ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختي


الشيخ ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي، رضوان اللّه، عليه.

ذکر المؤرخون انه کان لدي ابي جعفر محمد بن عثمان العمري، رحمه اللّه، اثناء حياته نحو عشرة رجال يعتمدهم في قضاء حاجاته، منهم ابو القاسم الحسين بن روح، رحمه اللّه، وکلهم کانوا کما يبدو اخص منه لديه حتي انه کان ينجز حاجاته علي الاغلب علي يد غيره،وقد فسروا ذلک بانه کان اقل خصوصية لديه منهم. ولکن الاختيار وقع آخر الامر عليه. ومما ذکروا ايضا ان مشائخ الشيعة کانوا يتوقعون، کما روي ابن قولويه ان الذي سيقوم مقام ابي جعفر، رحمه اللّه، اذا ما توفاه اللّه تعالي، جعفر بن احمد بن متيل لما يرون من مکانته لديه، وما يبدو له من خصوصية عنده، عدوا من شواهدها کثرة تواجده في منزله حتي بلغ انه کان في آخر عمره لا ياکل طعاما الا ما اصلح في منزل جعفر وابيه،فلما وقع الاختيار في الوصية علي ابي القاسم الحسين بن روح سلم آل متيل، ولم ينکروا، وکانوا معه، وبين يديه کما کانوا مع ابي جعفر (محمد بن عثمان) حتي مات. لکن هذا التصور لمکانته وخصوصيته من ابي جعفر، رحمه اللّه، کما يبدو لنا، راي لبعضهم منتزع من العلاقات المنظورة العامة والشخصية بين الشيخ العمري رحمه اللّهوبين المحيطين به من وکلائه وثقاته واخوانه من المؤمنين، ولا يدل شي ء مما ذکروه من شواهد علي تقدم منزلتهم علي الحسين بل قد يفهم من ذلک العکس. وهناک روايات اخري تشير الي ان لابي القاسم الحسين بن روح، رحمه اللّه، مکانة متقدمة ابتداء لدي الشيخ العمري، ففي رواية عن ام کلثوم بنت ابي جعفر العمري رحمها اللّه انها قالت: کان ابو القاسم الحسين بن روح، رضي اللّه عنه، وکيلا لابي جعفر، رضي اللّه عنه، سنين کثيرة ينظر له في املاکه ويلقي باسراره الرؤساء من الشيعة، وکان خصيصا به حتي انه کان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه، وانسه به. قالت: وکان يدفع اليه في کل شهر ثلاثين دينارا رزقا له الي ان قالت: «وحل في انفس الشيعة محلاجليلالمعرفتهم باختصاص ابي اياه، وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه وما کان يحتمله من هذا الامر، فمهدت له الحال في طول حياة ابي الي ان انتهت الوصية اليه بالنص عليه فلم يختلف في امره، ولم يشک فيه احد». وروي ابو جعفر محمد بن علي الاسود رحمه اللّه قال: کنت احمل الاموال التي تحصل في باب الوقف الي ابي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه اللّه فيقبضها مني،فحملت اليه يوما في آخر ايامه قبل موته بسنتين، او ثلاث، سنين فامرني بتسليمها الي ابي القاسم الروحي رضي اللّه عنه. قال: وکنت اطالبه بالقبوض فشکاني اليه فامرني ان لا اطالبه بها، وقال: کل ما وصل الي ابي القاسم فقد وصل الي. وکتب: احمل بعد ذلک اموالک اليه ولا تطالبه بالقبوض وروي مثل ذلک عن ابي عبداللّه جعفر بن عثمان المدائني المعروف بابن قزدا رحمه اللّه، فقد ذکر انه کان يحمل المال للعمري رحمه اللّه، وانه صار اليه آخر عهده به قدس سره، وقال له: تقبضها انت مني علي الرسم. قال: فرد علي کالمنکر لقولي، وقال: قم عافاک اللّه فادفعها الي الحسين بن روح. وقال: انه استجاب حين راي الغضب في وجهه، ولکنه في بعض الطريق رجع کالشاک، واصر علي مقابلته مرة اخري. فقال له العمري، رحمه اللّه، حين خرج اليه: ما الذي جراک علي الرجوع؟ لم لم تمتثل ما قلته لک؟ وحين ذکر له ما رآه عذرا من حالته وتردده. قال له العمري رحمه اللّه وهو مغضب في ما ذکر: قم عافاک اللّه، فقد اقمت ابا القاسم الحسين بن روح مقامي ونصبته منصبي. قال: فقلت: بامر الامام (ع). فقال رحمه اللّه: قم عافاک اللّه کما اقول لک. قال: فلم يکن عندي غير المبادرة. وعن ابي علي محمد بن همام رضي اللّه عنه وارضاه ان ابا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه، جمعنا قبل موته وکنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا: ان حدث علي الموت فالامر الي ابي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد امرت ان اجعله موضعي بعدي فارجعوا اليه وعولوا في امورکم عليه. وروي عن ابي نصر هبة اللّه بن محمد (ابن بنت ام کلثوم ابنة الشيخ العمري رحمه اللّه) قال: «حدثني خالي ابو ابراهيم جعفر بن احمد النوبختي قال: قال لي ابي احمد بن ابراهيم وعمي ابو جعفر عبداللّه بن ابراهيم، وجماعة من اهلنا يعني (بني نوبخت): ان ابا جعفر العمري لما اشتدت حاله، اجتمع جماعة من وجوه الشيعة منهم ابو علي بن همام، وابو عبداللّه بن محمد الکاتب، وابو عبداللّه الباقطاني، وابو سهل اسماعيل بن علي النوبختي، وابو عبداللّه بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والاکابر فدخلوا علي ابي جعفر رضي اللّه عنه فقالوا له: ان حدث امر فمن يکون مکانک؟ فقال لهم: هذا ابو القاسم الحسين بن روح بن ابي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينکم وبين صاحب الامر، والوکيل، والثقة الامين، فارجعوا اليه في امورکم وعولواعليه في مهماتکم فبذلک امرت وقد بلغت ». وروي علي بن احمد بن متيل عن عمه جعفر بن احمد بن متيل قال: لما حضرت ابا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي اللّه عنه) الوفاة.. کنت جالسا عند راسه اساله،واحدثه وابو القاسم بن روح عند رجليه.. فالتفت الي ثم قال: امرت ان اوصي الي ابي القاسم الحسين بن روح. قال رحمه اللّه: فقمت من عند راسه، واخذت بيد ابي القاسم واجلسته في مکاني، وتحولت الي عند رجليه. کرامات الشيخ ابن روح رحمه اللّه للشيخ ابن روح مثل غيره ممن اختارهم الامام المهدي (ع) لنيابته زمن الغيبة الصغري صفات مميزة قدمته علي غيره من العلماء الذين عاصروه، وتصور الکثيرون ابتداء انهم من سيتولي الامر دونه. منها ما شهد له بها العالم المتکلم المعروف ابو سهل النوبختي وذکرناها في صدر البحث حين سئل عن سر اختيار الشيخ ابن روح دونه، فقد ذکر ما معناه انه يتمتع بقدرة فدائية لا نظير لها في کتمانه لسر الامام (ع) قال: «لو کان الحجة (ع) تحت ذيله، وقرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه، واعترف انه لا يحرز من نفسه مثل ذلک ».وبمثل ذلک شهدت له ام کلثوم ابنة الشيخ العمري رحمه اللّه، فقد ذکرت في جملة ما اثنت به عليه «ما کان يحتمله من هذا الامر». وقد ساقوا وقائع عديدة مما اظهر اللّه علي يديه من کرامات تشهد لصلته الحقة بالامام المهدي (ع) منها، وننقلها باسلوب صاحبها من دون تصرف: ما روي عن محمد بن الحسن الصيرفي المقيم ببلخ قال: «اردت الخروج الي الحج، وکان معي مال بعضه ذهب سبائک، وما کان من فضة فهو نقد، وقد کان دفع ذلک المال الي لاسلمه الي الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه. قال: فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي علي موضع فيه رمل، وجعلت اميز تلک السبائک والنقد، فسقطت سبيکة من تلک السبائک مني، وغاصت في الرمل وانا لااعلم. فلما دخلت همدان ميزت تلک السبائک والنقد مرة اخري اهتماما مني بحفظها ففقدت منها سبيکة وزنها مئة مثقال وثلاثة مثاقيل، او قال: ثلاثة وتسعون مثقالا.