آفاق الحل


والسؤال هنا هل ثمة حل أو علاج لهذه الظاهرة المرضية؟

يري الاستاذ حسن ظاظا الکيان السياسي في اسرائيل التي جاءت کحلاستعماري للحرکة الصهيونية حالة مرضية اجرامية تمثل نتيجة لسلسلة من الاصاباتالعميقة، وتحمل اضطرابات في الشخصية سببها وراثة ثقيلة من أمراض الاسلاف،ثم حالة من الصحة النفسية والاجتماعية تأبي الانخراط في الحياة العادية للمجتمعالانساني.

وفي جميع التشريعات نجد القضاة يضعون موضع الاعتبار کون التصرفاتالاجرامية صادرة عن شخصيات مريضة، ويعتبرون ذلک ظرفاً مخففاً، بحيث يکونحکمهم في النهاية وافيا بغرضين: الحد من الجريمة، والعلاج من المرض.

وفي رأينا ان الشخصية الاسرائيلية من هذا النوع. وقد استفحل مرضها، حتيوصل في بعض الاحيان الي الجنون المطبق، بسبب افواج المتطرفين والحمقيوالمصابين بالهستريا والهلوسة وجنون العظمة واحلام اليقظة وأزمات الاکتئابواليأس والبکاء، تولوا مقاليد هذه الجماعة ومقدراتها، قديما وحديثا فکانت نتيجةکل ذلک الصهيونية.

فالصهيونية فکرا وسلوکا وتطبيقا موبوءة بالتعصب العنصري والتعصبالديني،، وعقد الشعور بالاضطهاد، والفزع من اللاسامية، کما انها مصابة بأورامانتقلت عدواها اليهم من طغاة کثيرين فتکوا بالاسرائيليين، وتفننوا في التنکيل بهم،وکان من أواخر ذلک البوجروم واللاسامية الهتلرية. فراح الغلاة من الصهاينةيقلدون اولئک السفاحين.

والعلاج من هذه المجموعة من الامراض، ما کان منها وراثيا، وما أخذبالعدوي، وما تحوصل في ثنايا الشخصية الاسرائيلية في الظروف التي شاء اليهود أنيعيشوا فيها، او التي اجبروا عليها، لا بد أن يکون طويلا يحتاج الي صدق نية منهمفي الشفاء، والي نظرة انسانية شاملة من جميع النفوس المحبة للخير. وهي تجربةليست بالسهلة. فمن السمات المميزة للشخصية الاسرائيلية العناد، والاسراع اليالارتداد عن طريق الخير. وصفهم ربهم في التوراة بأنهم شعب صلب الرقبة، ابعدالناس عن الطاعة وعن لين الجانب (الخروج 32: 9 و33: 3، 5 و34: 9 التثنية9: 6، 13)، کمااکثر انبياؤهم الشکوي من کفرهم وعنادهم وقسوتهم، ويکفي فيذلک ان نسوق سطورا من کلمة طويلة للنبي ارميا يقول فيها: «مثل خزي اللص اذاوقع، هکذا خزي آل اسرائيل، هم وملؤهم ورؤساؤهم وکهنتهم وانبياؤهم، اذيقولون للخشب أنت أبي، وللحجر انت والدي، لانهم اداروا نحوي قفاهم لاوجههم، وفي وقت مصيبتهم يقولون قم وخلصنا. فاين آلهتک التي صنعت لنفسک؟فليقوموا ان استطاعوا ان يخلصوک في وقت بليتک لانه قد صارت آلهتک بعدد مدنک،يا يهوذا. لماذا تخاصمونني؟ کلکم عصيتموني، يقول الرب. ضربت ابناءکم بلافائدة، اءذ لم يقبلوا تأديبا. سيفکم أکل انبياءکم کأسد مفترس» (ارميا 2: 26 ـ30).

وقد حاول مفکرون من عظماء اليهود علي مر الاجيال ان يعالجوا الامة المريضةمن دائها القديم فلم ينجحوا. کان کلام بعضهم يفسر علي غير ما اريد به، اما لکييتجه بتفسيره المفتعل نحو اهدافهم ومآربهم، کما صنعوا بفکر الطبيب موسي بنميمون، واما للتشنيع والتجريح والافتراء علي رواد الاصلاح من اخوانهم، کما فعلوابصاحبهم موسي مندلسون، احد الانسانيين الکبار في القرن الثامن عشر. فقد ذهبهذا المصلح اليهودي الي ان مشکلة اليهود الحقيقية تکمن في ان شخصيتهم قدتبلورت وراء اسوار الجيتو، وان فکرهم نفسه قد اقيمت من حوله حواجز اقوي مناسرار الجيتو، صنعوها هم بانفسهم وتحصنوا في داخلها، وتعودوا علي ظلامهاالدامس.

ورأي ان الخروج من هذا الحبس الاجتماعي والفکري لا يکون الا باعتباراليهودية عقيدة وديانة واخلاقا ونمطا في المعيشة، لا دخل فيها للعنصرية ولاللکبرياء النابعة من الخرافات.

هو الذي رفع في قومه الشعار المشهور: «کن يهوديا في بيتک، ومواطنا مخلصافي الطريق». وکان حله هذا في حقيقة الامر متسقاً مع اتجاه العالم نحو الحرية، فقدقامت الثورة الفرنسية، التي اعلنت فيها حقوق الانسان بعد موت مندلسون بثلاثسنوات فقط. فما کان جزاؤه من قومه عن هذا الجهد المضني؟ الکذب والافکالمفتري الذي يخدش الرجل في علمه وعقله وکرامته وعرضه واسرته. انبرت لهالاقلام اليهودية المسمومة بالتعصب، فلم تترک جانباً من جوانب حياته الا لوثته.وتعقب المعاندون من رجال الدين الاسرائيلي کتبه فجمعوها واحرقوها، وحرمواعلي قومهم قراءتها ان أعيد طبعها، وجعلوا هذا التحريم مؤبدا الي يوم القيامة، لانهموصفوا الرجل بالزندقة ايضاً.

