راي اهل الکشف يوافق الامامية


مر بک ما نقلناه في صدر البحث الاول من قول ابن خلدون (المتوفي 808 ه/1406م)، في مقدمة تاريخه: «وللمتصوفة من المتاخرين في امر هذا الفاطمي طريقة اخري ونوع من الاستدلال، وربما يعتمدون علي الکشف الذي هو اصل طريقهم ».

واشرنا، في الهامش هناک، الي ان ابن خلدون لم يکن دقيقا في نسبة ما للصوفية من راي واستدلال الي المتاخرين منهم، واجمل ذکر رايهم ولم يبين لنا موضوعه في قضية فيها اکثر من جهة. والحقيقة ان المتاخرين کالمتقدمين منهم تحققوا قضية الامام المهدي (ع) لا من حيث اصل موضوعه العام کامام منتظر بل من حيث شخصه وولادته وغيبته وحياته المستمرة، وکما هو راي الامامية والدليل علي ذلک: اولا: ان الحافظ الفقيه المحدث ابا بکر محمد بن الحسين البيهقي الشافعي (المتوفي سنة 1066م 458 ه) صاحب السنن، والذي سبق ابن خلدون بثلاثة قرون واربعين عاما: ذکر راي الامامية في ان المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255، وانه الملقب بالحجة القائم المنتظر، وانه محمد بن الحسن العسکري(ع). قال: «ووافقهم عليه جماعة من اهل الکشف ». ومن الواضح ان البيهقي انما ينقل عمن تقدمه او عاصره ولا يدخل اولئک هؤلاء في التاريخ المتاخر لهم. ثانيا: ذکر بعض المعروفين في تاريخ التصوف، ممن هم من اهل السنة من المسلمين اصلا من حيث مذاهبهم الفقهية ونشاتهم في مؤلفاتهم المنشورة المتداولة،آراءهم وآراء بعض المشايخ المعروفين في تاريخ التصوف بالصورة التي تؤکد ما ذکرناه. وسنذکر، في ما سياتي، آراء بعض منهم للمثل ونشير الي آراء بعضهم الاخر. وربما اشکل بعضهم علي بان استشهادي باهل الکشف يناقض ما اراه وما ادلل عليه في فصل قادم من ان الکشف اسم خادع مضلل ليس فقط لانه ادعاء الا بالنسبة لصاحبه، وانه ليس خاصا بالاولياء بصورته العامة ليکون دليلا علي القرب من اللّه بل يحدث لدي الملحد والبرهمي واليهودي والمسيحي والملتزم والمتحلل، کما تثبت ذلک دراسات الباراسايکولوجيا وکتب العارفين من الصوفية وانه کثيرا ما يختلط لدي بعضهم مع حالات الهذيان والهلوسة او بما يعرف بظواهرالمس والاستحواذ من قبل کائنات شيطانية او منحطة من الجن او الموتي من الانس التي توحي وتصور لمن ابتلي بها ما شاءت، وقد سجل علماء الروحية الحديثة وعلماء الامراض العقلية کثيرا من شواهدها المؤسفة. وقد يکون الکشف احيانا ليس الا خلقا للصورة في الخارج بواسطة الهمة او الخيال لدي اقوياء الارادة والترکيز من اصحاب الخلوات واليوغيين والسحرة او ممايحصل بالاستحضار والاستخدام وما يشبه، ولذلک فالمکشوف بما يسمي الکشف ليس الحقيقة دائما بل قد يکون ما هو خلافها، ولذلک فلا تقوم به حجة. وهوما ايدته النصوص عن الرسول (ص) والائمة من اهل البيت (ع) کما سياتي. والجواب ان ذلک کله صحيح، وهو ما ساذکر بعضا من شواهده في الجزء الثاني الخاص بادعياء المهدوية والبابية. ولکن الصحيح ايضا ان ذلک لا يعني نفي الکشف، ونفي وجود الصحيح فيه، وانما يعني عدم عصمته، ولذلک ينبغي ان نتحرز في ما لا نجد له شاهدا يثبته من العقل والنقل الثابت ومن الواقع، فنرفض ما خالفها بخاصة اذا کان مما يتصل بجوانب من العقيدة، او التشريع. اما حين يکون مطابقا لاحد رايين في الاسلام، فياتي مضافا لقوة دليل احدها کشف يؤيد هذا الراي من شخص ليس هذا الراي من مذهبه اصلا بل هو مما يخالفه وان هذا الشخص لم يترک هذا المذهب ايضا جملة بل في مسالة او اخري لها دليلها وراء کشفه کما في مسالتنا، فانه خليق بالاصغاء اليه بخاصة اذا کان معروفا بمکانته في هذا العالم، ومتبعا فيه فانه يکون حجة