل الحسين بأرض



[ صفحه 296]



بابل [8] وروي الحاکم عن ابن عباس قال: ما کنا نشک وأهل البيت متوافرون أن الحسين يقتل بالطف [9] وروي أن النبي (ص) قال: إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق يقال لها کربلاء. فمن شهد ذلک فلينصره، [10] وقال النبي (ص): أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه. [11] .

والخلاصة: إن الله يختبر الناس بالناس، وعلي هذا الاختبار يظهر أهل الريب من أهل الإيمان، قال تعالي: (وجعلنا بعضکم لبعض فتنة)، [12] وقال سبحانه (وکذلک فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا. أليس الله أعلم بالشاکرين)، [13] وقال تعالي: (وهو الذي جعلکم خلائف في الأرض. ورفع بعضکم فوق بعض درجات ليبلوکم في ما آتاکم)، [14] والدعوة الخاتمة بينت الدرجات. وأمر تعالي بمودة قربي النبي (ص). قال تعالي: (قل لا أسألکم عليه أجرا إلا المودة في القربي) [15] وبينت الدعوة أن الذين لا يصلون ما أمر الله به أن يوصل، والذين لم يأخذوا بما أمرهم تعالي به من طاعة وبما نهاهم به من نهي، فهؤلاء خاسرون في الدنيا والآخرة، قال تعالي: (الذين



[ صفحه 297]



ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئک هم الخاسرون)، [16] وقال جل شأنه (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامکم، أولئک الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم). [17] .

وبينت الدعوة الإلهية الخاتمة. أن عدم مودة الذين أمر الله بمودتهم، يفتح الطريق أمام مودة أعداء الفطرة وقد أمروا بعدم مودتهم، قال تعالي (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوکم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد کفروا بما جاءکم من الحق). [18] فالآية تنهي عن مودة المشرکين والکفار وتنهي أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء. وتفتح الطريق أمام عبادة الأهواء والأوثان. قال تعالي حاکيا عن إبراهيم قوله لقومه (قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينکم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يکفر بعضکم ببعض ويلعن بعضکم بعضا) [19] قال المفسرون: وبخهم علي سوء صنيعهم في عبادة الأوثان. وقال: إنما اتخذتم هذه ليجتمعوا علي عبادتها في الدنيا صداقة وألفة منکم بعضکم لبعض في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة ينعکس هذا الحال، فتبقي هذه الصداقة والمودة بغضا وشنآنا، وتتجاحدون ما کان بينکم، ويلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعين الأتباع.

فالطريق يبدأ بأمر الله ونهيه، وعلي امتداد الطريق يمتحن الله الناس ببعض الناس، فمن سلک فيما أمر الله به نجا، ومن لم يؤخذ بوصايا الله ضل، والله تعالي أمر بصلة الأرحام، وذروة الأرحام عترة



[ صفحه 298]



النبي الخاتم (ص)، قال (ص) إن الله تعالي جعل ذرية کل نبي في صلبه.

وأن الله تعالي جعل ذريتي في صلب علي بن أي طالب، [20] وقال أن لکل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم، [21] وقال نحن خير من أبنائنا، وبنونا خير من أبنائهم، وأبناء بنينا خير من أبناء أبنائهم، [22] وهکذا فکما أن للعلم درجات، فللأرحام درجات، وميزان هذه الدرجات هو التقوي والعلم بالله، فمن التف حول الذين أمر الله بمودتهم شرب من الماء، ومن أبي فتحت عليه مودة أخري يتهوکون فيها تهوک اليهود في الظلم، ويوم القيامة يعض علي يديه، قال تعالي: (يوم يعض الظالم علي يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذکر بعد إذ جاءني. وکان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا). [23] .

وعلي امتداد المسيرة الإسلامية. قامت طائفة الحق بالدفاع عن الفطرة، ولم يضرها من عاداها أو من خذلها، وفي عهد الإمام علي.

خرج عليه أصحاب الأهواء، فقاتلهم الإمام علي تأويل القرآن، وعنه أنه قال أمرني رسول الله (ص) بقتال الناکثين والقاسطين والمارقين، [24] فالناکثين: أهل الجمل، والقاسطين: أهل الشام، والمارقين: الخوارج، وانطلقت مسيرة الإمام رضي الله عنه بأعلام الحمية، وروي أن النبي (ص) قال له أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل في سنتي وتبرئ ذمتي، من مات



[ صفحه 299]



في عهدي فهو کنز الله، ومن مات في عهدک فقد قضي نحبه، ومن مات يحبک بعد موتک ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضک مات ميتة جاهلية. وحوسب بما عمل في الإسلام، [25] وقال (ص) من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية، ومن فاتل تحت راية عمية. يغضب لعصبته ويقاتل لعصبته وينصر عصبته، فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشي لمؤمنها ولا يفي الذي عهدها، فليس مني ولست منه. [26] .

وتحت هذا الضوء انطلقت الأمة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء، والله تعالي ينظر إلي عباده کيف يعملون. لاستحقاق الثواب والعقاب يوم القيامة.



[ صفحه 300]




پاورقي

[1] سورة الفرقان آية 20.

[2] رواه مسلم (الصحيح 123 / 7).

[3] رواه الترمذي وحسنه (الجامع 662 / 5) والنسائي (کنز العمال 172 / 1).

[4] رواه الطبراني (کنز العمال 124 / 11).

[5] رواه الحاکم ونعيم بن حماد (کنز العمال 169 / 11).

[6] رواه أحمد والحاکم وصححه (المستدرک 142 / 3) والدارقطني والخطيب (کنز العمال 617 / 11) والبيهقي (البداية 218 / 6).

[7] قال الهيثمي رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات (الزوائد 136 / 9) و الحاکم والبيهقي بسند صحيح (المستدرک 141 / 3، البداية والنهاية 218 / 6، کنز العمال 136 / 13).

[8] البداية والنهاية 177 / 8.

[9] رواه الحاکم وقال السيوطي سنده صحيح (الخصائص / السيوطي 213 / 2).

[10] رواه البغوي وابن السکن والبارودي وابن منده وابن عساکر وأبو نعيم (البداية والنهاية 199 / 8) (کنز العمال 126 / 12) (الخصائص الکبري 213 / 2) (أسد الغابة 349 / 1) (الإصابة 68 / 1).

[11] أخرجه الطبراني في الکبير والأوسط باختصار (الزوائد 188 / 9) والماوردي في أعلام النبوة بسند صحيح ص 83.

[12] سورة الفرقان آية 20.

[13] سورة الأنعام آية 53.

[14] سورة الأنعام آية 165.

[15] سورة الشوري آية 23.

[16] سورة البقرة آية 27.

[17] سورة محمد آية 23.

[18] سورة الممتحنة آية 1.

[19] سورة العنکبوت آية 25.

[20] رواه الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس (کنز 600 / 11).

[21] رواه الحاکم وابن عساکر (کنز 98 / 12).

[22] رواه الطبراني (کنز 104 / 12).

[23] سورة الفرقان آية 27.

[24] رواه ابن عدي والطبراني وقال ابن کثير روي عن طرق عديدة (البداية والنهاية 334 / 7) (کنز العمال 292 / 11).

[25] رواه أبو يعلي وقال البوصيري رجاله ثقات (کنز العمال 159 / 13).

[26] رواه مسلم (کنز العمال 509 / 3) وأحمد (الفتح الرباني 52 / 23).