وقبل مندلسون ظهر في هولندا الفيلسوف اليهودي المتحرر باروخ سبينوزا، فيالقرن السابع عشر وکان هو ايضا يعتقد ان نهاية الشقاء اليهودي، شقاء اليهودوشقاء العالم باليهود، تکمن في ايمان هؤلاء الناس بالدين فقط، وتخلصهم من النعرةالقومية الاسطورية التي تفسد ما بينهم وبين الانسانية کلها. وکان يري ان الشخصيةالاسرائيلية يمکن ان تحافظ علي فضائلها لو انها لزمت شرائع الدين، دون ان تفکرفي الاتجاه نحو ارض معينة مثل فلسطين بحجة انها ارض الاباء والاجداد. ففي يقينهان الله لا يشترط لعبادته مکانا جغرافيا معينا، وانه يقبل الصلاة ويسمع الدعاء مناي مکان علي ظهر الارض. وکان يوضح منطقه هذا بقوله انه هولندي يؤمنبشريعة موسي، والمعبد اليهودي في امستردام هو بالنسبة له کهيکل سليمان فياورشليم بالنسبة لسليمان. ولم يکن الحل يقتصر علي تعليم اليهود وحدهم، بل کانيشجع کل من قصده ليتلقي عنه العلم، لانه لم يکن من ضيق الافق بحيث يحصر نفسهفي نطاق التلمود والمدراش. کان مفکرا وفيلسوفا يؤمن بوحدة الوجود: فالله سرکبير يسري في الخليقة کلها. وهکذا يستحيل ان يکون له «شعب مختار» دون سائرالشعوب.

فماذا کان جزاء هذا المصلح اليهودي من قومه؟ أعلنت السلطات الدينيةالاسرائيلية طرده من الدين، والصقت به من التهم ما امدهم به خيالهم الخصب. ولميحاول الرجل ان يتصدي لهذه الغوغائية في الفکر، وانصرف الي العلم، والي عملهالذي يکتسب منه رزقه، وهو صناعة العدسات البلورية. واذا بالقهل يحاولارهابه، ثم يحاول قتله، لولا ان تدارکه بعض المعجبين به من تلاميذه ومحبيه،فنصحوه بان يترک امستردام، ليعيش في بعض الارياف القريبة منها، حتي يتمکنهو واصدقاؤه من تمييز الارهابيين والسفاحين والقتلة لو ان بعضهم حدثته نفسهبالمجي اليه في المکان الذي اعتزل فيه.

ولم نشأ ان نذکر في تلک الزمرة سيدنا المسيح عليه السلام، لان دعوته کانتمن نوع آخر، ليست اجتهادا عقليا فلسفيا، ولکنها وحي من السماء. لقد تعبالمسيح مع اليهود. حاول في اول الامر ان يجعل دعوته بينهم هم وحدهم، فأخذهمالعناد، وتصلبت أعناقهم، وکابروا وتآمروا، وطالبوا بقتله. فلما رآي ذلک منهمحطم اسطورة العنصر، وجعل الشريعة للناس کافة. ويرمز الانجيل الي هذا الانتقالبقصته مع امرأة من غير بني اسرائيل، يصفها القديس متي بأنها کنعانية، ويزيدالقديس مرقس ذلک تحديدا فيقول انها کانت من الجوييم «أممية، وفي جنسها فينيقيةسورية»، (انجيل مرقص 7: 26). وقد بدأ المسيح کلامه معها بقوله «انني لم ابعث الاللخراف الضالة من بني اسرائيل»، (انجيل متي 15: 24). ولکن المرأة الحت عليه،مما تأکد معه انه تؤمن ببرکته، وکانت تطلب منه ان يدعو لابنتها المريضة حتيتشفي. فشفاها، واعلن بعد ذلک انه بالايمان وحده، لا بالنسب، يدخل الانسان فيملکوت السماء.

ومع ذلک بقي اليهود مرضي حتي الان.

وبعد، فهل هناک من حل؟ ان بداية الحل في استئصال اسباب المرض. وهذهالاسباب تحوصلت في العصر الحديث في الصهيونية، التي تلعب بالمريض لعبالساحر الدجال في المجتمعات الجاهلة المتخلفة، الذي يعد بالشفاء والعافية عنطريق تحضير الجن، واطلاق البخور، وتکثيف الظلمات، واصدار القعقعة الشديدةالتي تصم الاذان، ليشعر المريض شعوراً وهمياً بأن القوي الخفية قد انطلقت لتحل لهجميع مشاکله. لقد دأبت الصهيونية علي أن توسوس في صدور اولئک الناس بأوهامالغزو والفتح والانتصار والسيطرة علي العالم العربي والوصاية علي ارزاقةومقدراته».

ومن هنا يمثل صعود شارون السفاح (بطل) مجازر صبرا وشاتيلا مؤشراً علياستفحال المرض وضرورة حصول عملية جراحية عاجلة لاستئصال هذه الغدةالسرطانية، وعندها فقط سيعي المريض قوّته الحقيقية وخلاصه من أوهام القدرةوجنون العظمة.

فالحرب القادمة مهما کانت بواعثها واسبابها المباشرة هي حرب من أجلالسلام العادل ومعالجة مريض يستحوذ علي اسلحة الدمار الشامل!

قال الله عزوجل: (وَقَضَيْنَا اءِلَي بَنِي اءِسْرَائِيلَ فِي الْکِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الاَْرْضِمَرَّتَيْنِ).