مسائل الحميري


الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص301 - 303: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً: ما سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما کتب إليه وهو:

محمد بن عبد الله الحميري من الأفاضل الموثوقين الذين کان يرجع إليه فقهاء الشيعة لمعرفتهم بأنه يراسل الإمام المهدي (عليه السلام) ويتلقي الجواب

قال العلامة الحلي: في کتاب (خلاصة الرجال) ص75: (محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالک الحميري، أبو جعفر القمي، کان ثقة ووجهاً کاتب صاحب الأمر (عليه السلام) وسأله مسائل في أبواب الشريعة).

قال النجاشي: (.... وکان له إخوة) جعفر، والحسين، وأحمد (کلهم کان لهم مکاتبة).

والظاهر أنه کتب مسائله وأرفقها بالأدلة التي کانت تحضره ليتثبت مما کان يراه، ثم ترک - في رسالته - فراغات ليکتب الإمام أجوبته في تلک الفراغات، ثم روي الأسئلة والأجوبة معاً وعلم علي الجواب بکلمة (التوقيع) أو (الجواب) أو (فأجاب) للتمييز بين کلامه وکلام الإمام.

قال النجاشي: (... وقعت هذه المسائل التي في أصلها والتوقيعات بين السطور).

رقم 1:

بسم الله الرحمن الرحيم. أطال الله بقاک، وأدام الله عزّک، وتأييدک وسعادتک، وسلامتک وأتمّ نعمته عليک، وزاد في إحسانه إليک، وجميل مواهبه لديک، وفضله عندک، وجعلني من السوء فداک، وقدمني قبلک [1] الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه کان مقبولاً ومن دفعتموه کان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلک وببلدنا أيّدک الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيّدک الله کتابک إلي جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة، وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملک المعروف بملک بادوکة [2] وهو ختن [3] رحمه الله من بينهم فاغتنم بذلک، وسألني أيّدک الله أن أعلمک ما ناله من ذلک، فإن کان من ذهب فاستغفر الله منه، وإن يکن غير ذلک عرفته ما تسکن نفسه إليه إن شاء الله.

التوقيع: (لم نکاتب إلا من کاتبنا).

وقد عودتني أدام الله عزک في تفضلک ما أنت أهل أن تخبرني علي العادة، وقبلک أعزک الله فقهاؤنا قالوا: إنّا محتاجون إلي أشياء تسأل لنا عنها.

روي لنا عن العالم [4] (عليه السلام): أنه سئل عن إمام قوم صلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة [5] کيف يعمل من خلفه؟

فقال: (يؤخّر ويتقدم بعضهم، ويتمّ صلاتهم، ويغتسل من مسّه).

التوقيع: (ليس علي من نحّاه إلا غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة، تمم صلاته مع القوم) [6] .

وروي عن العالم (عليه السلام): أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل،

وهذا الإمام في هذه الحالة لا يکون إلا بحرارة، فالعمل ما هو. ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسّه، فکيف يجب عليه الغسل.

التوقيع: (إذا مسّه علي هذه الحال لم يکن عليه إلا غسل يده).

وعن صلاة جعفر: إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود، أو رکوع أو سجود وذکره في حالة أخري قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته في ذلک التسبيح في الحالة التي ذکرها أم يتجاوز في صلاته؟

التوقيع: (إذا سها في حالة من ذلک ثم ذکر في حالة أخري، قضي ما فاته في الحالة التي ذکره).

وعن المرأة يموت زوجها، يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟

التوقيع: (تخرج في جنازته).

وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟

التوقيع: (تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها).

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟؟

التوقيع: (إذا کان حق خرجت فيه وقضته، وإن کانت حاجة ولم يکن لها من ينظر فيها خرجت بها حتي تقضيها، ولا تبيت إلا في بيتها) [7] .

وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها: أن العالم (عليه السلام) قال: (عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) کيف تقبل صلاته)؟

وروي: ما زکت صلاة من لم يقرأ (قل هو الله أحد).

وروي: (أن من قرأ في فرائضه (الهمزة) أعطي من الثواب قدر الدنيا) فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذکرناها، مع ما قد روي: (أنه لا تقبل صلاة ولا تزکو إلا بهما)؟

التوقيع: (الثواب في السورة علي ما قد روي، وإذا ترک سورة مما فيها الثواب وقرأ (قل هو الله أحد) و(إنا أنزلناه) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ، وثواب السور التي ترک، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتکون صلاته تامة ولکن يکون قد ترک الفضل).

وعن وداع شهر رمضان: متي يکون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: (يقرأ في آخر ليلة منه) وبعضهم يقول: (وهو في آخر يوم منه إذا رأي هلال شوال)؟

التوقيع: (العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين).

وعن قول الله عزوجل: (إنه لقول رسول کريم) أرسول الله (صلي الله عليه وآله) المَعنيّ به؟ (ذي قوة عند ذي العرش مکين) ما هذه القوة؟ (مطاع ثم أمين) [8] ما هذه الطاعة وأين هي؟؟ - ما خرج لهذه المسألة جواب.

فرأيک أدام الله عزک بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملک المتقدم ذکره بما يسکن إليه ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضّل عليّ بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت مثاباً إن شاء الله [9] .

التوقيع: (جمع الله لک ولإخوانک خير الدنيا والآخرة).

مسائل الحميري [10] .:

رقم 2:

[11] ... فرأيک أدام الله عزک في تأمل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلک لأضيفه إلي سائر أياديک عندي ومننک عليّ، واحتجت أدام الله عزک أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهّد الأول إلي الرکعة الثانية هل يجب عليه أن يکبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: (لا يجب عليه التکبير، ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد)؟

الجواب: (إن فيه حديثين: أما أحدهما: (فإنه إذا انتقل من حالة إلي حالة أخري فعليه التکبير). وأما الآخر: فإنه روي: (أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فکبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تکبير وکذلک في التشهّد الأول يجري هذا المجري) وبأيهما أخذت من جهة التسليم کان صواباً).

وعن الفص الخماهن [12] : هل يجوز فيه الصلاة إذا کان في إصبعه؟ الجواب: (فيه کراهية أن يصلي فيه، وفيه أيضاً إطلاق، والعمل علي الکراهية) [13] .

وعن الرجل اشتري هدياً لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمني فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثم ذکره بعد ذلک، أيجزي عن الرجل أم لا؟

الجواب: (لا بأس بذلک، وقد أجزأ عن صاحبه).

وعندنا حاکة مجوس، يأکلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل يجوز الصلاة فيهما من قبل أن تغسل؟

الجواب: (لا بأس بالصلاة فيها).

وعن المصلي، يکون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته علي (مسح أو نطع) فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟

الجواب: (ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخِمرة) [14] .

وعن المحرم: يرفع الظلال هل يرفع خشب أو العمارية الکنيسة ويرفع الجناحين أم لا؟ [15] .

الجواب: (لا شيء عليه في ترک رفع الخشب).

وعن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره، حذراً علي ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلک؟

الجواب: (إذا فعل ذلک في المحمل في طريقه، فعليه دم) [16] .

وعن الرجل: يحج عن واحد، هل يحتاج أن يذکر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا، وهل يجب أن يذبح عمن حجّ وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟

الجواب: (قد يجزيه هدي واحد، ويذکره وإن لم يفعل [17] فلا بأس).

