الظواهر في مرحلة الانتظار


في هذه الفقرة من البحث سنسلط الضوء فيها علي الآيات التي تنطبق بدلالتها علي مرحلة الانتظار وما يرافقها من تکاليف وما يسودها من قيم وظواهر تکون من سمات تلک الفترة العصيبة والتي تهيئ بالوقت نفسه الي مرحلة الظهور وتمنح الاُمة وعياً بمصيرها الإسلامي.

1 -«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ» [1] .

الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوي قيم عملية أراد المولي أن تتحرک الاُمة بموجبها فجاء الأمر بها مطلقاً.

واُريد بالصبر الصبر علي الشدائد والصبر علي الطاعة والصبر عن المعصية.

وأما المصابرة فاُريد بها التصبر وتحمل الأذي في الوسط الاجتماعي عن طريق التأثير فيما بين أفراده فالمجموعة التي تتحلي بالصبر وهو من سجاياها تؤثر بالمجموعة الأقل منها صبراً بمعني أن القوي إيماناً يؤثر بالأقل منه وهذه العملية تؤدي الي شد أواصر المجتمع وتکامله.

والمرابطة وهي قيمة اجتماعية ذات اطار أوسع من المصابرة، فإذا کانت المصابرة عملية تأثير بين أفراد المجتمع وتوحيد إرادته وتختص في هذا المجال تأتي المرابطة کقيمة أخلاقية اجتماعية أوسع من المصابرة إذ تستهدف توحيد أفعال وقوي وطاقات الاُمة بکل تفصيلاتها فتشمل کل شؤون حياتها و لا يقتصر موقفها علي حالة الشدة. کما هو الحال في الصبر بل المرابطة حرکة وسلوک يشمل حالة الشدة والرخاء معاً، کل ذلک من أجل دفع المجتمع نحو حرکة مقصودة تعمر الدنيا من أجل السعادة في الآخرة إنطلاقاً من التقوي التي تعم فائدتها في الدارين.

وبهذا تکون المرابطة قيمة عالية تشمل حرکة المجتع بکل صورها.

ولا تتم المرابطة بشکل منفصل عن عنصرها الرئيسي الذي يکون محوراً لحرکتها - المعصوم عليه السلام - وإلّا تبقي الاُمة تتحرک بلا هدف أو بلا مقوم لحرکتها وذلک لعجزها عن تحقيق الهداية بنفسها وليس بصحيح أن تتم المرابطة بشکل عفوي أو منفصلاً عن عنصرها الرئيسي الذي عينته الرسالة المتمثل في المعصوم من کونه السبب في توحيد حرکة الاُمة وفعالياتها، وعليه فانّ الصبر لا يؤدي دوره ولا المصابرة هدفها ما لم ترتقِ الاُمة الي مستوي المرابطة التي هي الاُخري لا تتحقق إلّا بوجود العنصر المرتبط بالسماء أي المعصوم الذي تدور حرکة الاُمة حوله، لذا جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:«اصبروا علي الفرائض وصابروا علي المصائب ورابطوا علي الأئمةعليهم السلام». وهذا يعني أن الآية حية وتنطبق علي المعصوم الحي المتجسد بالإمام المهدي عليه السلام وتشير الي تکليف الاُمة في عصر الانتظار.

2 -«قُلْ أَرَيتکم إنْ أتاکُم عذاب من اللَّه أو اتتکم الساعة أغير اللَّه تدعون إن کنتم صادقين»

الآية بصدد بيان موقف المشرکين وتجديد الاحتجاج عليهم الذي يتصف بالاستمرارية طالما کانت ظاهرة الشرک مستمرة في حياة الإنسان وطبيعة الخطاب والحوار معهم يؤکد بطلان شرکيتهم وعدم جداوها.

ثم تبين الآية بأن أصحاب تلک الظاهرة سيبدلون موقفهم هذا فيلجأون الي موقف معاکس موقف الراجي والداعي الذي يطلب من اللَّه بأن يکشف عنه العذاب فهم يعترفون بسقوط اعتقادهم بعد مرورهم بظرف شديد.

ثم تکشف الآية عن استبطاناتهم النفسية وهم في ظرف الشدة حيث نراهم يتشبثون ويتعلقون بالوسائل التي يظنون أنها تنجيهم من العذاب المقدر عليهم وان فيها القدرة علي ازالة المأساة التي هم فيها.

وبعد ذلک تسترسل الآية فتصور لنا طبيعة النتائج التي يتوصل إليها هؤلاء حين تعجز القوي التي ارتبطوا بها وظنّوا بوقت سابق أنها المنقذ من الضلال عن انقاذهم وهدايتهم، ويلاحظوا باُم أعينهم نفاذها وسقوطها لا في الخارج فحسب وإنّما في الوجدان أيضاً ويشاهدوا الاُطروحات الشرکية التي تدعي أنها الإله في الإرض محکومة بالفناء والانهيار شأنها شأن المخلوقات الطبيعية التي لا دوام لها ولا بقاء.

وهذه الأحداث والنتائج التي هي العمدة في الاستدلال ستحدث لا في الآخرة فحسب وإنّما ستتحقق في الحياة الدنيا، وهذا إن دلّ علي شي ء فإنّما يدل علي فعلية تلک القانونية التي تتصف بهذه الحتمية وآنهالا تحدث في عصر الظهور الذي لا شرک فيه وإنّما بمرحلة ما قبله التي تهيئ له بعد أن تستنفذ تلک القوي والاُطروحات الظالمة قوتها وبريق شعاراتها وتخضع لراية الحق التي ستظهر آخر الزمان بقيادة الإمام المعصوم المهدي المنتظر الذي بَشر به صاحب الرسالة محمد صلي الله عليه وآله. وهذه الآية يمکن تطبيقها علي مرحلة ما قبل الظهور کما انّها من الآيات المؤوّلة بالإمام المهدي ودولته المرتقبة.


پاورقي

[1] النور: 200.