عليه وعلي من اتبعه ووثقه. اما نحن فان اعتمادنا في الاساس ليس عليه في هذه المسالة وانما نسوقه لما ذکرنا وتاکيدا فلا اشکال. فمن هؤلاء: 1- الشيخ محيي الدين ابو عبداللّه محمد بن علي بن عربي الطائي الاندلسي (المتوفي سنة 638 ه) في ما نقله الشيخ عبد الوهاب الشعراني، (المتوفي سنة 973 ه)والشيخ محمد الصبان (المتوفي سنة 1206) عن الفتوح المکية، الباب 366، ولا يوجد بعض ما نقلاه کنسب الامام الي الحسين (ع) في الطبعات المتداولة کطبعة دارالکتب العربية بمصر وطبعة دار صادر في بيروت، فاذا صح ما نقلاه فلا بد من ان تکون هاتان الطبعتان محرفتين في تاريخ متاخر. قال الشيخ ابن عربي: «واعلم انه لا بد من خروج المهدي (ع)، لکن لا يخرج حتي تمتلي الارض جورا وظلما فيملاها قسطا وعدلا، ولو لم يکن من الدنيا الا يوم واحدطول اللّه تعالي ذلک اليوم حتي يلي ذلک الخليفة، وهو من عترة رسول اللّه (ص) من ولد فاطمة رضي اللّه عنها، جده الحسين بن علي بن ابي طالب، والده حسن العسکري بن الامام علي النقي بن محمد التقي بن الامام علي الرضا بن الامام موسي الکاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام زين العابدين علي بن الامام الحسين بن الامام علي بن ابي طالب (ع) يواط ي ء اسمه اسم رسول اللّه (ص)». الي ان يقول: «اسعد الناس به اهل الکوفة، يبيد الظلم واهله ويقيم الدين، وينفخ الروح في الاسلام، يعز اللّه الاسلام بعد ذله ويحييه بعد موته يضع الجزية، ويدعو الي اللّه بالسيف، فمن ابي قتل ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه حتي لوکان رسول اللّه حيا لحکم به فلا يبقي في زمانه الا الدين الخالص من الراي ». 2- الشيخ سعد الدين محمد بن المؤيد ابو الحسين بن محمد بن حمويه المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي، من اکابر سادة علماء الصوفية، کان معاصرا لابن عربي،وابن الفارض، اسلم السلطان غازان محمود خان علي يد ولده صدر الدين ابراهيم سنة 654 ه. قال المولي عزيز الدين عمر بن محمد بن احمد النسفي المعروف بصاحب العقائد النسفية المشهورة في رسالته في تحقيق (النبوة والولاية): انه حکي عن الشيخ سعدالدين الحموي ما حاصله: ان الولي لم يکن قبل الاسلام، وان کان في کل دين صاحب شريعة دعاة الي دينه لکن الدعاة يسمون انبياء لا اولياء فلما بلغت النبوة الي نبينا(ص) قال (ص): «لا نبي بعدي » يدعو الي ديني والذين ياتون بعدي يسمون بالاولياء واللّه تعالي جعل اثني عشر نفسا في دين محمد (ص) نوابه. والعلماء ورثة الانبياء قاله (ع) في حقهم وکذا قوله: «علماء امتي کانبياء بني اسرائيل » قاله في حقهم. وعند الشيخ (يعني سعد الدين) الولي في امة محمد (ص) ليس ازيد من هؤلاء الاثني عشر وآخر الاولياء، وهو الثاني عشر، المهدي صاحب الزمان. 3- ابو المواهب الشيخ عبد الوهاب بن احمد بن علي الشعراني (المتوفي سنة 960 ه) وهو من الشهرة والمکانة في تاريخ التصوف حالا وتاليفا بحيث لا يحتاج الي تعريف. قال في بيان: «ان جميع اشراط الساعة التي اخبرنا بها رسول اللّه حق لا بد ان تقع کلها قبل قيام الساعة، وضرب مثلا بخروج الامام المهدي (ع) الي ان قال: وهو من اولاد الامام حسن العسکري، ومولده في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين. وهو باق الي ان يجتمع بعيسي بن مريم (ع) فيکون عمره الي وقتنا، وهوسنة ثمان وخمسين وتسعمئة، سبعمئة سنة وست سنين. هکذا اخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق کوم الريش المطل علي برکة الرطلي بمصر المحروسة عن الامام المهدي (ع)، حين اجتمع به ووافقه علي ذلک شيخنا سيدي علي الخواص ». 4- الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري، المعروف بخواجه بارسا من اعيان علماء الحنفية، واکابر مشايخ النقشبندية ت 822 ه، قال في فصل الخطاب: «وابومحمد الحسن العسکري ولده محمد رضي اللّه عنهما، معلوم عند خاصة اصحابه وثقات اهله، ثم ذکر حديث حکيمة وحکاية المعتضد وبعض علائم ظهوره الي ان قال: والاخبار في ذلک اکثر من ان تحصي، ومناقب المهدي صاحب الزمان الغائب عن الاعيان، الموجود في کل زمان کثيرة، وتظاهرت الاخبار عن ظهوره، واشراق نوره يجددالشريعة المحمدية ويجاهد في اللّه حق جهاده، ويطهر من الادناس اقطار بلاده، زمانه زمان المتقين، واصحابه خلصوا من الريب وسلموا من العيب واخذوا بهديه وطريقه،واهتدوا من الحق الي تحقيقه، به ختمت الخلافة والامامة من لدن مات ابوه الي يوم القيامة وعيسي (ع) يصلي خلفه ويصدقه علي دعواه ». 5- نور الدين عبد الرحمن بن احمد بن قوام الدين الجامي الحنفي الشاعر الصوفي المعروف وصاحب شرح الکفاية. فقد ذکر في کتابه «شواهد النبوة » ان الحجة محمد بن الحسن الامام الثاني عشر هو المهدي المنتظر الذي يملا الارض عدلا وقسطا. وتحدث عن غرائب حالة ولادته وبعض معاجزه، وروي خبر حکيمة بنت الامام الجواد (ع) وفيه. انه حين ولد (ع) حثا علي رکبتيه ورفع سبابته الي السماء، وعطس فقال: الحمد للّه رب العالمين. وذکر خبر من دخل علي ابيه الامام الحسن (ع) وساله عن الخلف بعده فدخل الدار ثم خرج وقد حمل طفلا کانه البدر في ليلة تمامه ابن ثلاث سنين فقال: يا فلان لولاکرامتک علي اللّه لما اريتک هذا الولد، اسمه اسم رسول اللّه (ص)، وکنيته کنيته، هو الذي يملا الارض عدلا وقسطا کما ملئت جورا وظلما، وخبر من دخل وفي البيت سترمسدل وحين سال عن الخلف امر برفع الستر فراي الامام المهدي (ع) الخ. 6- القاضي شهاب الدين بن شمس الدين الدولة آبادي، الملقب بملک العلماء ومؤلف تفسير البحر المواج ومناقب السادات بالفارسية والمتوفي سنة 846 ه، ذکر في کتابه: «هداية السعداء» اسماء الائمة الاثني عشر، ونقل حديث اللوح عن جابر عن فاطمة الزهراء، وهو يتضمن النص علي امامتهم، وقال وهو يذکر الامام الثاني عشرمحمد بن الحسن (ع): «هو غائب وله عمر طويل کما عمر بين المسلمين عيسي والياس والخضر وفي الکافرين الدجال والسامري ». 7- الشيخ العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفية، صاحب کتاب «مرآة الاسرار»، وهو الذي ينقل عنه الشاه ولي اللّه الدهلوي والد الشاه عبد العزيز مؤلف «التحفة الاثني عشرية » وکتاب «الانتباه في سلاسل اولياء اللّه». قال في کتاب «مرآة الاسرار» لدي الحديث عن الامام المهدي (ع) ما ترجمته: «ذکر من هو شمس الدين والدولة من هو هادي جميع الملة والدولة من هو قائم في المقام المطهر الاحمدي الامام بالحق ابو القاسم محمد بن الحسن المهدي رضي اللّه عنه، وهو الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت (ع) امه کانت ام ولد اسمها نرجس ولادته ليلة الخامس عشر من شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في سر من راي المعروفة بسامراء، وهذا الامام الثاني عشر موافق في الکنية والاسم لحضرة ملجا الرسالة (ع) القابه الشريفة: المهدي والحجة والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وخاتم الاثني عشر». وکان عمر صاحب الزمان في وقت وفاة والده الامام الحسن العسکري خمس سنين وکما اعط ي الحق تعالي حضرة يحيي بن زکريا (ع) الکرامة والحکمة في حال کونه طفلا واوصل عيسي الي المرتبة العالية، وهو ما زال صبيا، کذلک جعله اللّه في صغر السن