وهل يجوز للرجل أن يحرم في کساء خزّ أم لا؟

الجواب: (لا بأس بذلک، وقد فعله قوم صالحون).

وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط [18] لا يغطي الکعبين أم لا يجوز؟

الجواب: (جائز).

وعن الرجل يصلي وفي کمه أو سراويله سکين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلک؟

وعن الرجل: يکون معه بعض هؤلاء [19] ، ويکون متصلاً بهم، فيحج ويأخذ ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة [20] أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ.

الجواب: (يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب، ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلي ميقاتهم أظهر).

وعن لبس النعل المعطون [21] فإن بعض أصحابنا يذکر أن لبسه کريه؟

الجواب: (جائز، ولا بأس به).

وعن الرجل: من وکلاء الوقف مستحلاً لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها. أو أدخل منزله - وقد حضر طعامه - فيدعوني إليه، فإن لم آکل من طعامه عاداني عليه وقال: فلان لا يستحل أن يأکل من طعامنا فهل يجوز لي أن آکل من طعامه وأتصدق بصدقه؟ وکم مقدار الصدقة؟ وأن أهدي هذا الوکيل هدية إلي رجل آخر فأحضر فيدعوني إلي أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوکيل لا يرع عن أخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟

الجواب: (إن کان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فکل طعامه واقبل برّه، وإلا فلا).

وعن الرجل ممن يقول بالحق ويري المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أنّ له أهلاً موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها: ألا يتزوج عليها، ولا يتمتع - ولا يتسرّي وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. أيضاً لذلک، ويري أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووکيل وحاشية مما يقلله في أعينهم، ويحبّ المقام علي ما هو عليه محبة لأهله وميلاً إليها، وصيانة لها ولنفسها، لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها، فهل عليه في ترک ذلک مأثم أم لا؟

الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله تعالي بالمتعة، ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة) [22] .

مسائل الحميري [23] .:

رقم 3:

سأل عن المحرم: يجوز أن يشد المئزر من خلفه علي عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلي حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدها، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلي خاصرته، ويشد طرفيه إلي ورکيه، فيکون مثل السراويل يستر ما هناک، فإن المئزر الأول کنا نتزر به إذا رکب الرجل جمله يکشف ما هناک، وهذا أستر؟

فأجاب: جاز أن يتزر الإنسان کيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن المئزر، وغرزه غرزاً ولم يعقده، ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطّي سرته ورکبتيه کلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والرکبتين، والأحب إلينا والأفضل لکل أحد شده علي السبيل المألوفة المعروفة عند الناس جميعاً إن شاء الله).

وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مکان العقد تکة؟

فأجاب: (لا يجوز شد المئزر بشيء سواه من تکة ولا غيرها).

وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول علي ملّة إبراهيم ودين محمد (صلّي الله عليه وآله)، فإن بعض أصحابنا ذکر: أنه إذا قال: علي دين محمد فقد أبدع، لأنا لم نجده في شيء من کتب الصلاة خلا حديثاً في کتاب القاسم بن محمد عن جدّه عن الحسن بن راشد: أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: کيف تتوجه؟

فقال: أقول لبيک وسعديک.

فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألک. کيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً.

قال الحسن: أقول.

فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلک فقل: علي ملّة إبراهيم، ودين محمد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمد، حنيفاً ومسلماً وما أنا من المشرکين.

فأجاب (عجل الله فرجه): (التوجه کلّه ليس بفريضة، والسنّة المؤکدة فيه التي کالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً علي ملّة إبراهيم ودين محمد وهدي أمير المؤمنين، وما أنا من المشرکين. إن صلاتي ونسکي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريک له وبذلک أمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ الحمد.

قال الفقيه [24] الذي لا يشک في علمه: إنّ الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين أنها له (عليه السلام) وفي عقبه باقية إلي يوم القيامة [25] فمن کان کذلک فهو من المهتدين. ومن شک فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدي).

وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يردّ يديه علي وجهه وصدره للحديث الذي روي: (إن الله عزّ وجلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفراً بل يملأهما من رحمته) أم لا يجوز؟ فإن بعض أصحابنا [26] ذکر أنه عمل [27] في الصلاة.

فأجاب (عليه السلام): (رد اليدين من القنوت علي الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء، أن يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء رکبتيه علي تمهل، ويکبّر ويرکع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به [28] فيها أفضل).

وسأل: عن سجدة الشکر بعد الفريضة، فإن بعض أصحابنا ذکر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع رکعات النافلة؟

فأجاب (عليه السلام): (سجدة الشکر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله. فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فأن فضل الدّعاء والتّسبيح بعد الفرائض علي الدعاء بعقيب النوافل کفضل الفرائض علي النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تکون بعد الفرائض فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز) [29] .

وسأل: إن لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان فيها حصته وأکرته ربما زرعوا حدودها ويؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الکل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرّج من شرائها لأنه يقال أن هذه الحصة من هذه الضيعة کانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وکان ذلک صلاحاً له وعمارة لضيعته، وإنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلک عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالي؟

فأجاب: (الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالکها أو بأمره أو رضاءٍ منه) [30] .

وسأل: عن رجل استحلّ امرأة خارجة من حجابها، وکان يتحرز من أن يقع ولد فجاءت بابن، فتحرج الرجل أن لا يقبله فقبله وهو شاکّ فيه، وجعل يجري النفقة علي أمه وعليه حتي ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه شاکّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن کان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله کسائر ولده فعل ذلک وإن جاز أن يجعله له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟

فأجاب (عليه السلام): (الاستحلال بالمرأة يقع علي وجوه، والجواب يختلف فيها فليذکر الوجه الذي وقع الاستحلال عليه به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله).

وسأله الدّعاء له فخرج الجواب:

(جاد الله عليه بما هو جل وتعالي أهله، إيجابنا لحقه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله، وقرّبه منّا، وقد رضينا بما علّمناه من جميل نيّته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقر له من الله، التي يرضي الله عز وجل ورسوله وأوليائه (عليهم السلام) والرحمة بما بدأنا، نسأل الله بمسألته ما أمله من کل خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، إنه ولي قدير).

مسائل الحميري [31] .:

رقم 4:

بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاک وأدام عزّک وکرامتک وسعادتک وسلامتک، وأتمّ نعمته عليک وزاد في إحسانه إليک، وجميل مواهبه لديک، وفضله عليک، وجزيل قسمه لک، وجعلني من السوء کله فداک، وقدمني قبلک [32] .

إن قبلنا [33] مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأکثر، ويصلون بشعبان وشهر رمضان. وروي لهم بعض أصحابنا: أن صومه معصية؟

فأجاب (عليه السلام): (قال الفقيه [34] : يصوم منه أيّاماً إلي خمسة عشر يوماً (ثم يقطعه) إلا أن يصوم عن الثّلاثة، الأيام الفائتة [35] ، للحديث: (إن نعم شهر القضاء رجب).

وسأل: عن رجل يکون في محمله والثلج کثير بقامة الرجل، فيتخوّف إن نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو علي تلک الحال ولا يستوي له أن يلبّد شيئاً منه لکثرته وتهافته، هل يجوز [له] أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلک أياماً فهل علينا في ذلک إعادة أم لا؟

فأجاب: (لا بأس [به] عند الضرورة والشّدة).

