الأسئلة و الأجوبة


السؤال الأول: ما قول سماحتکم في بعض الدراسات القائلة في المهدي بأنّه ليس بشراً منّا أهل البيت، وإنّما هو ممکن أن يکون تغيير جذري في فکر الناس، أو هو دولة قويّة تقدّم الإسلام بفکره الصحيح وبأسلوبه المستقيم ويتمحور الناس حولها ويقبلونها؟

الجواب: الواقع إذا أردنا الموضوع من لحاظ ديني، فإنّ الروايات المتواترة عند السنّة والشيعة بالإجماع ـ لم يشذ عنهم شاذ ـ قد نصّوا علي هذا الرجل الذي اسمه المهدي عجل الله فرجه أو صفته المهدي وصفته القائم، وعندنا نحن باسمه الشريف ابن الإمام الحسن العسکري عليه السلام، وعندنا صفاته الجسميّة موجودة في الروايات، وعندنا أنه ولد في 15شعبان وقد روت السيّدة حکيمة يوم ولادته وکيف ولد، وعندنا أنّ هذا الإمام هو الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

هذا کلّه موجود بمئات بل بآلاف الروايات، فمثلاً واحد من الکتب التي جمعت قسم من هذه الروايات اسمه العبقري الحسان باللغة الفارسية هذا طبع علي الحجر، لو يطبع علي الطبعة الحديثة فسوف لن يکون أقل من عشرين مجلّداً، يجمع بعض تلک الروايات التي تحدّثت عن الإمام المهدي، عندنا موسوعات تحدّثت عن الإمام المهدي عجل الله فرجه وجمعت الروايات حوله.

فالرؤية الدينيّة الإسلاميّة للإمام المهدي عجل الله فرجه محصورة به.

السؤال الثاني: السلام علکيم، لو افترضنا ـ کما قلتم ـ أنّ المجتمع الإنساني في وقت الظهور قد وصل إلي أعلي درجة في التکامل الإنساني، فهناک إشکال، وهو الحديث المشهور الذي يقول أنّه: «سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً» فحيث هناک تناقض ـ ظاهراً ـ بين الحديث والمطلوب، نرجوا توضيح ذلک ورفع هذا التناقض جزاکم الله خير الجزاء؟

الجواب: طبعاً عندما نتحدّث عن المجتمع قبل الظهور غير المجتمع ما بعد الظهور.

أمّا کيفيّة امتلاء الأرض بالظلم والجور فتفسير هذا الامتلاء فيه آراء کثيرة، لکن أهم تلک التفسيرات هو أنّ هذا الامتلاء قبل ظهور صاحب الأمر عجل الله فرجه المقصود منه علي مرّ التأريخ بحيث لم تبق منطقة لم يشملها الظلم والجور، وهو المعبّر بالروايات التي تفسّرها طبعاً الروايات، فإنّ الروايات يفسّر بعضها بعضاً، کما نفسّر القرآن بالقرآن وبالرواية فنفِسّر الرواية بالرواية وبالقرآن، هذا التفسير اعتمد علي جملة من الروايات، والموضوع يحتاج إلي تفصيل لست الآن بصدد بيانه وإنّما إشارة لأجيب علي هذا السؤال، وهذه الرواية تقول: ما يبقي أصحاب ملّة إلاّ وحکموا قبل صاحبنا أو قبل حکمنا، وفي روايات أخري لئلاّ تکون للناس حجّة فيقولوا لو حکمنا لعدلنا. [1] .

هذا المقصود «لو حکمنا لعدلنا» يعني أنّ الکل يحکم والکل تظهر منه مظاهر الجور والظلم بما يمتلئ به الوضع الأرضي، ممّا يمکنه أن يمتلئ.

وأمّا امتلاء الأرض قسطاً وعدلاً ما بعد الظهور، فيعني أنّ البشرية تکون متکاملة.

