اضواء علي القص


قال رسول الله (ص) إن بني إسرائيل لما هلکوا قصوا. [1] وقال سيکون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم، [2] وأول من أمر بالقص، عمر بن الخطاب، روي الإمام أحمد عن السائب بن يزيد قال: إنه لم يکن يقص علي عهد رسول الله (ص) ولا أبي بکر. کان أول من قص تميم الداري. إستأذن عمر أن يقص علي الناس قائما فأذن له. [3] .

واستلم بني أمية أعلام القص بعد ذلک، روي أن عبد الملک بن مروان قال: إنا جمعنا الناس علي أمرين. رفع الأيدي علي المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، [4] ولبس القص الزي الديني في عهد بني أمية، وذلک أن النبي (ص) کان يبدأ بالصلاة في العيدين ثم يخطب بعد ذلک، ففعل بني أمية العکس. وبدؤوا بالخطبة لينشروا بذلک مذهبهم السياسي بين الناس، روي الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري.



[ صفحه 315]



أن رسول الله (ص). کان يخرج يوم الأضحي ويوم الفطر. فيبدأ بالصلاة.

فإذا صلي صلاته وسلم. قام فأقبل علي الناس وهم جلوس في مصلاهم. فإن کان له حاجة ببعث ذکره للناس. أو کانت له حاجة بغير ذلک أمرهم بها. [5] .

أما التغيير ففي ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن مروان خطب قبل الصلاة. فقال له أبو سعيد: غيرتم والله. قال مروان: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقال: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، قال مروان: إن الناس لم يکونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة وقد اختلف في أول من سن هذه السنة، قال في تحفة الأحوازي: اختلف في أول من غير ذلک، فرواية الإمام مسلم صريحة في أن مروان أول من بدأ الخطبة قبل الصلاة، وقيل. سبقه إلي ذلک عثمان بن عفان، روي ابن المنذر بإسناد صحيح إلي الحسن البصري قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، وروي أن مروان فعل ذلک تبعا لمعاوية، ومعاوية عندما قدم المدينة قدم الخطبة.. [6] .

وکان الإمام علي يتصدي للقصاصين وينهاهم عن القص، فعن أبي البحتري قال: دخل علي بن أبي طالب المسجد، فإذا رجل يخوف، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يذکر الناس، فقال: ليس برجل يذکر الناس. ولکنه يقول أنا فلان بن فلان. اعرفوني، فأرسل إليه فقال:

أتعرف الناسخ من المنسوخ، قال: لا، فقال: أخرج من مسجدنا ولا تذکر فيه. [7] .



[ صفحه 316]



وبالجملة: قال في الفتح الرباني: القص هو إخبار الناس بقص الماضين، وعمل ذلک مذموم شرعا، لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية، ولم يعهد ذلک في عصر النبي (ص). وقال ابن حبان. قال أبو حاتم: کان القصاصون يضعون الحديث في قصصهم، وکانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع أکثر جسارة علي وضع الحديث، [8] کما وضعوا أحاديث تنافي عصمة الأنبياء. فجعلتهم يخطؤن، ونسبوا إلي النبي (ص) أنه کان يسب ويلعن ويجلد بغير سبب، ونسبوا إليه أنه کان يسهو في الصلاة وأنه کان ينسي آيات القرآن الکريم، وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين جلدوا الشعوب وضيعوا الصلاة، وأن يعطوا للذين لعنهم الله علي لسان رسوله (ص). جواز المرور لتولي المراکز القيادية.

ووضع القصاصون أحاديث تحمل بصمة أهل الکتاب، والصق بالتفسير روايات وقصص لا يتصورها عقل ولا يجوز أن يفسر بها کتاب الله، ووضعوا في هذه الأحاديث. أن الله يشغل حيزا من المکان، ويضحک وينتقل من مکان إلي آخر، وأنه يتألف من أعضاء، وهو عبارة عن هيکل مادي، وعين ويد وأصابع وساق وقدم.

وبالجملة: کان القص وراء تغييب العقل ووطئه بالأقدام، وتحت سقفه إختل منهج البحث ومنهج التفکير ومنهج الاستدلال، وعلي موائده لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقيمية إلا بعد عناء شديد، وکان القص وراء إهمال الواجبات والتسامح في المحرمات والتهاون بالسنن والمستحبات، وکان البذرة الأولي لظهور المبادئ والمنظمات الباطلة التي وضعت القوانين علي طبق أهوائهم وآرائهم، وعلي هذه المبادئ انقسمت الأمة إلي قوافل. وکل قافلة تتولي حزبا وتحبه. لأنها



[ صفحه 317]



تميل إلي قوانينه وتحب القائمين عليه، وعلي رؤوس الجميع الحجة قائمة. والله تعالي ينظر إلي عباده کيف يعملون.


پاورقي

[1] رواه الطبراني ورجاله موثقون وفيه الأجلح الکندي والأکثر علي توثيقه (الزوائد 189 / 1).

[2] رواه ابن فضالة في أماليه (کنز العمال 282 / 10).

[3] رواه أحمد والطبراني (الزوائد 190 / 1) والعسکري عن بشر بن عاصم (کنز 281 / 10) والمروزي عن أبي نضرة (کنز 281 / 10).

[4] رواه أحمد والبزار وقال ابن حجر إسناده جيد (الفتح الرباني 194 / 1).

[5] رواه مسلم (الصحيح 20 / 3).

[6] تحفة الأحوازي 74 / 3.

[7] رواه العسکري والمرزوي (کنز العمال 281 / 10) وانظر: کنز العمال 282 / 10.

[8] المجروحين / ابن حبان ص، 88 / 1.