وسأل: عن الرجل يلحق الإمام وهو راکع فيرکع معه ويحتسب تلک الرکعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تکبيرة الرکوع فليس له أن يعتدّ بتلک الرکعة؟

فأجاب: (إذا لحق مع الإمام من تسبيح الرکوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلک الرکعة وإن لم يسمع تکبيرة الرکوع) [36] .

وسأل: عن رجل صلي الظّهر ودخل في صلاة العصر فلمّا أن صلّي من صلاة العصر رکعتين استيقن أنه صلّي الظهر رکعتين، کيف يصنع؟

فأجاب: (إن کان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يکن أحدث حادثة جعل الرکعتين الأخرتين تتمة لصلاة الظّهر، وصلّي العصر بعد ذلک) [37] .

وسأل: عن أهل الجنّة (هل) يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟

فأجاب: (إن الجنّة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين [38] ، کما قال سبحانه، فإذا اشتهي المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة علي الصورة التي يريد کما خلق آدم عبرة).

وسأل: عن رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلي وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد کانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيّامها بثلاثة أيام، أيجوز أن يتزوّجها رجل [آخر بشيء] معلوم إلي وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخري؟

فأجاب: (يستقبل حيضة غير تلک الحيضة، لأن أقل تلک العدّة حيضة وطهرة تامّة).

وسأل: عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج، هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا: أنهم لا يؤمّون الأصحاء.

فقال: (إن کان ما بهم حادثاً جازت شهادتهم، وإن کان ولادة لم تجز) [39] .

وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته:

فأجاب: (إن کانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تکن ربيّت في حجره وکانت أمّها من غير عياله [40] روي: أنّه جائز).

وسأل: هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدّتها بعد ذلک أم لا؟

فأجاب: (قد نهي عن ذلک).

وسأل: عن رجل ادّعي علي رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادّعي عليه أيضاً خمسمائة درهم في صک آخر، وله بذلک بيّنة عادلة، وادّعي عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صک آخر، ومائتي درهم في صک آخر، وله بذلک بيّنة کله بيّنة عادلة، ويزعم المدعي عليه أن هذه الصکوک کلّها قد دخلت في الصک الذي بألف درهم، والمدّعي منکر أن يکون کما زعم، فهل يجب الألف درهم مرة واحدة أو يجب عليه کل ما يقيم البيّنة به؟

وليس في الصکاک استثناء إنما هي صکاک علي وجهها [41] .

فأجاب: (يؤخذ من المدّعي عليه ألف درهم مرة وهي التي لا شبهة فيها، ويرد اليمين في الألف الباقي علي المدعي فإن نکل فلا حق له).

وسأل عن طين القبر [42] : يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلک أم لا؟

فأجاب: (يوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء الله).

وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام): أنّه کتب علي إزار ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، فهل يجوز أن نکتب مثل ذلک بطين القبر أم غيره؟

فأجاب: (يجوز ذلک).

وسأل: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟

فأجاب: (يجوز ذلک وفيه فضل) [43] .

وسأل: عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)، هل يجوز أن يسجد علي القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلي عند بعض قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟

فأجاب: (أمّا السّجود علي القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة [44] والذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن علي القبر. وأمّا الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام (عليه السلام) لا يُتقدّم ولا يُساوي) [45] .

وسأل: يجوز للرجل إذا صلّي الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟

فأجاب: (يجوز ذلک إذ خاف السهو والغلط).

وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبّح، أو لا يجوز؟

فأجاب: (يجوز ذلک والحمد لله رب العالمين).

وسأل: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا کان الوقف علي قوم بأعيانهم وأعقابهم، فاجتمع أهل الوقف علي بيعه وکان ذلک أصلح لهم أن يبيعوه، فله يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا کلهم علي ذلک أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا کلّهم علي ذلک؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب: (إذا کان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن کان علي قوم من المسلمين فليبع کل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله) [46] .

وسأل: هل يجوز للمحرم أن يصير علي إبطه المرتک والتوتياء لريح العرق أم لا يجوز [47]

فأجاب: (يجوز ذلک وبالله التوفيق).

وسأل: عن الضرير إذا شهد في حال صحته علي شهادة، ثم کفّ بصره ولا يري خطّه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم لا؟ وإن ذکر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد علي شهادته أم لا يجوز؟

فأجاب: (إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته) [48] .

وسأل: عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد علي نفسه باسم بعض وکلاء الوقف، ثم يموت هذا الوکيل أو يتغيّر أمره ويتولي غيره، هل يجوز أن يشهد الشّاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا کان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلک [49]

فأجاب: (لا يجوز ذلک، لأن الشهادة لم تقم للوکيل وإنما قامت للمالک، وقد قال الله: (وأقيموا الشهادة لله).

وسأل: عن الرکعتين الأخراوين وقد کثرت فيهما الروايات فبعض يروي: أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟

فأجاب: (قد نسخت قراءة أم الکتاب في هاتين الرکعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام): کل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج [50] إلا للعليل، أو يکثر عليه السّهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه) [51] .

وسأل: يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقّاً ناعماً ويعصر ماؤه ويصفّي ويطبخ علي النصف ويترک يوماً وليلة ثم ينصب علي النار، ويلقي علي کل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلي وينزع رغوته، ويسحق من النوشادر والشب اليماني في کل واحد نصف مثقال ويراق بذلک الماء، ويلقي فيه درهم زعفران المسحوق، ويغلي ويؤخذ رغوته ويطبخ حتي يصير مثل العسل ثخيناً، ثم ينزل ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟

فأجاب: (إذا کثيرة يسکر أو يغير [52] فقليله وکثيره حرام، وإن کان لا يسکر فهو حلال).

وسأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا، فيأخذ خاتمين فيکتب في أحدهما (نعم افعل) وفي الآخر (لا تفعل) فيستخير بالله مراراً، ثم يري فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلک أم لا؟ والعامل به والتارک له أهو مثل الاستخارة أم سوي ذلک؟

فأجاب: (الذي سنّه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة (عليه السلام) [53] .

وسأل: عن صلاة جعفر بن أبي طالب (رحمه الله): في أي أوقاتها أفضل أن تصلي فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن کان ففي أي رکعة منها؟

فأجاب: (أفضل أوقاتها صدر النهار في يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائر، والقنوت فيها مرتان، في الثانية قبل الرکوع وفي الرابعة بعد الرکوع [54] .

وسأل: عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلي رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلک عمن [فيمن] نواه له أو إلي قرابته؟

فأجاب: (يصرفه إلي أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلي قول العالم (عليه السلام): (لا يقبل الله الصدقة وذو الرحم محتاج) فليقسم بين القرابة وبين الذي نوي حتي يکون قد أخذ بالفضل کلّه).

وسأل: قد اختلفت أصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها، وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فکيف ذلک؟ وما الذي يجب فيه؟

فأجاب: (إن کان عليه بالمهر کتاب فيه [ذکرٍ] دين فهو لازم في الدنيا والآخرة، وإن کان عليه کتاب فيه ذکر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يکن عليه کتاب، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق) [55] .

