قبل التمهيد


وهي المرحلة التي تسبق التمهيد للظهور، وقد عبرت عنها الروايات أن الأمّة في العراق سوف يعانون التمحيص وسوف يعانون الابتلاء والشدة من حکام جور سوف يحکمون هذا البلد ويحکمون هذه البقعة الجغرافية، هذا الجور يؤدي إلي حالات صعبة يمر بها العراق والشعب العراقي، هذه الحالات قد عبرت عنها الروايات بأنواع مختلفة.

من جملة تلک الأنواع التي يمر بها العراق في عصر قبل التمهيد، وهو العصر الأوّل الذي نتحدّث عنه، أن هذه المرارة التي يمر بها المجتمع العراقي سوف تؤدّي إلي عدّة ضغوط، منها نفسيّة وضغوط دينيّة وضغوط اقتصادية، وحتي في طوبوغرافية المجتمع العراقي.

هذه الصور المتعددة التي تحدثت عنها الروايات صورت لنا أن العراق سوف يُحکم من قبل حکّام جور، هؤلاء الحکام يغيرون کثيراً من خصوصيّة هذه المنطقة مما يجعل المنطقة تعيش في حصار اقتصادي، وهو المعبر عنه في الروايات بالجوع: «يشمل أهل العراق جوع ذريع.. يشمل أهل العراق نقص في الأموال» [1] هذا کله يوجد في نصوص وروايات وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والأئمة عليهم السلام تحدثوا عن الجوع والحصار والألم الاقتصادي الذي يمر به الشعب العراقي قبل مرحلة التمهيد.

هذا شيء قد مر به العراق مرات کثيرة، ولکن قد يکون آخر مرة مر به خلال الحقبة الزمنية الأخيرة التي تجاوزت العشر سنوات.

الشيء الآخر الذي يمر به العراق حالة الحروب المتکررة وکثرة الدم وکثرة القتل وکثرة الذبح، مما يؤدي إلي انتشار حالة اجتماعية مرفوضة، وهي حالة الخوف الذريع، والخوف الذريع سببه اللاأمن الذي سوف يکون في العراق.

هذا الخوف الذريع ـ للأسف الشديد ـ سوف يؤثر علي إرادة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته تحکمه خصوصيات اجتماعية ونفسية وإن أراد أن يتجرد منها أو يکبر عليها، لکن هناک ضغوط اجتماعية قد تفقد الإنسان في کثير من الأحيان إرادته، هذه الحالة سببها الخوف، والذي يمکن أن نرجع سکوت الشعب العراقي أو کثير من قطاعات الشعب العراقي عما مر عليه من الاضطهاد والحرمان والعذاب والقتل وما إلي ذلک، مع أنه کان ـ تقريباً ـ ساکتاً بالشکل العام نتيجة في کثير من الأحيان لما يفسر بفقدان الإرادة، فالإنسان عندما يري الظلم لابد أن يقاتل الظلم لکنه کان فاقد الإرادة أمام الظلم وغير قادر علي أن يجابه الظلام والحکام الذين سبق وأن حکموه وسلبوا إرادته.

هذه الحالة تظهر قبل مرحلة التمهيد، والتي عبر عنها الإمام الصادق عليه السلام في کثير من تلک الأحيان بأنه «وخوف ذريع يشمل أهل العراق».

هذا الخوف الذريع قد يؤدي إلي تغيير خصوصيات التفکير عند الإنسان، ولکن مع ذلک هذا الخوف الذريع، قد يؤدّي إلي حالة إيجابية، ليست فقط السلبية، وإنما قد تکون هناک حالة إيجابية، وهذه الحالة الإيجابية تميز وتغربل الناس بغربال کما يقول الإمام الصادق عليه السلام: «بغربال» تميّزهم علي قسمين وهذه الرواية رواها النعماني في غيبته عن أبي بصير عندما کلّمه الإمام الصادق علي ما يمر علي أهل العراق من الفتن والامتحان والبلايا، وأنهم يغربلون کغربلة الغربال فيميز أحدهم عن الآخر، الرديء عن الحسن. [2] .

هذا التمييز إنما يأتي من الفتن، يأتي من الضغوط التي يمر بها المجتمع العراقي، هذا في هذه المرحلة.

