الغيبة الصغري


والغيبة الصغري تتصل باخفاء ولادة الامام (ع) من حيث اسبابها

المرتبطة بظروف التقية، فهي امتداد لا اکثر، والفصل بينهما في العنوان ليس الا لمناقشة التشکيک بولادته ولانها مرحلة ما قبل امامته الفعلية زمنيا، اي في حياة ابيه (ع)، فالحديث له بعض الخصوصية من حيث صلته بهما معا. ولذلک فقراءة ما ذکر من اسباب اخفاء ولادته هو نفسه التفسير لاسباب غيبته الصغري وورد في البحث الثاني من الفصل الاول ما يشير اليها، وبخاصة في الروايات الواردة عن آبائه (ع) وقد نظروا لها (ع) بما حدث لبعض الانبياء (ع). جاء في الحديث الثالث عن الامام محمد الباقر (ع) ص 90، المروي عن محمد بن مسلم: ان في القائم من اهل بيت محمد (ص) سنة من خمسة رسل. وذکر منهم يوسف بن يعقوب. فقال (ع): واما سنة من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من اخوته، واشکال امره علي ابيه يعقوب النبي مع قرب المسافة بينه وبين ابيه،واهله وشيعته. وجاء في الحديث الرابع عن سدير عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «في القائم شبه من يوسف. قلت: کانک تذکر حيرة او غيبة، فقال الامام (ع): ما تنکر من ذلک هذه الامة....». ان اخوة يوسف کانوا اسباطا اولاد انبياء تاجروا بيوسف وباعوه، وهم اخوته وهو اخوهم فلم يعرفوه حتي قال لهم: انا يوسف. فما تنکر هذه الامة ان يکون اللّه عز وجل، في وقت من الاوقات، يريد ان يستر حجته ». (الحديث). وهناک روايات اخري کثيرة في هذا الموضوع نذکر منها بعض ما نص فيها علي ان له غيبتين قصيرة وطويلة. روي النعماني بسنده عن اسحاق بن عمار قال: قال ابو عبداللّه (الصادق) (ع): للقائم غيبتان احداهما قصيرة والاخري طويلة. الاولي لا يعلم بمکانه الا خاصة شيعته والاخري لا يعلم بمکانه الا خاصة مواليه في دينه. وبسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبداللّه (الصادق) (ع) يقول: ان لصاحب هذا الامر غيبتين في احداهما يرجع الي اهله والاخري يقال: هلک في اي واد سلک قلت: فکيف نصنع اذا کان ذلک؟ قال: ان ادعي مدع فاسالوه عن تلک العظائم التي يجيب فيها مثله. وبسنده عن المفضل بن عمر الجعفي عن ابي عبداللّه (الصادق) (ع) قال: «ان لصاحب هذا الامر غيبتين احداهما تطول حتي يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل،وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقي علي امره الا نفر يسير، ولا يطلع علي موضعه احد من ولي ولا غيره الا المولي الذي يلي امره ». وروي بسنده عن عبيد بن زرارة قال (ع): «يفتقد الناس اماما يشهد المواسم يراهم ولا يرونه ». وبسنده عن زرارة قال: سمعت ابا عبداللّه (الصادق) (ع) يقول: ان للقائم غيبتين يرجع في احداهما والاخري لا يدري اين هو يشهد المواسم يري الناس ولايرونه ». وبسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعته يقول يعني ابا عبداللّه (ع) قال ابو جعفر محمد بن علي الباقر (ع): اذا قام القائم قال: «ففررت منکم لما خفتکم فوهب لي ربي حکما وجعلني من المرسلين ». وبهذه الروايات نري ان السر وراء هذه الغيبة هو التقية وانها غيبة نسبية لا مطلقة وقد احصوا ممن رآه في هذه الغيبة (304) ثلاثمائة واربعة اشخاص من شيعته. وسنقدم في ما ياتي. بعض الامثلة ممن رآه وراي دلائل امامته في الغيبة الصغري وسنذکر هذه الامثلة ممن رآه من غير النواب الاربعة الذين سنتحدث عنهم في البحث التالي، وسنسوق مما اوردوه هنا اربع روايات باسلوب اصحابها من دون تصرف لبيان ما ذکرناه من کون هذه الغيبة نسبية وان الاتصال به لم يقتصر علي النواب الاربعة رضوان اللّه عليهم وانما حصل لعدد کبير اشرنا اليه آنفا، وان من هؤلاء من شهدالبرهان علي امامته. 1- روي الصدوق بسنده عن ابي الاديان قال: کنت اخدم الحسن بن علي (ع) احمل کتبه الي الامصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات اللّه عليه، فکتب معي کتبا وقال: امض بها الي المدائن فانک ستغيب اربعة عشر يوما، وتدخل الي سر من راي يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري وتجدني علي المغسل فقلت: ياسيدي فاذا کان ذلک فمن؟ قال (ع): من طالبک بجوابات کتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني. فقال (ع): من يصلي علي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني. فقال (ع): من اخبر بما في الهميان فهو القائم من بعدي. قال: ثم منعتني هيبته ان اساله عما في الهميان. وخرجت بالکتب الي المدائن، واخذت جواباتها، ودخلت سر من راي يوم الخامس عشر کما قال لي (ع) واذا انا بالواعية في داره، واذا به علي المغسل، واذا انا بجعفر الکذاب بن علي (ع) اخيه بباب الدار. والشيعة من حوله يعزونه ويهنئونه... فقلت في نفسي: ان يکن هذا الامام فقد بطلت الامامة لاني کنت اعرفه بشرب النبيذ، وکان يقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فتقدمت، فعزيت، وهنيت فلم يسالني عن شي ء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد کفن اخوک. فقم فصل عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي المعروف بسلمة،فلما صرنا في الدار اذا نحن بالحسن بن علي صلوات اللّه عليه علي نعشه مکفن. فتقدم جعفر بن علي ليصلي علي اخيه، فلما هم بالتکبير خرج صبي صلوات اللّه عليه وعلي آبائه الطاهرين بوجهه سمرة، بشعره قطط، باسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تاخر يا عم فانا احق بالصلاة علي ابي... فتاخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر. وتقدم الصبي فصلي عليه ودفن الي جنب ابيه (الهادي) (ع). ثم قال: (يعني الامام المهدي (ع)): يا بصري هات جوابات الکتب التي معک فدفعتها اليه، فقلت في نفسي: بقي الهميان (يعني العلامة الثالثة) ثم خرجت الي جعفر بن علي وهو يزفر.. قال له حاجز الوشا ليقيم عليه الحجة: يا سيدي من الصبي؟ فقال: واللّه ما رايته قط، ولا اعرفه... فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم فسالوا عن الحسن بن علي (ع) فتعرفوا موته.. فقالوا: فمن نعزي؟ فاشاروا الي جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه. وقالوا: معنا کتب ومال. فتقول: ممن الکتب؟ وکم المال؟ (وذلک اختبارا لامامته) فقام ينفض اثوابه.. ويقول: تريدون منا ان نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم (يعني خادم الامام المهدي (ع)) فقال: معکم کتب فلان وفلان وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية. فدفعوا اليه الکتب والمال.. وقالوا: الذي وجه بک لاجل ذلک هو الامام. 2- وروي الصدوق بسنده عن ابي الحسن علي بن سنان الموصلي قال: حدثنا ابي لما قبض سيدنا ابو محمد الحسن بن علي العسکري (ع)، وقدم من قم والجبال وفودبالاموال التي کانت تحمل علي الرسم والعادة، فلما وصلوا الي سر من راي سالوا عن سيدنا الحسن (ع) فقيل لهم: انه قد فقد. قالوا: ومن وارثه؟ قالوا: اخوه جعفر بن علي فسالوا عنه فقيل لهم: انه قد خرج متنزها ورکب زورقا في دجلة يشرب ومعه المغنون. قال: فتشاور القوم. وقالوا: هذه ليس من صفة الامام. وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتي نرد هذه الاموال علي اصحابها. فقال ابو العباس محمد بن جعفر الحميري: قفوا بنا حتي ينصرف هذا الرجل ونختبر امره.. فلما انصرف (يعني جعفر) دخلوا اليه فسلموا عليه. فقال: اين هي؟ قالوا: معنا. قال: احملوها الي، فذکروا له ان هذه الاموال تجمع ويکون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران ثم يجعلونها في کيس ويختمون عليه، وکنااذا وردنا بالمال علي سيدنا ابي محمد الحسن بن علي (ع) يقول: جملة المال کذا وکذا دينار. من عند فلان کذا ومن عند فلان کذا حتي ياتي علي اسماء الناس کلهم،ويقول ما علي نقش الخواتيم، فقال جعفر: کذبتم تقولون علي اخي ما لا يفعله! هذا علم الغيب، ولا يعلمه الا اللّه. فلما سمع القوم کلام جعفر، جعل بعضهم ينظر الي بعض فقال لهم: احملوا هذا المال الي، فقالوا: انا قوم مستاجرون وکلاء وانا لا نسلم المال الا بالمعلومات التي کنا نعرفهامن سيدنا الحسن بن علي (ع)، فان کنت الامام فبرهن لنا والا رددنا الاموال الي اصحابها يرون فيها رايهم. وتذکر الرواية ان جعفرا شکاهم الي الخليفة، ولما امرهم بتسليم المال اليه ذکروا له عذرهم السابق فقبله منهم. وقال: القوم رسل وما علي الرسول الا البلاغ المبين. ولما خرجوا من البلد خرج اليهم غلام من احسن الناس وجها کانه خادم، فصاح: يا فلان، يا فلان بن فلان، اجيبوا مولاکم. فقالوا: انت مولانا. قال: معاذ اللّه انا عبد مولاکم فسيروا اليه. قال: فسرنا اليه حتي دخلنا دار مولانا الحسن (ع) فاذا ولده سيدنا القائم (ع) قاعد علي سرير کانه فلقة قمر عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه فرد علينا السلام. ثم قال: جملة المال کذا وکذا دينارا، حمل فلان کذا وحمل فلان کذا ولم يزل يصف حتي وصف الجميع، ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما کان معنا من الدواب. فخررنا سجدا للّه عزوجل شکرا لما عرفنا وقب لنا الارض بين يديه وسالناه عما اردنا فاجاب فحملنا اليه الاموال. وامرنا القائم (ع) ان لا نحمل الي سر من راي بعدها شيئا من المال، وانه ينصب لنا ببغداد رجلا تحمل اليه الاموال وتخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده. ودفع الي ابي العباس محمد بن جعفر الحميري شيئا من الحنوط والکفن فقال له: اعظم اللّه اجرک في نفسک. قال: فما بلغ ابو العباس عقبة همدان حتي توفي رحمه اللّه. وذکرت الرواية: ان الاموال کانت تحمل بعد ذلک الي النواب المنصوبين من قبله (ع). 3- روي الصدوق بسنده عن محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الکبير مولي الرضا (ع) قال: خرج صاحب الزمان (ع) علي جعفر الکذاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضي ابي محمد (ع)، فقال له: يا جعفر مالک تعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر فبهت. ثم غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلک في الناس فلم يره..فلما ماتت ام الحسن (ع) الجدة امرت ان تدفن في الدار فنازعهم، وقال: هي داري لا تدفن فيها فخرج (ع) فقال: يا جعفر ادارک هي؟ ثم غاب عنه فلم يره بعد ذلک. 4- روي الطوسي بسنده عن محمد بن يونس الصنعاني قال: دخلت علي علي بن ابراهيم بن مهزيار فسالته عن آل ابي محمد (ع) فقال: يا اخي لقد سالت عن امر عظيم حججت عشرين حجة کلا اطلب به عيان الامام (ع) فلم اجد الي ذلک سبيلا، فبينما انا ليلة نائم في مرقدي اذ رايت قائلا يقول: يا علي بن ابراهيم قد اذن اللّه لي في الحج. فلم اعقل ليلتي حتي اصبحت، فانا مفکر في امري ارقب الموسم ليلي ونهاري، فلما کان وقت الموسم اصلحت امري، وخرجت متوجها نحو المدينة، فما زلت کذلک حتي دخلت يثرب فسالت عن آل ابي محمد (ع) فلم اجد له اثرا، ولا سمعت له خبرا فاقمت مفکرا في امري حتي خرجت من المدينة اريد مکة فدخلت الجحفة،واقمت بها يوما، وخرجت منها متوجها نحو الغدير وهو علي اربعة اميال من الجحفة، فلما ان دخلت المسجد صليت، وعفرت، واجتهدت في الدعاء، وابتهلت الي اللّه لهم،وخرجت اريد عسفان فما زلت کذلک حتي دخلت مکة فاقمت بها اياما اطوف البيت، واعتکفت فبينما انا ليلة في الطواف اذ انا بفتي حسن الوجه، طيب الرائحة يتبخترفي مشيته طائف حول البيت فاحس قلبي به فقمت فحککته، فقال لي: من اين الرجل؟ فقلت: من اهل العراق من الاهواز. فقال لي: تعرف بها الخصيب. فقلت:رحمه اللّه. دعي فاجاب. فقال: رحمه اللّه فما کان اطول ليلته، واکثر تبتله، واغزر دمعته! افتعرف علي بن ابراهيم بن المازيار؟ فقلت: انا علي بن ابراهيم. فقال: حياک اللّه ابا الحسن. ما فعلت بالعلامة التي بينک وبين ابي محمد الحسن بن علي (ع)؟ فقلت: معي. قال: اخرجها، فادخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلما ان رآها لم يتمالک ان تغرغرت عيناه بالدموع، وبکي منتحبا حتي ب ل اطماره ثم قال: اذن لک الان يابن مازيار صر الي رحلک، وکن علي اهبة من امرک حتي اذا لبس الليل جلبابه، وغمر الناس ظلامه سر الي شعب بني عامر فانک ستلقاني هناک، فسرت الي منزلي فلما ان احسست بالوقت اصلحت راحلتي، وقدمت راحلتي وعکمته شديدا وحملت وصرت في متنه، واقبلت مجدا في السير حتي وردت الشعب فاذا انا بالفتي قائم ينادي: يا ابا الحسن الي، فما زلت نحوه فلما قربت بداني بالسلام، وقال لي: سر بنا يا اخ فما زال يحدثني واحدثه حتي تخرقنا جبال عرفات، وسرنا الي جبال مني، وانفجرالفجر الاول ونحن قد توسطنا جبال الطائف. فلما ان کان هناک امرني بالنزول، وقال لي: انزل فصل صلاة الليل. فصليت، وامرني بالوتر فاوترت، وکانت فائدة منه. ثم امرني بالسجود والتعقيب ثم فرغ من صلاته، ورکب، وامرني بالکوب، وسار وسرت معه حتي علا ذروة الطائف فقال: هل تري شيئا؟ فقلت: نعم اري کثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نورا. فلما ان رايته طابت نفسي فقال لي: هناک الامل والرجاء. ثم قال: سر بنا يا اخ. فسار وسرت بمسيره الي ان انحدر من الذروة، وسار في اسفله. فقال: انزل منها هنا يذل کل صعب ويخضع کل جبار.. ثم قال: خل عن زمام الناقة. قلت: فعلي من اخلفها؟ فقال: حرم القائم (ع) لا يدخله الا مؤمن ولا يخرج منه الا مؤمن. فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت ثم قال لي: ادخل هناک السلامة. فدخلت فاذا انا به جالس قد اتشح ببردة، واتزر باخري، وقد کسر بردته علي عاتقه. ومضي يصفه الي ان قال: سمح سخي تقي نقي ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق بل مربوع القامة صلت الجبين ازج الحاجبين، اقني الانف سهل الخدين علي خده الايمن خال کانه فتات مسک علي رضراضة عنبر. فلما رايته بدرته بالسلام، فرد علي باحسن مما سلمت عليه، وشافهني وسالني عن اهل العراق. فقلت: سيدي قد البسوا جلباب الذلة وهم بين القوم اذلاء. فقال لي: يابن المازيار: لتملکونهم کما ملکوکم وهم يومئذ اذلاء. فقلت: سيدي لقد بعد الوطن، وطال المطلب. فقال: يابن المازيار، ابي ابو محمد عهد الي ان لا اجاور قوما غضب اللّه عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والاخرة، ولهم عذاب اليم، وامرني ان لا اسکن من الجبال الاوعرها، ومن البلاد الا عفرها، واللّه مولاکم اظهر التقية فوکلها بي. فانا في التقية الي يوم يؤذن لي فاخرج. فقلت: يا سيدي متي يکون هذا الامر؟ فقال: اذا حيل بينکم وبين سبيل الکعبة، وذکر له (ع) علامات خروجه بعد الغيبة الکبري. قال: فاقمت عنده اياما، واذن لي بالخروج بعد ان استقصيت لنفسي، وخرجت نحو منزلي، واللّه لقد سرت من مکة الي الکوفة ومعي غلام يخدمني فلم ار الا خيرا وصلي اللّه علي محمد وآله وسلم تسليما.