وسأل: روي لنا عن صاحب العسکر (عليه السلام) [56] أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقّع: يجوز، وروي عنه أيضاً، أنه لا يجوز. فأي الخبرين يعمل به.

فأجاب: (إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، وأما الأوبار وحدها فحلال) [57] .

وسأل: نجد في أصفهان ثياب عتابة [عتابية] علي عمل الوشا في قرّ أو إبريسيم هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟

فأجاب: (لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه ولحمته قطن أو کتان).

وسأل: عن المسح علي الرجلين وبأيهما يبدأ باليمني أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟

فأجاب (عليه السلام): (يمسح عليهما معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الأخري فلا يبتدئ إلا باليمني).

وسألک عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أم لا؟

فأجاب: (يجوز ذلک).

وسأل: عن تسبيح فاطمة (عليها السلام): من سها وجاز التکبير أکثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلي أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبع وستين هل يرجع إلي ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلک؟

فأجاب: (إذا سها من التکبير حتي يجوز أربعة وثلاثين عاد إلي ثلاثة وثلاثين وبني عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة عاد إلي ستة وستين وبني عليها [58] فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه).


پاورقي

[1] أي جعل موتي قبل موتک. وهذا دعاء له بطول العمر.

[2] لم نعثر علي ترجمته.

[3] الخَتَن - بفتحتين - قريب الزوجة من أب وأخ.

[4] الشيعة کانوا يرمزون بـ(العالم) عن الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام).

[5] أي مات في أثناء الصلاة.

[6] أي إن لم يقم المأموم الذي تولي تنحية إمام الجماعة عن المحراب بحرکات ماحية لصورة الصلاة، يتابع مع الجماعة، فيقوم بدور الإمام.

[7] فأصل الخروج من البيت لحاجة - لا يوجد من ينظر فيها - يجوز، إنما المهم أن لا تبيت خارج بيتها.

[8] سورة التکوير، آيات 19- 21.

[9] يبدو أن الإمام المهدي (عليه السلام) کان يتبع الأسلوب النبوي في عدم الإجابة علي الأسئلة التي لا ضرورة منها للسائلين أو هي فوق مستوياتهم.

[10] الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص303: کتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري أيضاً إليه عليه الصلاة والسلام في مثل ذلک.

[11] هذه الرسالة - کالرسالة التي تليها - حذفت منها المقدمة استغناءً عنها بالمسائل وأجوبتها.

[12] کلمة معربة تطلق علي نوع من الحديد. وفي بعض النسخ (الجوهر) وإذا صح فالمراد غير الجواهر التي يستحب الصلاة فيها.

[13] من عادة الأئمة (عليهم السلام) أنهم کانوا يعملون علي تربية المواهب لدي أصحابهم، ولعل التفصيل في الجوابين السابقين لتربية ملکة الاجتهاد لدي الحميري.

[14] حصيرة صغيرة کانت تضع ليسجد عليها - کالسجدة المعمولة من التراب - سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض.

[15] العمارية رقعة مزينة تخاط في المظلة، وتطلق علي قماش المظلة، والکنيسية: نوع من المحمل تشبه هندسته الکنيسة. وفي مجمع البحرين: الکنيسة شيء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقي عليه ثوب يستظل به الراکب ويستتر به.

[16] أي عليه أن يکفر بذبح شاة والتصدق بها.

[17] الظاهر أن هذين جوابان عن سؤالين دمجا معاً (ويذکره) أي: المنوب عنه في عقد الإحرام.

والهدي من الأنعام: ما يسوقه الحاج المقرن معه، فالقارن يسوق الهدي عند إحرامه، ويتخيّر بين التلبية والإشعار أو التقليد، ويختص البقر والغنم بتقليدها بنعل قد صلي فيه. وأما إن ساق الإبل فيتخير بين تقليدها، وبين إشعارها بأن يشق الجانب الأيمن من سنامها ويلطخ صفحتها بدمها.

وإذا ساق الهدي قرن بين عمرته وحجه بإحرام واحد، وإذا لم يسق تمتع بالعمرة إلي الحج وضحي يوم العيد بما يشتريه من مني.

[18] البطيط: نوع من الأحذية مفلطح مفتوق عند قبة القدم.

[19] وادي العقيق، ثاني المواقيت التي يحرم منها الحجاج، ويبعد عن مکة المکرمة مائة کيلومتراً تقريباً، وهو ميقات أهل العراق وأهل نجد، وکل من يمر به في طريقه إلي مکة. وأول هذا الميقات - من جهة العراق - موضع يقال له: (المسلخ) ووسطه (غمرة) وآخره (ذات عرق).

والشيعة يحرمون من (المسلخ) والسنة يحرمون من (ذات عرق).

فإذا اقتضت التقية تأخير الإحرام إلي (ذات عرق) وجب علي الحاج أن يلبس ثوبي الإحرام ويلبي سراً من (المسلخ) ثم يلبس المخيط تقية وإن لم يمکنه ذلک أحرم بثيابه ولبي فإذا بلغ (ذات عرق) ينزع المخيط ويفدي للبسه في حالة الإحرام. والحاصل: إن الواجب هو الإحرام من المسلخ.

[20] أي يخاف التشهير به.

[21] عطن الجلد: وضع في الدباغ وترک فأنتن، فهو عطين ومعطون، والدباغ ملح يجعل فيه الجلد إلي أن يتفسخ صوفه.

[22] وجاء في (غيبة الطوسي) بعد تمام الکتاب ما يلي - مخاطباً الحسين بن روح رضوان الله عليه -: (فإن رأيت - أدام الله عزک - أن تسأل لي عن ذلک وتشرحه لي وتجيب في کل مسألة بما العمل به وتقلدني المنة في ذلک - جعلک الله السبب في کل خير وأجراه علي يدک - فعلت مثاباً إن شاء الله تعالي. أطال الله بقاءک وأدام عزک وتأييدک وسعادتک وسلامتک وکرامتک وأتم نعمته عليک وزاد في إحسانه إليک وجعلني من السوء فداک وقدمني عنک وقبلک والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد النبي وآله وسلم کثيراً.

[23] الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص306 - 309.

وفي کتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلي صاحب الزمان (عليه السلام)، من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة.

[24] يمکن أن يکون المراد من (الفقيه) هو الإمام الصادق، باعتبار الرواية عنه في السؤال ويمکن أن يکون المراد من (الفقيه) الإمام الکاظم لأن الشيعة کانوا يعبرون عنه بـ(الفقيه) أو بـ(فقيه أهل البيت). ويمکن أن المراد غيرهما من الأئمة، لأن هذا اللقب کان يطلق علي کل منهم في زمانه.

[25] لابد من التوقف علي هذه الکلمات بالعودة إلي أصول هذه الکلمات.

فالملة من الإملال، والإملال والإملاء بمعني واحد. والملة في الأصل ما شرع الله لعباده علي ألسنة الأنبياء وقولهم: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) سورة صآية 7. أي في ديانة عيسي. لأن الدين يکون إملاءً من الله وحياً أو من وراء حجاب أو بواسطة الملائکة.

والإسلام ملة إبراهيم (... وما جعل عليکم في الدين من حرج ملة أبيکم إبراهيم) سورة الحج آية 78. لأن أصول الإسلام نزلت علي إبراهيم وحفظت عنه لتتابع الرسل والأنبياء، بعده..

