مشهد الولادة کما تصوره السيدة حکيمة


شمس غروب تموز تقرض المنازل بغلالة ذهبية وکانت نسائم نديّة تهبّ منناحية دجلة، وقد بدت المئذنة الملوّية تستعد لرفع الاذان.

انفتح باب منزل الامام ليخرج خادم أسود تفوح منه رائحة المسک آخذاً سمتهالي منزل قريب هو منزل المرأة الصالحة حکيمة بنت الجواد عمّة الامام الحسن التيما انفکّت تتفقّد ابن اخيها وتزور زوجته الطيبة «نرجس» تلک الفتاة التي امضتشهوراً طويلة في منزلها قبل ان تنتقل الي منزل أخيها.

طرق کافور الخادم الباب علي عمة الامام قائلاً:

ـ ان سيدي يقول: اجعلي افطارک الليلة عندنا!

خفق قلب السيّدة لهذه الدعوة، وشعرت أن أمراً مهمّاً يکمن وراء ذلک.

عندما غطست الشمس في بحيرة المغيب کانت السيدة حکيمة تلج منزل ابنأخيها... المنزل تفوح فيه روائح ورود ربيعية..

استغرفتها حالة فرح عندما استذکرت انها ليلة جمعة حيث تحلو أحاديث السمرفي سماء صيفية تزخر بالنجوم.

منذ أيام وهي لم تسعد برؤية فتاتها الطاهرة نرجس.

استقبل الامام عمّته بابتسامة أضاءت وجهه الاسمر، وهي ايضاً فرحت بلقاءابن أخيها.. ولکنها سرعان ما شعرت بالالم لمنظر الشيب في ذقنه رغم أنه لم يبلغالخامسة والعشرين من ربيع العمر!

نظرت في عينيه وقد تألق فيهما نور سماوي کانت تريد استکشاف ما وراء هذهالدعوة في هذا الوقت!

قال الذي عنده علم الکتاب:

ـ اءنها ليلة النصف من شعبان..

وأردف وهو ينظر الي السماء.

ـ وان الله تبارک وتعالي سيظهر في هذه الليلة حجّته في الارض..

والتفت اليها قائلاً بصوت فيه أصداء النبوءات البعيدة:

ـ سيولد في هذه الليلة المولود الکريم علي الله عز وجل.. الذي يحيي الله بهالارض بعد موتها.

کانت حکيمة تتوقع ذلک منذ أمد ولکن التوقيت أدهشها لانها کانت تتفقدجواريه فلعل «نسيم» أو «ماريا» قد حملت منه.. وعهدها بنرجس قبل ايام قالتبلهجة فيها تساؤل مشوب بدهشة:

ـ ومن أمّه؟!

ـ نرجس

ـ نرجس؟! فداک يا بن أخي ما بها من أثر.

قال الذي مسّته السماء بالطهر:

ـ هو ما أقول لک!

وجاءت نرجس تستقبل المرأة التي علمتها کلمة الاسلام:

ـ يا سيدتي وسيّدة أهلي کيف أمسيت؟

عندما وقعت عينا حکيمة علي «نرجس» خفّت اليها وعانقتها قائلة!

ـ بل أنتِ سيدتي وسيّدة أهلي!

غمرت الدهشة وجه نرجس البري:

ـ ما هذا يا عمّة؟!

وانحنت لتخلع خفّي المرأة الصالحة التي تشعر قربها بالسکينة:

ـ ناوليني خفّک يا سيدتي؟!

قالت السيدة حکيمة وقد أشرقت الفرحة في عينيها:

ـ بل أنت سيدتي ومولاتي.. والله لا أدفع خفّي لتخلعيه، ولا لتخدميني.. بلأنا أخدمک علي بصري!

ارتسمت في عيني نرجس النجلاوين علامات سؤال کبري، ورمقت باجلالزوجها العظيم الذي ابتسم قائلاً:

ـ جزاک الله ياعمّة خيراً!

وقادت السيّدة حکيمة نرجس الي الحصير وقد غادر ابن اخيها المکان.. قالتوهي تقبل علي الفتاة بفرح:

ـ يا بنيّة انّ الله سيهبُ لک في هذه الليلة غلاماً سيّداً في الدنيا والاخرة.

وأطرقت نرجس وقد تورّدت وجناتها بوهج الحياء.