أمّا کيف يکون وکيف يتحقّق التکامل، فهذا يحتاج إلي حديث مفصّل، باعتبار أنّ التکامل الذي يظهر في دولة صاحب الأمر ويملأ الأرض يطرح علينا سؤالاً هو: الأشرار أين يذهبون والظلاّم أين يذهبون؟ وهذا ما يجاب عنه أنّ في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه يحکم بحکم داوود، وهل يوجد في حکمه إلاّ السيف؟!

الآن السيف والقوّة والحديد والحوار، وهذا يحتاج إلي مجال للحديث وتفصيل متي يستعمل السيف ومتي يستعمل الحوار.

هذا الموضوع أيضاً له من الأهمية الکبيرة ما نحتاج إلي البحث، ولکن المقصود بعد ما تتوفّر في حکمه کل الظروف لتطهير الإنسان وتطهير الأرض أو تطهير الأرض فيتطّهر الإنسان، حينئذ يمکن للإنسان أن يصل إلي مراتب الکمال.

يوجد موضوع وهو قد يعبّر عنه بالتأثيرات الاجتماعية علي سلوک الفرد وسلوک المجتمع، المعبّر عنه في علم الاجتماع بالعقل الجمعي، هذه نظرية العقل الجمعي وتأثير العقل الجمعي علي العقل المفرد أو السلوک الفردي بالنسبة للإنسان والسلوک الجماعي للأمّة کمجتمع، سوف يتخلّص الفرد من العقل الجمعي الشرّير والجائر والظالم في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، فلذلک يتوفّر للإنسان العقل الکامل والعقل المرشد.

السؤال الثالث: إذا کان الإنسان في عصر النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لم يصل مائة بالمائة إلي الإنسان الکامل، فما هي يا تري نسبة الإنسان الکامل في عصرنا هذا الذي نعيشه؟

سؤال آخر حول نفس المحور ـ تقريباً ـ: في الأول والآخر الله وحده العالم ولکن حسب علمکم ما مدي نضوج المجتمع الإنساني في الوقت الحاضر ليکون بمستوي مجتمع عصر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟

الجواب: قلنا بالنسبة إلي ظهور الکمالات أن شغل الأنبياء وشغل الأئمة عليهم السلام ليس علي الکم، فالمهمّة الأساسية التي کانت علي النبي وعلي الأنبياء الذين سبقوه والأئمة عليهم السلام لم يکن الأصل فيها العدد الکمي وأنّهم يجعلون أکثر ما يستطيعون من الإنسان الکامل، وإنّما کان الجانب الرتبي من الإنسان، يعني إظهار أعلي مراتب الإنسان الکامل وإن کان أقل عدداً.

أمّا في عصر اکتمال الشريعة، فعندما تکمل الشريعة، عندما تنزل الآية الکريمة)الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکُمُ الإِْسْلامَ دِين) [2] الکمال في تمام الشريعة، هذا يوفّر الفرصة لظهور الإنسان الکامل، تلاحظون هذا شرط أساسي للإنسان، فلذلک لم تکن مهمة الأنبياء هي أن تکون المساحة الکمية، وإنّما کانت المهمة هي المساحة النوعية، فالمساحة النوعية عندما تتکامل في آخر المجتمعات الإنسانية سوف تظهر في ذلک المساحة الثانية وهي المساحة الکمية.

أمّا مجتمعنا أو باقي المجتمعات والقياس عليها ـ کما سألتم ـ فهذا حديث يحتاج أن نتحدّث عن مجتمعنا والقوانين الاجتماعية الحاکمة في المجتمع الإنساني بشکل عام والإسلامي الذي نطمح إليه، وهذا يحتاج إلي بحث خاص.

أمّا إلي أين وصلنا، نرجو من الله سبحانه وتعالي أن يجعلنا من المجتمعات التي تحظي بنظرة صاحب الأمر عجل الله فرجه، ويرحمنا ويرفعنا من مستوانا إلي أعلي مستوي، ويجعلنا ممّن يوفّق لرؤيته وخدمته والظهور في دولته عجل الله فرجه.

والحمد لله رب العالمين


پاورقي

[1] کتاب الغيبة للنعماني: 274 الحديث 53.

[2] المائدة (5): 3.