هنا سؤال قد يثار: لماذا يمتحن هذا الشعب بهذا الامتحان، وقد نجد أن أکثر الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور، بحيث أنّ الفقيه وأن القارئ المستنبط لتلک الروايات التي تحدثت عن عصر الظهور يجد أن أکثر تلک الروايات التي تحدثت عن عصر الظهور وما فيها من علامات ودلالات وآيات وما إلي ذلک تحدث بالعراق؟ يعني هذه المرحلة التمهيدية ـ المرحلة الأولي ـ أن هذه العلامات أکثرها تصير في العراق قبل أن تشمل العالم وقبل أن تشمل المناطق الأخري، لماذا هذا التمحيص والابتلاء في العراق؟ لماذا هذا الامتحان وشده الامتحان في العراق؟

الجواب: لأن الله سبحانه وتعالي أخذ العراق مکاناً جغرافياً مهماً لحرکة الإمام المهدي، وهو الذي نقرؤه في العصر الثالث، وهو عصر ظهوره وعصر حرکته عجل الله تعالي فرجه الشريف، فإنّ موقع التحرک المهم يکون في العراق، ولذلک سوف يکون هذا الموقع بأهميته أن يکون الجمهور والمجتمع والناس الذين يسکنون في هذا الموقع الجغرافي يکونون بمستوي هذه المهمة.

بمعني أنه لابد من تناسب طردي بين مهمة المهمة وبين شخصية المجتمع الذي يسکن في تلک الأرض التي تتحمل هذه المهمة، عندما نقرأ أن عاصمة الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه سوف تکون في العراق وتکون في الکوفة، عندما نقرأ أن مرحلة تحرک الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه تکون من الکوفة أو من العراق فلابد أن يکون المجتمع في ذلک الموقع قد تحمل کل الامتحانات ولم يسقط أمامها، وتحمل کل الهموم ولم يسقط أمامها.

هذا المجتمع الذي لم يسقط أو الذي خرج من الامتحان ناجحاً يکون مؤهلاً لقيادة البشرية وقيادة العالم، فلذلک لأجل أن يکون هذا المجتمع القائد والمجتمع الرائد الذي يقوم بمرحلة هداية البشرية، لابد أن يکون قد مر بالامتحانات السابقة الصعبة وقد خرج منها ناجحاً.

وبالفعل کان التأکيد الإلهي علي العراق لأن العراق دولة الإمام، ولأن العراق مجتمع الإمام، ولأن العراق محط قيادة قادة الإمام وجند الإمام، لذلک لابد لهذا المجتمع أن يمر بالامتحان.

إذن هذا الامتحان وهذا العذاب وهذا التمحيص لم يکن سخطاً إلهياً علي المجتمع کما يصوّره بعض الناس عندما يقرؤون حرکة الإمام، وإنما هذه العلامات التي تظهر من أجل أن يوفر المجتمع کل خصوصيات وکل صفات القيادة المؤهلة له لقيادة البشرية، نلاحظ الدور الإيجابي للمجتمع العراقي في عصر الظهور، هذا الدور مترابط بالمراحل.

إذن هذا العذاب وهذا المرار الذي يمر به العراق ويمر به المجتمع العراقي سوف يؤهّله وينظّمه ليأخذ دوره الطبيعي.

نحن في عقيدتنا الإمامية أن الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه لا يظهر بصورة إعجازية ويريد أن يثبت الإعجاز في الأرض وفي الوجود، وإنما يظهر عجل الله تعالي فرجه بشکل طبيعي عندما تتوفّر القواعد وتتهيّأ القيادة المؤهّلة لذلک الدور التغييري للعالم، وليس للعراق فقط، وليس للعرب فقط، وليس للمسلمين فقط، وإنما التغيير الأرضي، وبواسطة التغيير الأرضي سوف يکون هناک تغيير کوني، فالکون سوف يتغيّر.

قد تعجب کيف يکون تغيير الکون؟! هذا يحتاج إلي حديث حول دور المهدي في تغيير المجموعة الشمسيّة وحرکة المجموعة الشمسيّة، وهذا فيه لحاظات ليست انطلاقاً من روايات وأحاديث فقط وإنما من خلال بحوث علمية تتحدث عن هذا التغيير الکوني الذي سوف يحدث في عصر المهدي عجل الله تعالي فرجه.


پاورقي

[1] لاحظ: الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 369، کشف الغمة للأربلي: 3/ 256.

[2] عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «...لابد للناس أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق کثير»، راجع کتاب الغيبة للنعماني: 204، ح6.