والدين: ما يدان، فيحاسب ويجازي، ويطلق الدين علي مجمل الشرائع التي يأتي بها رسول من قبل الله، فيجازي ويحاسب الذين يعاصرونه بمقتضاه في الآخرة. ودين الإسلام لمحمد بن عبد الله (صلّي الله عليه وآله) لأنهه هو الرسول الذي أتي به.

والهداية: الدلالة: وهي - في کل دين - لأوصياء رسوله. وفي الإسلام للأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

س: إبراهيم الخليل ومحمد بن عبد الله وأوصيائه کلهم کانوا يهدون إلي الله وإلي صراط مستقيم، فکيف صارت الهداية للأئمة فقط؟

ج: إن الله يهدي (... ووهبنا له إسحاق ويعقوب کلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل) سورة الأنعام، آية 84.

(إنک لا تهدي من أحببت ولکن الله يهدي من يشاء) سورة القصص، آية 56.

وجميع أولياء الله يهدون (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) سورة السجدة، آية 24.

(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات) سورة الأنبياء، آية 73.

(ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 159.

(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 181.

... ولکن الاختصاصات تختلف، فاختصاص الرسل تلقي رسالات السماء وتفريغها علي القاعدة البشرية العريضة. فدورهم يشبه دور المؤسسين الکبار أو رؤساء البلاد. واختصاص الأنبياء تنبؤاتهم التي تدخل الحياة الخاصة لکل فرد حتي يبقي في ظل شخصية تؤکد له تداخل العالمين المادي والمعنوي، وسيادة عالم الروح علي عالم المادة. فدورهم يشبه دور الحزب الحاکم الذي يملأ دائماً الفجوة التي تحدث - عادة - بين الشعب والدولة. واختصاص الأوصياء تفصيل المجمل، وإيضاح الغامض، وبلورة الأفکار، وشرح المواقف، فدورهم يشبه دور المسؤولين عن التوجيه المعنوي.

وهکذا يمکن أن نقول: أن دور إبراهيم کان دور التأسيس بعد انقراض شريعة، نوح، ودور الرسول الأکرم (صلّي الله عليه وآله) دور التکميل، ودور الأئمة دور الهداية.

[26] يقصد من أصحابنا: علماء الشيعة.

[27] عمل في الصلاة، أي عمل خارج عن الصلاة، والعمل الخارج عنها - إذا دخل فيها - يفسدها.

[28] أي العمل بالخبر المذکور أعلاه في النوافل أفضل فيرد يديه من القنوت علي وجهه وصدره، ولا يفعل ذلک في الفرائض وإنما يرد راحتي يديه مع صدره سوية مقابل رکبتيه للرکوع.

[29] لأنها مستحبة، فتقديمها علي النافلة أفضل، وتأخيرها لا يضر کما أن ترکها ليس حراماً.

[30] لأن ما يغتصبه السلطان يبقي ملکاً لمالکه الشرعي، فشراؤه من السلطان ليس أکثر من عملية صورية لرفع سلطته، وأما شراؤه الحقيقي فلا يتم إلا من مالکه.

[31] الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص309 - 315. وکتب (الحميري) إليه صلوات الله عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمائة کتاباً سأله فيه عن مسائل أخر. کتب.

[32] أي جعل وفاتي قبل وفاتک.

[33] قبلنا: عندنا.

[34] الفقيه في مصطلح الحديث - هو الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) ففي عهد الإمام الکاظم کان الإرهاب الرشيدي يلاحق الشيعة، ويکفي دليلاً علي مدي إرهاب هارون الرشيد، أن ذرية النبي تنکروا وهربوا إلي أفريقيا وإن الإمام الکاظم بقي سبع سنوات - علي المشهور - مسجوناً في الزنزانات الانفرادية تحت الأرض، ثم توفي مسموماً وحمل جثمانه أربعة من الحمالين.

فکان الشيعة يرمزون عن الإمام الکاظم (عليه السلام) بـ(الفقيه) وبـ(العالم) وربما بـ(الرجل). وفي مجمع البحرين: (قد يطلق العالم ويراد به أحد الأئمة من غير تعيين) ولعل أحدهم من غير تعيين هو المعني بـ(العالم) في بعض الأحاديث التالية، لأنها تشير إلي روايات مأثورة عن غير الإمام الکاظم (عليه السلام).

ويلاحظ أن الإمام المهدي (عليه السلام) يستشهد بعض الروايات أو بعض الأئمة - کما نجد في هذا الحديث وأحاديث أخري - رغم أن قوله حجة کأقوالهم. ولعل سبب ذلک:

1: توجيه العلماء إلي الاعتماد علي الروايات المأثورة عن أهل البيت جميعاً وعدم محاولة استقصاء المعارف الإسلامية عن طريق مراسلته فقط، وکأنه يريد إشعارهم بأن أهل البيت جميعاً خطوط متوازية إلي الإسلام وهو واحد نزل من عند الأحد.

2: تکريم آبائهم (عليهم السلام)، شأن کل الأئمة والأنبياء الذين کانوا يروون عن أسلافهم: لا لقصور فيهم وإنما تخليداً لأولئک الأسلاف في سلسلة الأقداس. کما نجد القرآن الکريم وسائر کتب السماء تروي عن الأنبياء السابقين وربما عن غيرهم کلقمان رغم أنها هبطت من عند الله الذي هو مرسل الرسل ومصدر الرسالات، ولکنه أراد أن يلم البشر بالترابط الوثيق بين شجرة النبوة وجذورها الممتدة حتي المظهر الأولي للإنسان، وأن يتواکب مع توجهات السماء إلي الأرض وتجاوب الرسالات مع تطور الإنسان، حتي لا يحسبها أطروحة مرتجلة أو تجربة مجهولة النتائج والأبعاد.

3: إن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث لم يکن حاضراً يحاور أنصاره وأعدائه حتي الإقناع والإفحام اختار الاستناد إلي المسلمات العقلية أو الإسلامية أحياناً، وأحياناً الاعتماد علي الروايات المأثورة عن آبائه ليکون أبعد عن التفنيد والتشکيک.

[35] لعل المعني: يصوم عن الأشهر الثلاثة الأيام الفائتة بأن يصومها قضاءً إذا کانت عليه، لأن صوم القضاء مقدم علي صوم الندب. وإلا فإن عدداً من الأحاديث تؤکد استحباب صيام الأشهر الثلاثة.

ولعل هذا النهي عن سيدنا ومولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) إنما هو لأجل أن أبا الخطاب کان قد روي وجوب صوم رجب وشعبان، فنهي الأئمة (عليهم السلام) نهي وجوب، أو نهي انتشار عمل لکي يعرف الاستحباب، قال شيخنا الحر العاملي - قدس الله نفسه الزکية - في الوسائل: (قال الکليني: وجاء في صوم شعبان أن (عليه السلام) سئل عنه فقال: ما صامه رسول الله (صلّي الله عليه وآله) ولا أحد من آبائي - أقول - حمله الکليني علي إرادة نفي الفرض والوجوب وأنهم ما صاموه علي ذلک الوجه بل علي الاستحباب (قال) وذلک أن قوماً قالوا: أن صومه فرض مثل صوم شهر رمضان وأن من أفطر يوماً من شعبان وجبت عليه الکفارة) وسائل الشيعة: ج7 ص361 - 362.

وقال في الجواهر: (الثالث عشر والرابع عشر صوم رجب کله أو بعضه ولو يوماً منه أولاً أو آخراً أو وسطاً وکذا شعبان بالضرورة من المذهب أو الدين بل لا يمکن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سُنّة سيد المرسلين وعترته الهادين کما لا يمکن إحصاء ما أعد الله علي ذلک علي صومهما إلا لرب العالمين بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه وجعلوا علي إفطاره کفارة ولعله لذا ترک کثير من الأئمة صيامه مظهرين للناس بذلک عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب جواهر الکلام: ج17 ص108.

وأبو الخطاب هذا کان واحداً من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) واسمه (محمد ابن مقلاص الأسدي) فابتدع في الأحکام وأصبح ملعوناً، ومما کان قد ابتدعه القول بوجوب صوم شهر شعبان. قال في جامع الرواة: (محمد بن مقلاص الأسدي الکوفي أبو الخطاب غال ملعون... قال أبو جعفر بن بابويه [يعني: الشيخ الصدوق قدس سره]: اسم أبي الخطاب زيد، قال ابن الغضايري: إنه مولي بني أسد لعنه الله، وأمره شهير وأري ترک ما يقول أصحابنا حدثنا أبو الخطاب في أيام استقامته جامع الرواة: ج2 ص203.

قال المحدث القمي (قدس سره) في سفينة البحار: (کان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد (عليهما السلام) فکفر وادعي أيضاً النبوة وزعم أن جعفرَ (عليه السلام) إله (تعالي الله عز وجل عن قوله) واستحل المحارم کلها ورخص لأصحابه فيها، وکانوا کلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا: يا أبا الخطاب خفف عنا فيأمرهم بترکه حتي ترکوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور قال: من عرف الإمام حل له کل شيء کان حرم عليه فبلغ أمره جعفر بن محمد (عليه السلام) فلم يقدر عليه بأکثر من أن لعنه وتبرأ منه وجمع أصحابه فعرفهم ذلک وکتب إلي البلدان بالبراءة منه واللعنة عليه وعظم أمره علي أبي عبد الله (عليه السلام) واستفظعه واستهاله انتهي. سفينة البحار: ج1 ص401.

[36] الفتوي علي أن من أدرک الإمام في حالة الرکوع اعتد بتلک الرکعة وإن لم يدرک تسبيحه ولا تکبير الرکوع، استناداً إلي أحاديث صحيحة معمول بها فيحمل مثل هذا التوقيع علي ضروب من الفضيلة أو غيرها إذ لم ينقل القول به عن أحد من الفقهاء قديماً وحديثاً سوي الشيخ في نهاية الأحکام والعلامة في التذکرة مع موافقتهما للمشهور في سائر کتبهما، بل عبارة التذکرة غير ظاهرة في مخالفة المشهور، فلا يبعد تحقق الإجماع عليه، قال في الجواهر: (الأشهر، بل لا أجد فيه خلافاً بين المتأخرين کما اعترف به في الذکري والرياض فنسباه فيهما إليهم، بل نسبه في السرائر إلي المرتضي ومن عدا الشيخ من الأصحاب، بل في الغنية نفي الخلاف عنه مطلقاً بل الشيخ نفسه حکي عليه الإجماع في الخلاف مکرراً) الخ جواهر الکلام: ج13 ص14.

وقال الأخ الأکبر في (الفقه) - بعد کلام طويل (خلافاً للمحکي عن التذکرة ونهاية الأحکام فاشترطا إدراک المأموم ذکراً قبل رفع الإمام رأسه وکأن مستندهما خبر الحميري المروي في الاحتجاج عن صاحب الزمان (عليه السلام) ثم ذکر الخبر إلي أن قال: وفيه مضافاً إلي ضعف هذا الخبر مسنداً وإعراض المشهور منه) الخ. الفقه: ج15 ص337.

وقال في المستمسک: (لکنه - أي: خبر الحميري - ضعيف لا يصلح لتقييد غيره، مع وهنه بإعراض الأصحاب ولاسيما مع آباء بعض ما سبق عن التقييد) الخ المستمسک: ج7 ص201.

وقال الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه - بعد أن ذکر خبر الحميري -: (وفيه بعد تسليم السندان ظهور صحيحتي الحلبي وسليمان بن خالد في الإطلاق وکون الرفع سبباً للفوات وحداً للإدراک أي إناطة الحکم وجوداً وعدماً بإدراکه راکعاً وعدمه أقوي من ظهور هذه الشرطية المسوقة لنفي اعتبار سماع التکبير في المفهوم فيحتمل أن تکون الشرطية جارية مجري العادة من عدم حصول الجزم بإدراکه راکعاً في الغالب إلا في مثل الفرض، أو أريد به التمثيل بالفرد الواضح الذي لا يتطرق إليه شبهة عدم اللحوق المانعة عن الاعتداد به - کما ستعرف - الخ. مصباح الفقيه، کتاب الصلاة ص627.

ولعل أفضل الاحتمالات الحمل علي الفضيلة الذي ليس نادراً - بل هو کثير غايتها - في أخبار الأوامر والنواهي التکليفية والوضعية، الشرطية وغيرها، وقد احتمله أخيراً الفقيه الهمداني (قدس سره) أيضاً فراجع.

وقال المحقق النراقي (قدس سره) في صلاة الجمعة من المستند: (إن خبر الاحتجاج يفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرک تسبيحة واحدة ولکن في إفادتها الوجوب نظر فيمکن أن يراد المرجوحية وقلة الکمال) وقد ختم النراقي کلامه بقوله: (ومراعاة مدلوله أحوط). مستند الشيعة ج1 ص413.

[37] بعض الفتاوي لا يعتمد هذا النص بوجود نصوص معارضة. وعلي العموم هذا الحديث معرض للاجتهاد کبقية الأحاديث. وعملية الاستنباط تتوقف علي جميع النصوص الواردة في القضية المطروحة للاجتهاد، والنظر فيها وفق المقاييس المأثورة التي نقحت في علم (أصول الفقه).

ولکي يجلو الأمر لا بأس بتوسع في المسألة. قال الحجة اليزدي في (العورة الوثقي): (إذا تذکر في أثناء العصر أنه ترک من الظهر رکعة قطعها وأتم الظهر، ثم أعاد الصلاتين، ويحتمل العدول إلي الظهر بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في الرکوع الثانية ثم إعادة الصلاتين) العروة الوثقي، کتاب الصلاة - ختام فيه مسائل متفرقة - المسألة السابعة. وطرح بعض الفقهاء المعاصرين احتمالاً آخر هو إلغاء ما صلاها بنية الظهر من أجل إبطال التکبير له، وإتمام ما صلاها عصراً بنية الظهر، ثم قال: وهذا الاحتمال أقرب الوجوه..

وما اعتمده هذا التوقيع الرفيع لصاحب الزمان (عليه السلام) لعله هو الأوفق بالقواعد الشرعية، إذ ليس من المؤکد أن مثل هذا التکبير بنية صلاة أخري يکون مبطلاً لصلاة الظهر، لانصراف إبطال الرکن بزيادته - علي فرض تسليم أصله - عن مثل المقام الذي هو بنية صلاة أخري، هذا إذا قلنا بوجود إطلاق في المسألة، وإلا فالإجمال أو الإهمال لا تکون نتيجته أکثر من الجزئية، دون الکلية.

إذن في مسألة التوقيع الشريف فمقتضي القاعدة: أنه إذا لم يأت بالمنافي يجعل الرکعتين اللتين صلاهما بنية العصر يجعلهما أخرتي الظهر، ويکمل الصلاة بنية الظهر، ويسجد سجدتي السهو للسلام الزائد، ولذا أفتي بذلک جمع من فقهاء العصر من أمثال أستاذنا الميلاني والحجة الکوهکمره أي (قدس سرهما) وأخي الأکبر وآخرون غيرهم أيضاً.

ومن الغريب رد جمع له من أمثال البروجردي، والحکيم - طاب ثراهما - فقد علق الأول علي المتن بقوله: (هذا - أي احتمال المصنف - ضعيف وإن وردت به رواية شاذة) ويقصد بها هذا التوقيع لعدم ثبوت شق صحيح له يعتمد عليه في الحکم الشرعي. وقال الثاني: في المستمسک: (وهذا الاحتمال لا وجه له ظاهراً... نعم قد يشهد له التوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام)... إلي أن قال مع ظهور هجره عند الأصحاب وکونه مرسلا فتأمل) المستمسک: ج7 ص604.

(وأما لو کان) قد أتي بالمنافي فمقتضي القواعد الشرعية بطلان الرکعتين اللتين صلاهما بنية الظهر لعدم قابلية الاتصال بينها وبين ما صلاها بنية العصر، يبقي افتتاح الصلاة بنية العصر لمن عليه الظهر، فيعول بالنية، ويکملها ظهراً، فالتوقيع نصفه معمول به عندنا لموافقته للقواعد الشرعية، ونصفه غير معمول به عندنا لعدم تطابقه للقواعد الشرعية، مع کونه غير حجة سنداً لبناء الأحکام الشرعية، ولم يعمل الفقهاء حتي يجبره عملهم وتفصيل المسألة محله الکتب المفصلة في الفقه.

[38] سورة الزخرف: آية 71.

[39] هذه الرواية فقهياً غير معمول بها، لمعارضتها للعمومات الدالة علي قبول شهادة غير الفاسق مطلقاً، المعمول بها قديماً وحديثاً، وعدم اعتبار سند هذه الرواية لإثبات الحکم الشرعي، وعدم عمل الفقهاء، بها حتي يجبر السند بالعمل، وعدم شاهد آخر له سوي مرسل الدعائم عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي رواه من مستدرک الوسائل بالنسبة للأبرص فقط من هذه الثلاثة، ومطلقاً لا مقيداً بالولادة (إذن) فيجب رد علم هذه الرواية إلي أهلها - صلوات الله عليهم أجمعين - والله أعلم.

[40] أي عقد عليها ولم يدخل بها، فما لم يدخل بها لا تجب عليه نفقتها ولا تکون من عياله مع امتناعها عن الدخول بها لأنها حينئذ لا تکون ابنتها ربيبته، لقوله تعالي: (وربائبکم اللاتي في حجورکم من نسائکم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تکونوا دخلتم بهن فلا جناح عليکم...) سورة النساء آية 23.

[41] هذا إذا کانت الشهادات والصکوک بحيث يحتمل أن يکون الألف مجموع الديون أما إذا کانت الشهادات والصکوک بحيث تدل علي أن الفريق الأول دفع إلي الفريق الثاني مرة ألف ومرة خمسمائة وثالثة ثلاثمائة ورابعة مائتين فعلي الفريق الثاني ألفان ولا ترد اليمين علي الفريق الأول.

[42] المراد من طين القبر کلما ورد مطلقاً في الأحاديث هو طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام).

[43] وقد ورد في عديد الأحاديث ذلک (منها) ما ورد في کتاب آخر للحميري (رحمه الله) إلي صاحب الأمر (عليه السلام) (وسئل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟

فأجاب (عليه السلام): يسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسي التسبيح ويريد السبحة فيکتب له التسبيح.

وعن الصادق (عليه السلام) قال: من سبح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة کتب الله له أربعمائة حسنة ومحا عنه أربعمائة سيئة وقضيت له أربعمائة حاجة ورفع له أربعمائة درجة (الحديثان من کتاب: جامع أحاديث الشيعة: ج2 ص332).

[44] أي ولا صلاة زيارة، وهذه الصلاة من النوافل الخاصة التي تستحب بعد زيارات المعصومين - حسب الترتيب المأثور - وليست من النوافل العامة.

[45] ثبت في السنة: أن الإمام لا يتقدم ولا يساوي. وهذا الحکم عام يشمل إمام الجماعة مطلقاً سواء أکان معصوماً أو غير معصوم، فلا تجوز الصلاة معه في الخطوط التي بينه وبين الکعبة أو في الخط المساوي له، وإنما في الخطوط التي خلفه فقط.

وثبت - أيضاً - عندنا حسب الاستدلال الفقهي عدم جواز الصلاة في حضرة المعصوم مساوياً له أو مقدماً عليه، سواء کان حياً أو ميتاً، لأن المعصومين جميعاً أحياء عند ربهم.

وقد حاول بعض المغرضين التشويش علي هذا الحکم بأنه من عبادة القبور ولم ينتهوا إلي أن عدم التقدم علي شخص في الصلاة لو کان لا يعني عبادته فکل مأموم يعبد إمام جماعته. مضافاً إلي أن العبادة التي تعبر عن معني التربيب لا علاقة لها بالآداب وقد يقال أن عدم الجواز هنا محمول علي الکراهة، لمعارضة ظاهرة بما ثبت من جواز الصلاة بل استحبابها المؤکد في مسجد رسول الله، مع أن القسم الجنوبي منه مقدم علي الإمام، وهو الرسول الأکرم (صلّي الله عليه وآله).

[46] هذا إذا کان الوقف نوعاً من الهبة، بحيث لا يکون حبس العين الموقوفة مأخوذاً في مضمونه، وإلا فلا يجوز إلا في صور خاصة مستثناة في الفقه الإسلامي، وذلک من أجل أدلة مؤکدة عليه....

[47] المرتک، نوع من الحشيش خفيف الرائحة، والتوتيا حجر يکتحل به، ولا يعتبر من الطيوب فلا يستعمل في الاکتحال حالة الإحرام لحرمته مهما کانت المادة التي تستعمل فيه، ولا مانع من طلي الإبط به لقطع رائحة العرق.

[48] للسؤال جزءان:

الأول: إذا وقع عقد بيع أو وقف أو غيرهما، وکتبت به وثيقة وحضر شاهدان وشحا وثيقة العقد بشهادتهما ثم کف بصر أحدهما، فهل تمضي شهادته الکتبية قائمة إلا ما دام صاحبها قادراً علي قراءة خطه لتقريره أو إنکاره، والحاصل هل الخط حجة إذا انفصل عن کاتبه أم لا؟

الثاني: إذا شهد إنسان حادثاً أو عقداً، ثم کف بصره فهل يبقي حاملاً للشهادة أو تعطل قابليته لحمل الشهادة؟

والجواب ناظر إلي الجزء الثاني من السؤال، حيث يرکز فقط علي قابلية الضرير للشهادة مادامت تتوفر فيه شرائطها من حفظ الشهادة وحفظ الوقت، والعدالة والإيمان وما إلي ذلک. وقد خص الشرطين الأولين بالذکر لأن الإصابة بالعمي لا تفقد المرء إيمانه وعدالته - غالباً- ولکن قد تسلب منه بعض محفوظاته.

[49] بأن کان الوقف علي شخص الوکيل الأول، لا علي أمر عام يمثله الوکيل الأول حتي إذا أصيب تولاه من يخلفه لبقاء ذلک الأمر العام ممثلاً في خليفته.

[50] الخداج: النقصان، يقال: خدجت الناقة، فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام وإن کان تام الخلق. ووصفت الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الکتاب بالمصدر للمبالغة.

وهذا الحديث يدل علي نقصان الصلاة بدون فاتحة الکتاب مع أنها تقرأ في الأولين فلا يبقي نقص وإن لم يقرأها في الآخرين، ولعل الاستشهاد به للقراءة في الأخيرتين دون التسبيح لما يشعر به من أهمية أم الکتاب في الصلاة ومع هذا فالمشهور بين الفقهاء أفضلية التسبيح فيهما لأدلة أخري معارضة لهذا الخبر وأقوائية تلک من وجوه عديدة.

[51] استحباب التسبيح في مادتين:

الأولي: العليل، الذي يشق عليه الوقوف طويلاً لقراءة الفاتحة فيکتفي بالتسبيح.

الثانية: کثير السهو الذي إن قرأ الفاتحة في الأخريين استشبههما بالأوليين. فيسبح التسبيحات الأربعة حتي يتذکر أنه في الأخريين.

[52] أي يسکر سکراً خفيفاً، ويدل علي أن المقصود من (يغير) السکر الخفيف قوله: (وإن کان لا يسکر).

[53] والحاصل أنه ليس حراماً إن لم يکن بنية التشريع، ولکنه ليس من الاستخارة، وأما الاستخارة فهي (ذات الرقاع) وإنما يدل علي أنها الاستخارة التي بينها (العالم) وهو الإمام موسي بن جعفر.

[54] مسألة کون القنوت الثاني بعد رکوع الرابعة لم يرد في غير هذا الخبر، وهو مناف للعمومات الدالة علي أن القنوت قبل الرکوع إلا في صلاة الجمعة، ولذا لم يتعرض لذکره کثير من الفقهاء حتي أن صاحب العروة والوثقي علي دقته في استيعاب الفروع لم يتعرض له، ولا تعرض له المعلقون - فيما أعلم - غير أستاذنا الميلاني والحجة الکوهکمره أي من دون تأييد أو ميل.

(لکن) قد يقال بجواز العمل علي هذه الرواية، إذ لم يتحقق إجماع أو شهرة علي خلافها، وقاعدة التسامح في أدلة السنن تشملها لولا أن المحقق النراقي (قدس سره) ادعي الإجماع علي خلافها قال في المستند: (يستحب القنوت فيها في الرکعتين الثانية والرابعة قبل الرکوع بعد القراءة والتسبيح إجماعاً للعمومات وخصوص روايتي العيون والاحتجاج إلا أن في الأخيرة (والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الرکوع وفي الرابعة بعده) ولم أر قائلاً به والعمل علي الأول) مستند الشيعة: ج1 ص525). لکنه إجماع منقول، مضافاً إلي عدم ظهوره في عقد السلب، مع علمنا خارجاً بعدم تعرض کثير من الفقهاء له فالعمل علي هذه الرواية لا بأس به والله العالم.

[55] لعل المصطلح حين صدور هذا التوقيع يختلف عن المصطلح اليوم. فالقرآن لم يصطلح علي کلمة (المهر) وإنما ذکر (الصداق) بصيغة الجمع مرة واحدة فقط (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) سورة النساء: الآية 4.

ولعل المقصود أن ما تبني عليه عقدة النکاح - من أموال نقدية أو عينية، التي تدرج عادة في وثيقة الزواج - فهو دين لازم في الدنيا والآخرة وأما الهدايا والنقود التي تقدم إلي الخطيبة في فترة الخطوبة أو تعارف الأزواج علي القيام بها من ولائم وعزائم وما إليها، سواء کتب فيها کتاب أو لم يکتب بها کتاب، فهي تختص بفترة الخطوبة، وينتهي دورها بالدخول.

ولعل اشتقاق الکلمتين - اللتين استخدمهما الإمام في التوقيع - يساعد علي فهم الحکم، و(المهر) ما يمهر عليه أي يختم عليه في وثيقة، فيکون ديناً لازماً. و(الصداق) ما يعبر عن صدق الرجل في محبة خطيبته، فيکون نافلة لها دورها المؤقت إذا لم يشترط وکان تبرعاً.

[56] المتوکل العباسي من الخلفاء العباسيين، عاصر الإمام علي الهادي، فاستدعاه ونجله الإمام الحسن العسکري (عليهما السلام) من مدينة جدهما الرسول إلي مدينة سامراء وفرض عليهم الاقامة الجبرية في المنطقة العسکرية حتي تنقطع عنهما الشيعة، فلقبا بـ(العسکريين) وقد اشتهر الإمام علي بن محمد بالهادي واشتهر نجله الحسن بالعسکري و(صاحب العسکر) يرمز إلي کل منهما دون تعيين.

[57] مسألة لحم الأرنب من المسائل الخلافية فالسنة علي أن لحمه حلال والشيعة علي أنه من المسوخ ومن ذوات المخلب وتحيض أنثاه وفيه أدله خاصة ونصوص متعددة بالتحريم أيضاً، فلحمه حرام، وتلحقه أحکام الحيوانات المحرمة.

ولعل تفصيل الإمام في الجواب لعدم اتخاذ موقف جدي مع إعطاء الإشارة للفقهاء إلي أنه من محرمات اللحوم وتبني عليه أحکامها. علماً بأن المستحصل من مجموع روايات هذا الباب عدم التفريق بين الجلد والوبر، فما حل لحمه تجوز الصلاة فيهما وما لا يحل لحمه لا تجوز الصلاة في شيء منهما.

(ولا يخفي) الحيوان - سواء أکان حلال اللحم أو حرامه - إذا ذبح بالطريقة الشرعية طهر جلده وإلا کان من الميتة، وبما أن الناس لا يعنون بذبح الحيوانات المحرمة اللحوم - غالباً - يکون جلدها نجساً فإذا اتخذ منه کساءً نجس الثوب الذي يليه إذ لا تخلو ملابس الإنسان من رطوبة مسرية من عرقه أو من المياه التي يستعملها.

[58] تسبيحة الزهراء: أربعة وثلاثون تکبيرة، وثلاثة وثلاثون تحميدة، وثلاثة وثلاثون تهليلة. فإذا تجاوز الأربعة والثلاثين تکبيرة - سهواً - اعتبرها ثلاثة وثلاثين (وبني عليها) فکسر الرابعة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. وإذا حمد أکثر من ثلاثة وثلاثين فکان مجموع التکبيرات والتحميدات أکثر من سبعة وستين عاد إلي ستة وستين أي اعتبر التحميدات اثنتين وثلاثين (وبني عليها) بأن حمد الثالثة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. کل هذا لم يتجاوز التحميد مائة فإذا تجاوزها فقد تجاوز السهو حد التدارک ولا تحسب له تسبيحة الزهراء، ولکن لا شيء عليه لأن أصلها مستحب.