من هو المهدي؟ ومتي ولد؟


القدر الذي يشترک في الايمان به اغلب المسلمين، سنة وشيعة، ويشترکون في تخريج الروايات به، في شان الامام المهدي (ع)، هو انه رجل من اهل بيت النبي (ص) وانه من ذرية علي وفاطمة (ع) يخرج في آخر الزمان وقد ملئت الارض ظلما وجورا فيملاها قسطا وعدلا، وان المسيح ينزل فيصلي خلفه في بيت المقدس ويجاهد معه وان اسمه اسم النبي (ص) (محمد) وانه يشبهه خلقا.

وانه، لدي خروجه، يکون جبرائيل (ع) علي مقدمته او عن يمينه وميکائيل (ع) علي ساقته او عن يساره وان غمامة علي راسه تظ للّه، وملک ينادي هذا المهدي خليفة اللّهفاتبعوه وتطلع قبله مع الشمس آية. ثم اختلفوا، بعد ذلک، في انه من ذرية الحسن او من ذرية الحسين. واختلفوا في اسم ابيه ايضا، هل هو عبداللّه او الحسن؟ وهل ان کنيته ابو عبداللّه او ابو القاسم؟ اما غير الشيعة الامامية من المسلمين فقد اختلفوا علي ثلاثة اقوال، فذهب بعض منهم الي القول بانه من ذرية الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) وان اسم ابيه عبداللّه، وانه لم يولد بعد. وذهب بعض آخر الي التوقف، وبعض ثالث وافق الشيعة وهم اهل الکشف ممن هم من اهل السنة اصلا، وقد اشار الي هذين القسمين الحافظ الفقيه ابو بکر البيهقي صاحب السنن المتوفي سنة 480 ه، فقال: «اختلف الناس في امر المهدي فتوقف جماعة واحالوا العلم الي عالمه، واعتقدوا انه واحد من اولاد فاطمة بنت رسول اللّه (ص) يخلقه اللّه متي شاء يبعثه نصرة لدينه ». وطائفة يقولون: ان المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255 ه، وهو الامام الملقب بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسکري (ع)، وهو مختف عن اعين الناس، منتظر خروجه، وسيظهر فيملا الارض عدلا وقسطا کما ملئت جورا وظلما، ولا امتناع في طول عمره وامتداد ايامه کعيسي بن مريم والخضر (ع) قال:ووافقهم عليه جماعة من اهل الکشف ونقل ذلک الي راي اهل الکشف ابن خلدون في النص الذي ذکرناه في صدر هذا البحث، وسنذکر جماعة من هؤلاء في ماسياتي. ادلة الطائفة الاولي ومناقشتها: استدلت الطائفة الاولي علي قولها بانه من ذرية الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) بثلاث روايات: الاولي: اخرجها نعيم بن حماد عن الاعمش عن ابي وائل قال: نظر علي (ع) الي الحسن (ع) فقال: ان ابني هذا سيد کما سماه رسول اللّه (ص)، وسيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيکم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملا الارض عدلا. والثانية: رواها تمام في فوائده وابن عساکر عن عبداللّه بن عمرو بن العاص قال: يخرج رجل من ولد حسن من قبل الشرق لو استقبل بها الجبال لمهدها واتخذ فيها طرقا. والثالثة: اخرجها الترمذي في جامعه وابو داود في سننه عن ابي اسحاق السبيعي قال: قال علي (ع)، ونظر الي ابنه الحسن (ع)، فقال: ان ابني هذا سيد سماه رسول اللّه(ص) وسيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيکم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملا الارض عدلا. والروايات مناقشة سندا ومعارضة مضمونا؟ اما الاولي، فهي اولا، مروية عن عبداللّه بن بحير الصنعاني المکني بابي وائل، وحسبنا في اسقاطها ما نصوا عليه من کونه قاصا من جند معاوية، والقاصون بصورة عامة متهمون بعدم الدقة والتزيد بخاصة من کان منهم في عهد معاوية بالذات، فقد کانوا من جملة من اعتمدهم في تحريف الاحاديث بما يوافق اغراضه. قال ابن حبان عن ابي وائل: يروي العجائب التي کانها معمولة لا يحتج به. وثانيا: انها معارضة بروايات صحيحة کما ستراها في الاتي. واما الثانية فهي غير مرفوعة، اولا، ومع غض النظر عن الکلام في عبداللّه بن عمرو بن العاص، المناصر لمعاوية في صفين، فان راويها ابن لهيعة عبداللّه بن عقبة الحضرمي ضعيف کما ذکر الذهبي وهو رواها عن ابي قبيل حي بن هاني المعافري. قال البخاري: فيه نظر. وقال احمد: احاديثه مناکير. وراويها عن ابن لهيعة رشدين بن سعدين مفلح المهري ضعفه ابو زرعه وغيره، قال حرب: سالت احمد فضعفه، وقال ابن معين: لا يکتب حديثه. وهي، ثانيا، معارضة برواية عن ابي قبيل عن عبداللّه بن عمر قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقا. قال الکنجي الشافعي في البيان ص 513. رواه الطبراني وابو نعيم. واما الرواية الثالثة، فتناقش، اولا، بان السبيعي توفي سنة 129 ه والامام علي (ع) استشهد سنة 40 ه، فلو حسبنا عمره من سنة مقتل الامام (ع) لکان 89 عاما فکم يکون قد عاش اذا ليمکن له ان يري الامام (ع) ويسمع منه ويحفظ عنه، ولو اخذنا بقول من روي ان ولادته کانت في عهد عثمان، ولا بد من ان يکون في آخرها ان صحت هذه الرواية، فان عمره عند عهد الامام (ع) حتي في آخره مما لا يقبل معه ان ينقل عنه شيئا لذلک نص المنذري علي انه حديث منقطع. ثانيا: ان السبيعي اختلط في آخر عمره، ومن حاول نفي الاختلاط عنه نص علي انه شاخ ونسي وقد يکون وضع اسم الحسن (ع) مکان اسم الحسين (ع) بسبب ذلک. ثالثا: ان هذا الحديث عن السبيعي معارض بنقل آخر عن السبيعي يذکر فيه اسم الحسين (ع) مکان اسم الحسن (ع) ففي الجمع بين الصحاح السنة عن ابي اسحاق السبيعي قال: قال علي (ع) ونظر الي ابنه الحسين (ع): ان ابني هذا سيد کما سماه رسول اللّه (ص) وسيخرج اللّه من صلبه رجلا باسم نبيکم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملا الارض عدلا. روي ذلک عن ابي اسحاق صاحب مشکاة المصابيح. رابعا: من الممکن ان تکون هذه الروايات من وضع دعاة محمد بن عبداللّه بن الحسن المثني المکني بابي عبداللّه والذي لقب نفسه او لقبوه بذي النفس الزکية،فقد کان يتغيب ويستخفي، ويدعي المهدوية، وقد اعلن شاعر من اتباعه ذلک فقال:



ان الذي يروي الرواة لبين

اذا ما ابن عبداللّه فيهم تجردا



وتدل اقواله ومواقفه مع الامام الصادق جعفر بن محمد (ع) وقتله لاسماعيل بن عبداللّه بن جعفر، وکان شيخا في التسعين، حين ابيا مبايعته علي انه قليل الورع لايستبعد عليه الادعاء والوضع، وقد ثار محمد هذا في المدينة المنورة ولم يجاوزها حتي قتل في عهد ابي جعفر المنصور سنة 145. وربما کان دعاته ايضا وراء اضافة «اسم ابيه اسم ابي او کنيته ابو عبداللّه». وربما شارکهم في هذه خاصة دعاة ابي عبداللّه محمد بن عبداللّه المنصور الملقب بالمهدي، وهو ثالث الخلفاء العباسيين، فقد ادعيت له المهدوية ايضا ووضعت لصالح دعواه کما هو في الحسني احاديث تجعل المهدي من ذرية العباس کالذي اخرجه نعيم بن حماد عن کعب قال: المهدي من ولد العباس. وکالذي رواه الدارقطني في الافراد وابن عساکر في تاريخه عن عثمان بن عفان قال: سمعت النبي (ص) يقول: المهدي من ولد العباس عمي. وقد نصوا علي ضعفهما وسقوط قيمتهما واعرضوا عمليا عن اعتبارهما. ان وضع هذه الاحاديث التي تنسب المهدي (ع) الي الحسن السبط (ع) او الي العباس (رض)، ثم تحريف الحديث النبوي الاخر بعد قوله (ص) (واسمه اسمي) باضافة واسم ابيه اسم ابي او وکنيته ابو عبداللّه، لا يستبعد علي من يجزؤ علي ادعاء المهدوية، فهذا الوضع وهذا التحريف من شانيهما ان يقربا تطبيق الرواية علي کل منهمالدي العامة من الناس من جهات: 1 من خلال الجد البعيد 2 من خلال الاب 3 من خلال الکنية. والدليل علي ذلک ما ذکرناه من ضعف اسانيد نسبته للحسن (ع) ونسبته للعباس ومعارضتهما باحاديث صحيحة متواترة عن الرسول (ص) واهل البيت (ع). کماسياتي. اما تحريف الحديث الاخر، بادخال الزيادة التي اشرنا اليها فيه، فيدل عليه ان الاحاديث التي رواها الترمذي في جامعه وابو داود في سننه والنسائي في سننه واحمد في مسنده والبيهقي في سننه والطبراني في معجمه وابو عمرو المقري في سننه والحافظ ابو نعيم خالية من هذه الزيادة، وقد رويت عن عبداللّه بن مسعود وعبداللّه بن عمروابي هريرة بطرق کثيرة کالذي روي عن عبداللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه (ص): «لا تنقضي الايام ولا يذهب الدهر حتي يملک رجل من اهل بيتي اسمه يواط ي ءاسمي »وفي صيغة اخري عن عبداللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه (ص): «لا تقوم الساعة حتي يلي الارض رجل من اهل بيتي اسمه اسمي ». وقد اورد الحديث الاول الامام احمد بن حنبل في مسنده في عدة مواضع 199: 5 رقم 3572/3573 وفي 6: 74 رقم 4098 و6: 139 رقم 4279. وقال الشيخ احمد شاکر في تعليقه علي المسند عقب کل رواية: اسناده صحيح. واخرج الحديث الثاني الحافظ ابو بکر البيهقي واخرجه الترمذي في سننه بطريقين احدهما عن ابي هريرة 6: 486 بلفظ يلي رجل من اهل بيتي. وقال: حسن صحيح. وکالذي روي عن عبداللّه بن مسعود ايضا قال: قال رسول اللّه (ص): «لا تذهب الدنيا حتي يملک رجل من اهل بيتي (وفي الترمذي حتي يملک العرب رجل) يواط ي ءاسمه اسمي يملاالارض عدلا وقسطا کما ملئت جورا وظلما». وقد اخرجه الطبراني في معجمه الصغير 2/148 وابو داود في سننه والترمذي في جامعه، وقال: حديث حسن صحيح. ويؤيد ذلک ان الحافظ ابا نعيم الاصفهاني قد احصي، کما نقل ذلک الحافظ محمد بن يوسف بن محمد القرشي الکنجي الشافعي رحمه اللّه، طرق الحديث عن الجم الغفيرفي مناقب المهدي (ع) کلها عن عاصم بن ابي النجود عن عبداللّه عن النبي (ص) ذکر منها الکنجي 33 طريقا الاکثر الغالب منها له طرق شتي. ورواه غير عاصم عن زرايضا وهو عمر بن مرة. وکل هذه الطرق روت ان الرسول (ص) قال في الحديث: «اسمه اسمي » من دون زيادة الا ما کان من عبيداللّه بن موسي عن زائدة عن عاصم فانه اضيف فيه «واسم ابيه اسم ابي ».وبمقارنة (34) طريقا خالية من هذه الزيادة الي طريق واحد يثبتها يتضح لنا سقوط هذا الطريق من الاعتبار مقابلها من دون شک مع ما قدمناه من دواع منطقية للاتهام في وضع هذه الزيادة ووضع (وکنيته ابو عبداللّه) کذلک بالدليل نفسه، وان وردت منفردة عن تلک في بعض الاخبار. قالوا: وربما کانت له کنية اخري عدا الکنية التي عرف بها، وهي «ابو القاسم »، والتي وردت في الحديث عن عبداللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه (ص): «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه کاسمي وکنيته ککنيتي يملا الارض عدلا کما ملئت جورا» قول اخرجه سبط ابن الجوزي عن عبد العزيز بن محمود بن البزاز. وفي الشفاء للقاضي عياض رحمه اللّه: ان کنيته ابو القاسم وانه جمع له بين کنية النبي (ص) واسمه. وجمع بعضهم له بين الکنيتين، قال سبط ابن الجوزي: وکنيته «ابو عبداللّه وابو القاسم » وبذلک نغني عن التوجيه المتکلف الذي حاوله بعضهم في توجيه «واسم ابيه اسم ابي »کمحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول والکنجي في البيان ونقله الشيخ المجلسي في البحار.