قال: فسبکت مکانها من مالي بوزنها سبيکة، وجعلتها مع السبائک. فلما وردت مدينة السلام، قصدت الشيخ ابا القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه، وسلمت اليه ما کان معي من السبائک والنقد. فمد يده من بين السبائک الي تلک السبيکة التي کنت سبکتها من مالي بدلا مما ضاع مني فرمي بها الي وقال لي: ليست هذه السبيکة لنا، سبيکتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت خيمتک في الرمل فارجع الي مکانک، وانزل حيث نزلت، واطلب السبيکة هناک تحت الرمل فانک ستجدها وتعود الي هنا فلا تراني. قال: فرجعت الي سرخس، ونزلت حيث کنت نزلت ووجدت السبيکة، وانصرفت الي بلدي، فلما کان بعد ذلک حججت ومعي السبيکة فدخلت مدينة السلام وقد کان الشيخ ابو القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه قد مضي (توفي) ولقيت ابا الحسن السمري فسلمت اليه السبيکة ». ونقل الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ المجلسي وقائع اخري قد تفوق هذه غرابة ودلالة، وسننقل واقعة اخري لا لما تتضمنه من دلالة في هذا الجانب فقط لانه اجاب فيها علي ما يدور من تساؤل في ذهن الرجل ابتداء قبل ان يفضي به اليه بل لجانبين آخرين. اولهما: دلالتها علي مکانته العلمية وسعة معرفته في ما يتصل بشؤون العقيدة والشريعة بصورة عامة، وذلک ما يبدو لنا في منطقية اجابته واحکامها علي الشبهة التي اثارها السائل. ثانيهما: اتصال هذه المعرفة بالامام (ع)، وانها ليست رايا له، وتاکيده انه لا يقول اذا ما قال شيئا الا عن الامام (ع) دائما، وتلک صلة لا نکاد نستوعب صورتهاعظمة. والواقعة نقلها لنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني (رضي اللّه عنه) نذکرها باسلوبه: قال: کنت عند الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه مع جماعة فيهم: علي بن عيسي القصري، فاقبل اليه رجل فقال: اني اريد ان اسالک عن شي ء.. فقال له: سل عما بدا لک. فقال الرجل: اخبرني عن الحسين بن علي (ع) اهو ولي اللّه؟ قال: نعم. قال: اخبرني عن قاتله اهو عدو اللّه؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز ان يسلط اللّه عز وجل عدوه علي وليه؟ فقال له ابو القاسم بن روح قدس اللّه روحه: «افهم عني ما اقول لک: اعلم ان اللّه عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالکلام، ولکنه جل جلاله يبعث اليهم رسلا من اجناسهم، واصنافهم بشرامثلهم ولو بعث اليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم فلما جاءوهم، وکانوا من جنسهم ياکلون الطعام، ويمشون في الاسواق. قالوا لهم:انتم بشر مثلنا ولا نقبل منکم حتي تاتونا بشي ء نعجز ان ناتي بمثله فنعلم انکم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل اللّه عز وجل لهم المعجزات التي نعجز عنها،فمنهم من جاء بالطوفان بعد الانذار والاعذار فغرق جميع من طغي وتمرد، ومنهم من القي في النار فکانت عليه بردا وسلاما، ومنه من فلق له البحر، وفجر له من الحجرالعيون، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا يلتقف ما يافکون، ومنهم من ابرا الاکمه والابرص واحيا الموتي باذن اللّه، وانباهم بما ياکلون وبما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وکلمته البهائم مثل البعير والذئب، وغير ذلک. فلما اتوا بمثل ذلک، وعجز الخلق عن امرهم وعن ان ياتوا بمثله کان من تقدير اللّه عز وجل ولطفه بعباده وحکمته ان جعل الانبياء مع هذه القدرة والمعجزات في حال غالبين وفي اخري مغلوبين وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم اللّه عز وجل في جميع احوالهم غالبين وقاهرين، ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون اللّه عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم علي البلاء والمحن والاختبار، ولکنه عز وجل جعل احوالهم في ذلک کاحوال غيرهم ليکونوا في حال المحنة والبلوي صابرين، وفي حال العافية والظهور علي الاعداء شاکرين، ويکونوا في جميع احوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد ان لهم الها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتکون حجة اللّه ثابتة علي من تجاوز الحد فيهم، وادعي الربوبية لهم او عاند او خالف وعصي، وجحد بما اتت به الانبياء، والرسل، ليهلک من هلک علي بينة، ويحيا من حي عن بينة ». قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي اللّه عنه: فعدت الي الشيخ ابي القاسم بن روح قدس اللّه روحه من الغد، وانا اقول في نفسي: اتراه ذکر ما ذکر لنا يوم امس من عندنفسه... فابتداني فقال لي: يا محمد بن ابراهيم لان اخر من السماء فتخطفني الطير وتهوي بي الريح في مکان سحيق احب الي من ان اقول في دين اللّه عز وجل برايي، ومن عند نفسي بل ذلک عن الاصل، ومسموع عن الحجة صلوات اللّه وسلامه عليه. من توقيعات الامام المهدي (ع) بوساطته مما خرج عن الامام (ع) ردا علي الغلاة جوابا لکتاب کتب اليه علي يدي محمد بن علي بن هلال الکرخي التوقيع التالي: «يا محمد بن علي: تعالي اللّه وجل عما يصفون سبحانه وبحمده، ليس نحن شرکاءه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره کما قال في محکم کتابه تبارکت اسماؤه: (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا اللّه) [النمل: 65]. وانا وجميع آبائي من الاولين: آدم ونوح وابراهيم وموسي وغيرهم من النبيين، ومن الاخرين محمد رسول اللّه وعلي بن ابي طالب وغيرهم ممن مضي من الائمة صلوات اللّه عليهم اجمعين الي مبلغ ايامي ومنتهي عصري عبيداللّه عز وجل. يقول اللّه عز وجل: (ومن اعرض عن ذکري فان له معيشة ضنکا، ونحشره يوم القيامة اعمي. قال: رب لم حشرتني اعمي وقد کنت بصيرا. قال: کذلک اتتک آياتنا فنسيتهاوکذلک اليوم تنسي) [طه: 124 126]. يا محمد بن علي: قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح بعوضة ارجح منه. فاشهد اللّه الذي لا اله الا هو وکفي به شهيدا ورسوله محمدا (ص)، وملائکته وانبياءه واولياءه (ع)واشهدک، واشهد کل من سمع کتابي هذا: اني بري ء الي اللّه والي رسوله ممن يقول انا نعلم الغيب ونشارکه في ملکه او يحلنا محلا سوي المحل الذي رضيه لنا،وخلقنا له، او يتعدي بنا عما قد فسرته لک وبينته في صدر کتابي. واشهدکم: ان کل من نبرا منه فان اللّه يبرا منه وملائکته ورسله، واولياؤه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الکتاب امانة في عنقک، وعنق من سمعه ان لا يکتمه عن احدمن موالي وشيعتي حتي يظهر علي هذا التوقيع الکل من الموالي، لعل اللّه عز وجل يتلافاهم فيرجعون الي دين اللّه الحق، وينتهون عما لا يعلمون منتهي امره، ولا مبلغ منتهاه. فکل من فهم کتابي ولا يرجع الي ما قد امرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من اللّه وممن ذکرت من عباده الصالحين ». وهناک توقيعات اخري کثيرة منها التوقيع الذي سنذکره في الجزء الثاني الخاص بادعياء المهدوية والبابية عن الشلمغاني واشباهه، مضافا لروايته عن الامام ابي محمدالحسن العسکري (ع). وفاة الشيخ ابن روح اعلي اللّه مقامه استمرت نيابة الشيخ ابن روح للامام المهدي من سنة 304 او 305 ه لدي وفاة ابي جعفر العمري رحمه اللّه حتي وفاته في شعبان سنة 326 ه، اي اکثر من عشرين سنة،هذا عدا السنين التي قضاها لصقا للشيخ العمري رحمه اللّه. وقد اوصي بامر الامام المهدي (ع) الي: