و عن فلسفة الغيبة؟


لماذا غاب الإمام المهدي دون أسلافه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؟

والجواب: إضافة إلي الإلماع الذي سبق منا:

إلي ذلک يحتاج إلي بيان مقدمة، وهي:

إن وجود الحجة من قبل الله - نبياً کان أو وصياً - أمر لا بد منه لسببين:

1- لما ثبت في علم الکلام من أنه لا بد من وجود الحجة ولولاه لساخت الأرض بأهلها.

2- لأن الحجة يشکل جبهة الحق، التي لابد أن تقاوم جبهة الباطل حتي يبقي علي الأرض طريقان طريق الحق وطريق الباطل، يجد کل إنسان نفسه أمام خيارين لا خيار واحد کما يقول القرآن الکريم: (وهديناه النجدين) [1] ولولا الحجة الذي يؤسس جبهة الحق ويقودها لأمکن أن ينحاز الناس إلي الباطل ووجد کل إنسان نفسه - مهما أوتي من صفاء الضمير - مضطراً إلي السير في طريق الباطل إذ لا يجد بديله.

وبعد وفاة الرسول (صلّي الله عليه وآله) ارتبک طريق الحق وصارت الخلافة ملکاً عضوضاً کما أخبر الرسول نفسه، فلو کان الأئمة يغيبون لتقلصت جبهة الحق وسدت طريقه ووجدت الأجيال أنفسها أمام طريق الباطل وحدها فکان علي الأئمة أن يظلوا في الناس ظاهرين مهما تعرضوا للتقتيل والتنکيل، حتي يشکلوا جبهة الحق ويستمر الصراع في الحياة بين الجبهتين ولو غابوا لما بقي من الشيعة عين ولا أثر. لأن الشيعة الذين يشکلون جبهة الحق الأصيلة. لم يکونوا قد اکتملوا کياناً راسخاً يصمد للزعازع، لم يکونوا قد اکتملوا کياناً فکرياً ولا کياناً اجتماعياً فبقي الأئمة واستمروا ما واجهتهم من ويلات ونکبات.

أما وبعدما انکسرت سطوات العواصف وانتهي يزيد والمنصور والرشيد والمتوکّل من جهة ومن جهة أخري تماسکت الشيعة کتلة صخرية منتشرة القواعد في أعماق التخوم الإسلامية وفکراً مرکزاً کثير المصادر والرواة، بحيث تستطيع الصمود عبر التاريخ حتي ولو غاب إمامهم، لم تکن عندئذ ضرورة لبقاء الإمام ظاهراً معرضاً لکل الاحتمالات في جميع الأحوال، فغاب الإمام ليظهر في الوقت المناسب يداً تعلو فلا تطال وکلمة تدوي فلا ترد، وبقيت الشيعة فکرة أصيلة وطائفة صلداء.


پاورقي

[1] سورة البلد: الآية 10.