اماما وما ظهر له من خوارق العادات ليس قليلا ليسعه هذا المختصر، واشار الي ما ذکره الشيخ محيي الدين بن عربي في الفتوحات وملا عبد الرحمن الجامي في شواهد النبوة. وقال: وحين يظهر المهدي (ع) يجعل الولاية المطلقة ظاهرة بلا خفاء، ويرفع اختلاف المذاهب والظلم وسوء الاخلاق، حيث ان اوصافه الحميدة في الاحاديث النبوية وردت بان المهدي في آخر الزمان يظهر ظهورا تاما ويطهر تمام الربع المسکون من الجور والظلم. قال: اذا کان الدجال القبيح الافعال قد وجد وبقي حيا مخفيا، واذا کان حضرة عيسي (ع) قد وجد واختفي عن الخلق، فليس عجيبا ان يکون ذلک لابن رسول اللّه الامام المهدي بن الحسن العسکري (ع). وان يکون قد اختفي عن نظر العوام ويظهر جهارا في وقته المعين الموافق للتقدير الالهي، کما هو قول جماعة من الاکابر واقوال الائمة من اهل بيت رسول اللّه. 7- الشيخ تقي الدين ابن ابي منصور قال، في عقيدته، علي ما نقله الشعراني عند الحديث عن علامات القيام: «فهناک يترقب خروج المهدي (ع) وهو من اولاد الامام الحسن العسکري (ع)». 8- المولوي علي اکبر بن اسد اللّه المؤودي من علماء الصوفية المعروفين في الهند. له کتاب «المکاشفات » الذي جعله کالحاشية علي کتاب «نفحات الانس »للجامي. وفي حاشيته المتضمنة ترجمة علي بن سهل بن الازهر، ناقش قول من راي ان العصمة خاصة بالانبياء، مستشهدا بالحديث الذي نقله ابن عربي عن الرسول (ص) ان المهدي يقفو اثري لا يخط ي. ثم ذکر ان الشعراني نقل، في اليواقيت، المبحث (45)، عن ابي الحسن الشاذلي رحمه اللّه، ان للقطب خمس عشرة علامة منها ان يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش، ويکشف له عن حقيقة الذات واحاطة الصفات. قال: «وبهذا صح مذهب من ذهب الي کون غير النبي (ص) معصوما، ومن قيد العصمة في زمرة معدودة ونفاها من غير تلک الزمرة فقد سلک مسلکا آخر، وله ايضا وجه يعلمه من علمه ». واضاف: «فان الحکم بکون المهدي الموعود رضي اللّه عنه موجودا، وهو کان قطبا بعد ابيه الحسن العسکري (ع) کما کان هو قطبا بعد ابيه الي الامام علي بن ابي طالب کرمنا اللّه بوجودهم، يشير الي صحة تلک المرتبة في وجوداتهم من حين کانت القطبية في وجود جده علي بن ابي طالب (ع) الي ان تتم فيه ». قال: «وقد ذکر ذلک عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره ايضا رضي اللّه عنه وعنهم فلا بد ان يکون لکل امام من الائمة الاثني عشر عصمة ». وعقب بقوله: «خذ هذه الفائدة ». وذکر ابن خلدون: ابن قسي وعبد الحق بن سبعين وابن ابي واطيل وانهم يرونه خاتم الاولياء. ونقل الحافظ الشيخ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي النقشبندي (المتوفي سنة 1294 ه)، في الابواب 84 و85 و86 من کتابه ينابيع المودة، عددا من اسماء بعض المحدثين وبعض مشايخ الصوفية وعلماء اسرار الحروف الذين يؤمنون بان الامام المهدي (ع) هو الثاني عشر من ائمة اهل البيت (ع) ومن هؤلاء عدا من ذکرناهم الشيخ العطار النيسابوري وشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي والسيد نعمة اللّه ولي والسيد النيسمي والشيخ کمال الدين محمد بن طلحة الحلبي الشافعي والشيخ صلاح الدين الصفدي. والمحدث الفقيه محمد بن يوسف الکنجي الشافعي والشيخ المحدث الفقيه محمد بن ابراهيم الجويني الشافعي. وذکر غيره عددا آخر منهم ابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة وسبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص والفضل بن روزبهان وابن الخشاب عبداللّه بن احمد وصدرالدين القونوي وآخرون يمکن التعرف عليهم في المراجع ادناه.