القمر يتألق في سماء بهية مغمورة بنور شفيف، وکانت السيدة حکيمة قدتناولت افطارها بعد أداء فريضة العشاء وأخذت مضجعها تسبح الله وتحمده..وبقربها رقدت السيدة نرجس.. أمّا الامام فقد أخذ مضجعه فوق صفّة في فناءالبيت..

عيناه تسافران عبر المديات البعيدة حيث تومض النجوم في سامراء غارقة فيهدأة الليل والمنارة الملوّية تبعث ضوءاً خابياً يرشد القوافل المسافرة..

البدر ما يزال بهياً في الهزيع الاخير من الليل، وقد کفّت الذئاب البعيدة عنالعواء.

استقيظت السيدة حکيمة کعادتها في مثل هذا الوقت لاداء صلاة الليل..ونهضت تسبغ وضوءها.. ألقت نظرة علي نرجس کانت تغفو بسلام.. أنفاسهامنتظمة ووجهها الملائکي يعکس ما تزخر به أعماقها من طهر ونقاء..

کان الامام قد استيقظ وأسبغ وضوءه لرحلة الليل يرافق القمر والنجوم.. قلبهيطوف السماوات البعيدة.. لم يکن الامام ذاق من النوم سوي لحظات.. وکيف له أنينام وهو يترقب ميلاد البشارة.. بشارة الرسالات القديمة..

في هذه الليلة المبارکة سيولد شبيه موسي بن عمران وعيسي بن مريم..

أدّت السيدة حکيمة وردها في غمره الليل.. وعندما جلست تسبّح لله.. هبّتنرجس من رقادها تغمرها حالة من ذعر وترقب..

غادرت الحجرة تسبغ الوضوء لصلاة الليل..

کانت السيدة حکيمة تراقبها طوال الوقت ولم يکن يبدو عليها أي من آثارالحمل..

الفتاة الطاهرة مستغرقة في العبادة وشلاّل من الصلاة يتدفق في جنبات المکان..وقد غمرت الفضاء أنفاس السحر النديّة..

لحظات السحر الاخيرة.. لحظات لا تنتمي لليل ولا للنهار..

الفجر الاول علي وشک الانفلاق.. وقد نفد صبر العمّة المؤمنة.. خرجتلتنظر الي السماء وقد تداخلها شک في وعد الاءمام.. هتف الامام من مصلاّه في فناءالبيت وقد اشتد سطوع النجوم:

ـ لا تعجلي يا عمّة.. فانّ الامر قد قَرُب!!

وفيما هي تهمّ بالعودة ناداها الامام:

ـ لا تشکّي..

شعرت المرأة بالخجل من طبيعة مشاعرها وهي المرأة التي نشأت في دفء أهلالبيت..

وفي باب الحجرة وقعت عيناها علي نرجس مذعورة خاطبتها العمّة بلهفة:

ـ هل تحسّين شيئاً يا ابنتي؟

ـ نعم يا عمّة! اني أجد أمراً شديداً.

قالت حکيمة وهي تهدّي من روعها:

ـ اسم الله عليک.. اجمعي نفسک... واجمعي قلبک.. فهو ما قلت لک..

ـ أنا خائفة يا عمّة!!

ـ لا خوف عليک يا ابنتي.

وقادت السيدة حکيمة الفتاة الطاهرة سليلة مريم البتول الي وسط الحجرة.

والقت لها وسادة واجلستها برفق استعداداً للحظة الميلاد الموعودة..

کانت السيدة حکيمة في حال يرثي لها، وعرق جبينها بسبب ما تبذله من جهدللسيطرة علي مشاعرها التي راحت تضطرم في أعماقها..

ان لحظات الميلاد تقترب سوف يأتي الي الدنيا الصبي الذي بشّرت به الانبياء..

أمسکت نرجس بيد العمّة الطيبة وراحت تعصرها عصراً شديداً.. اءنهالحظات المخاض الکبير..

انطلقت أنّة تجسّد کل آلام الميلاد... الفضاء يغمره جوّ غريب لم تألفه من قبلأنها تکاد تحس خفق أجنحة الملائکة..

وخيّل اليها أنها تسمع همهمة تشبه تلاوة لايات القرآن..

السيدة حکيمة تکاد تفقد توازنها.. وسمعت الامام يناديها من وراء الحجرة:

ـ اقرأي عليها سورة الدخان

وراحت السيدة حکيمة تتلو آيات الدخان:

ـ بسم الله الرحمن الرحيم

حاء، ميم... والکتاب المبين.. انا انزلناه في ليلة مبارکة.. اءنّا کنا منزلين..فيها يفرق کل أمر حکيم...

غمر فضاء الغرفة جوّ عجيب.. وکانت نرجس تطلق أنّات الميلاد وتعصربشدّة کفّ السيدة الطيبة... فجأة انبثق نور بهر عيني السيّدة ولم تَعُد تري ماحولها.. فکأن نرجس نفسها قد اختفت..

دقّ قلبها خوفاً.. وهبّت صوب باب الحجرة تستنجد بابن اخيها..

کان الامام علي مقربة من الباب فنادي عمّته:

ـ ارجعي يا عمّة.. انک ستجدينها في مکانها..

کان وجه نرجس يسطع نوراً سماوياً.. وبدت وکأنها مريم ابنة عمران وقدجاءها المخاض عند جذع النخلة..

ورأت الصبي متلقياً الارض بهيئة السجود..

کان نظيفاً.. طاهراً ليست فيه آثار الميلاد..

کلؤلؤة تشعّ علي شاطيء بحر.. أو کقطرة ندي تتألق فوق زهرة في أولالفجر...

وکان الاب ينظر الي السماوات وقد بدت النجوم قلوباً تنبض بالامل..

الصبي القادم من رحم البشارات يحمل ملامح النبوات الغابرة.. يحمل من موسيبن عمران قلق الفرعون، وکان يبحث عنه جنيناً.. ويحمل من المسيح عيسي بنمريم کلماته في المهد صبياً... ويحمل من نوح عمره الطويل ومن ابراهيم فأسه التيهشم بها وجوه الالهة المزيّفة ومن محمد الامين اسمه وکنيته ورسالته...

اخذت حکيمة الصبي الطاهر بکتفيه وضمته الي صدرها وأجلسته فيحضنها.. وناداها الاب بلهفة من يريد رؤية الوليد المبارک:

ـ هلمّي اليّ بابني ياعمّة.

وحملته السيدة حکيمة وقد غمرتها حالة من الخشوع لکلمة الله ووعدهالصادق.

أخذ الاب ابنه وأجلسه علي راحته اليسري وجعل راحته اليمني علي ظهرهوراح يشمّ ابنه الطاهر في عينيه وأذنيه وفمه وهمس بصوت فيه ترجيعة لاصوات الرسل:

ـ تکلم يا بني! انطق بقدرة الله!

تکلم يا حجة الله! وبقية الانبياء.. وخاتم الاوصياء!!

تکلّم يا خليفة الاتقياء!

وحدثت المعجزة: وتدفق صوت ملائکي من الصبي الذي تلا آية تجسد أهدافالسماء وطريق الانبياء.

ـ بسم الله الله الرحمن الرحيم.. «ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا فيالارض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين..

ونمکن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما کانوايحذرون».

وغمرت الدموع عين الاب لقد تحقق وعد الله.. ان الله لا يخلف الميعاد..

وانفلق الفجر.. وارتفع الاذان من مآذن سامراء، وقال الاب لعمّته التي طفحعلي وجهها الفرح الاکبر.

ـ يا عمّة ردّيه الي امّه کي تقرّ عينها، ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق، ولکنأکثر الناس لا يعلمون.

کلمات الاذان ما تزال تنساب في لحظات الفجر النديّة..

وضعت السيدة حکيمة الصبي الطاهر في احضان والدتة التقية وغادرت المکان.

کانت الفرحة تتألق في عينيها بالرغم من مسحة الحزن.. فهذا الصبي يجب أنيبقي ميلاده سرّاً!!

وغمرت الام ابنها بنظرات تزخر بالرحمة والحنان.. يا ولدي الحبيب.. کيفتعيش بين أناس يبحثون عنک ليقتلوک؟!

الصبي نائم تتألق فوق وجهه هالة من أنوار النبوّات الغابرة وبشائر الرسالاتالقديمة...

أنفاسه الهادئة فيها أنغام الزبور.. تراتيل التوراة.. بشارة الاءنجيل وآياتالقرآن العظيم..

لقد سمعت من زوجها النبيل أنها ستنجب صبياً يملا الارض بالعدالة والحقيقة..

وتوهّجت في أعماقها کلمات مقدسة کانت قد حفظتها وهي تتردد علي الکنيسة:

ـ «وأما اسماعيل فقد سمعتُ قولک فيه، وها أنذا أبارکه وانمّيه وأکثّر عدده جداًجداً ويلد اثني عشر رئيساً واجعله امّة عظيمة».

هاهي تنجب الامام الثاني عشر.. خاتم الاوصياء.. والانسان الذي يحققاحلام الانبياء.

قبل ان تغيب نجمة الصبح کان الامام قد طلب من عمّته ومن زوجته أن يبقيميلاد الصبي سرّاً مکتوماً عن الجميع.

رواية السيدة حکيمة صورة أخري تؤکد عظمة هذا الطفل الموعود فقد تضمنتأبعاداً تذکر بالنبي موسي بن عمران عليه السلام وبالسيد المسيح عليه السلام.

ولدي متابعة بعض التفاصيل في حياة الامام الحسن العسکري نجده قد انتهجاسلوباً في غاية الحذر في الاعلان عن ولادة الطفل الموعود والامام الاخير الذي يملاالارض بالعدالة والدفء.

ومن المفارقات في الدراسات الحديثة أن نجد بعض دارسي التاريخ ينطلقون فيالتشکيک من خلال حادثة أو حادثتين يمکن تفسيرهما في الظروف التي اکتنفتهاتفسيراً ينسجم مع الخط العام والاعتقاد السائد لا في مصادرة تاريخ مضطهد کتب فيظروف حرجة جداً فيما نري المستشرقين يدرکون ذلک ويتعاملون مع تراث الاماميةالتاريخي في حالة من الاحترام الکامل.

وهذا تذکير بما ورد في مقدمة البحث في أن بحث هذه المسألة بأدوات وظروفمختبرية لن يکتسب صفته العلمية والموضوعية أبداً وأن مسألة حساسة يجب أنتدرس في ظروفها بل أن مسألة دراسة الظروف العامّة اصبحت من شروط الدراسةالتاريخية لاية فکرة.

وسنري کم هو سطحي من يريد التشکيک بولادة الامام المهدي من خلال ماسجّله التاريخ من حيرة الشيعة عقب وفاة الامام الحسن وتهنئة البعض لجعفر الکذاببالامامة.

ولا نريد أن نستبق ذلک وسنتابع بعض الاجراءات التي قام بها الامام الحسن فيالکشف الحذر عن وجود ابنه المنتظر وولادته، واختبار احدي طرق اختبائه.

هناک ظاهرة في حياة الامام الهادي وهي انحسار لقاءاته المباشرة بالناس ونجدما برر ذلک في أن قدوم الامام الهادي لم يکن باءرادته وقد عرف عن الائمة جميعاًعشقهم العميق لمدينة جدّهم صلي الله عليه و آله و سلم، وسنجد ان هذه الظاهرة ستشتد في حياة الامامالحسن العسکري بسبب بعض الظروف، منها تفاقم خطر دولة طبرستان العلويةوتعاظم خطر ثورة الزنج التي ادّعي زعيمها نسباً علوياً أيضاً، نضيف الي ذلک أيضاًانتشار أحاديث حول ظهور المهدي وهذه مسألة استثمرها بعض المعارضين للنظامالعباسي بل أنها أدّت الي نشوء دولة المهدية في المغرب فيما بعد.

اننا نفتتح الاشارة الي حساسية الوضع من خلال رواية تذکر خروج موکبالامام مع موکب الخليفة في مراسم توديع «الموفق» قائد الجيوش العباسية التي تقررزحفها باتجاه جنوب العراق لاخماد ثورة الزنج.

وقد انتابت أحد الشيعة رغبة عارمة في أن يهتف:

ـ «أيها الناس! هذا حجة الله فاعرفوه».

ولکن الامام الحسن يشير اليه أن يسکت وهمس وقد مرّ قريباً منه:

ـ أما أنک لو أذعت لهلکت.. انما هو الکتمان أو القتل فأبقوا علي أنفسکم.

ولعل ما يدعو الي التأمل أن الامام الحسن يأمر ذات يوم رجلاً يعمل في الداروهو ظريف الخادم أن يدخل حجرة فيري ظريف لدي دخوله صبياً مستغرقاً فيالصلاة، ويخبر الامام بما رأي ثم يأمره الامام مرّة أخري أن يعود لينظر الصبي،وفوجيء ظريف بالحجرة خالية! أليس في هذا الاءجراء اختبار لطريقة من طرقاختفاء الصبي؟

ألا يحتمل وجود نفق أو ممر سرّي في الحجرة يؤدي الي مخبأ ما کالسردابوغيره وربما يؤدي الي خارج الدار؟

ونحن ما نزال نتذکر الطريقة التي فرّت فيها زوجة المتوکل واختفت عن الانظارمنذ شهر رجب وحتي منتصف رمضان عندما قررت هي الظهور والتفاوض معالضابط الترکي صالح بن وصيف.

فکيف بالامام الهادي الذي اشتري قصراً فخماً من قصور سامراء واصبح ملکاًللامام ونجله منذ سنة 234ه وبين هذا العام وحتي عام 256 اکثر من عشرين سنةکافية لاستحداث ممرّات وأنفاق سرّية داخل القصر الکبير بل اننا لا نجد مبرّراًللامام الهادي في شراء مثل هذا القصر وقد عرف عنه زهده في حطام الدنيا.

ونحن لا ندّعي ان فخامة المنزل ووجود قناة جوفية وسرداب أدلّة کافية ولکنهاقرائن تعزز من أخبار ولادة الامام المهدي في مقابل غياب أدلّة النقض باستثناء اثارةغبار الشکوک في ما سجله التاريخ من حيرة الشيعة وهي مدوّنات اشارت ضمناً اليبروز تيار يوقن بولادته وأن خفيت بسبب الظروف الخطيرة.

وتذکر المدونات الشيعية أن الامام الحسن کشف لبعض اصحابه ممن يثق بهمهويّة الطفل الموعود وعرّفهم به ونوّه بظاهرة الغيبة الطويلة التي قد تربک تفکيرالکثيرين من الشيعة، وقد بحث الشهيد صادق الصدر في موسوعته عن الامامالمهدي ذلک مفصلاً ولا نريد الاسترسال في هذا الموضوع.

ونسجل هنا خبراً ورد في اثبات الوصية حول ارسال الطفل مع جدّته اليالحجاز في موسم الحج اءذ طلب الامام الحسن من والدته اصطحاب الصبي وکان ذلکفي سنة 258ه وسنجد أن الامام الحسن سوف يعتقل خلال تلک الفترة مع أخيهجعفر ويزجان في سجن خاص فيه شخصيات في طليعتها أبو هاشم الجعفري وهوشخصية لها وزنها وکان معتقلاً بأوامر شخصية من المعتز وقد مرّ عليه في الاعتقالسبع سنوات.

والطبري ذکر ظروف اعتقاله وارساله مخفوراً من بغداد الي سامراء.

ويورد المسعودي وصول القافلة منطقة هي اءحدي محطات القوافل الرئيسيةذکرها الطبري باسم «القرعاء» وهناک يسمع قادة القوافل بأنباء الجفاف واحتمالاتالظمأ وتعرّض القوافل الي غارات قطاع الطرق واللصوص وأن معظم القوافلعادت.

أما المسعودي فيذکر اصرار الجدّة وحفيدها والوکيل المرافق لها علي الحجومعهم بعض الحجيج ووصول القافلة بسلام.

والتطابق بين الرواية التي يوردها المسعودي وأخبار الطبري تجعلنا نزن الاموربمکيال واحد فالرواية الرسمية التي ذکرت عودة قوافل الحج بسبب الاخطار المحتملةالتي ذکرها المسعودي مضيفاً اليها وجود والدة الامام الحسن ومعها الصبي.

کما أن اعتقال الامام الحسن حدث بعد ذلک بفترة وجيزة يجعلنا نتفهم طلبه منوالدته اصطحاب الصبي الي الحجاز.

ومسألة الاعتقال لا يمکن تفهمها اءلاّ في ضوء انتشار أخبار ظهور المهدي سيماوأن أحد القاب الامام الحسن العسکري هو «الصامت»، فلم يعهد عن الامام أيشکل من أشکال التحرک السياسي الذي يثير مخاوف السلطة، فاءذا اضفنا الي ذلکتصريحات الخليفة حول جعفر: «أني قد حبسته بجنايته علي نفسه وعليک وما يتکلّمبه» فقد تتکون لدينا صورة واضحة الملامح حول مخاوف السلطات.