الي الدينوري


نقل العلامة المجلسي (قدس سره) عن کتاب النجوم، في بحار الأنوار (51- ص300) قال: روينا بإسنادنا إلي الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده يرفعه إلي أحمد الدينوري السراج المکي بأبي العباس الملقب بآستاره، قال: انصرفت من أردبيل إلي دينور أريد أن أحج وذلک بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وکان الناس في حيرة فاستبشر أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي (جمع: المولي، يعني الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، والمقصود به الخمس علي الظاهر، أو النذور ونحوها).

ونحتاج أن نحملها معک وتسلمها بحيث يجب تسليمها.

قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت.

قال: فقالوا إنما اخترناک لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتک وکرمک فاعمل علي أن لا تخرجه من يدک إلا بحجة.

قال: فحمل إلي ذلک المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلک المال وخرجت فلما وافيت (قرميسين) [وهو اسم بلد] کان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلماً، فلما لقيني استبشرني ثم أعطاني ألف دينار في کيس، وتخوت ثياب ألوان معکمة لا أعرف ما فيها ثم قال لي: احمل هذه معک ولا تخرجه من يدک إلا بحجة.

قال: فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد لم يکن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة.

فقيل لي: إن هاهنا رجلاً يعرف (بالباقطاني) يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بـ(إسحاق الأحمر) يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بـ(أبي جعفر العمري) يدعي بالنيابة.

قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان کثير، ويجتمع الناس عنده يتناظرون.

قال: فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وسر وبر قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أکثر الناس. قال: فسألني عن ديني فعرفته إني رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: احمله، قال فقلت: أريد حجة، قال: تعود إلي في غد، قال: فعدت إليه في غد فلم يأتي بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة.

قال: فصرت إلي إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً منزله أکبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسري، وغلمانه أکثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أکثر مما يجتمع عند الباقطاني.

قال: فدخلت وسلمت فرحب وقرب.

قال: فصبرت إلي أن خف الناس قال: فسألني عن حاجتي فقلت له: کما قلت للباقطاني وعدت إليه بعد ثلاثة أيام فلم يأتي بحجة.

قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد علي لبد في بيت صغير، ليس له غلمان ولا من المروءة والفرس ما وجدت لغيره.

قال: فسلمت فرد الجواب، وأدناني، وبسط مني، ثم سألني عن حال فعرفته أني وافيت من الجبل، وحملت مالاً.

قال: فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه تخرج إلي سر من رأي وتسال دار ابن الرضا (عليه السلام) وعن فلان بن فلان الوکيل - وکانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنک تجد هناک ما تريد.

قال: فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوکيل، فذکر البواب أنه يشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً.

فقعدت علي الباب انتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلي بيت کان له وسألني عن حالي وما وردت له، فعرفته أني حملت شياً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أسلمه بحجة...

قال: فقال: نعم، ثم قدم إلي طعاماً وقال لي: تغد بهذا واسترح، فإنک تعبت، فإن بيننا وبين الصلاة الأولي [يعني: صلاة الظهر] ساعة، فإني أحمل إليک ما تريد.

قال: فأکلت، ونمت، فلما کان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلي المشرعة فاغتسلت ونظفت. انصرفت إلي بيت الرجل، وسکنت إلي أن مضي من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضي من الليل ربعه ومعه درج فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. وافي أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار في کذا وکذا صرة، فيها صرة فلان بن فلان کذا وکذا ديناراً، إلي أن عدد الصرر کلها، وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشرة ديناراً.

ثم ذکر: قد حمل من قرميسين من أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف کيس فيه ألف دينار وکذا تختاً من الثياب منها ثوب فلان، وثوب لونه کذا، حتي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها [1] .


پاورقي

[1] ثم جاء النص بعد التوقيع الرفيع کما يلي: قال أحمد بن محمد الدينور: فوسوس إلي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني، فما زلت أقرأ ذکره صرة صرة وذکر صاحبها حتي أتيت عليها عند آخرها.

قال: فحمدت الله وشکرته علي ما من به علي من إزالة الشک من قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلي حيث يأمرني أبو جعفر العمري، قال: فلما بصر بي أبو جعفر قال: لم لم تخرج فقلت يا سيدي من سر من رأي انصرفت.

قال: فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة إلي أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر (صلوات الله عليه) ومعه درج مثل الدرج الذي کان معي فيه ذکر المال والثياب وأمرت أن يسلم جميع ذلک إلي أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي، فليس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: احمل ما معک إلي منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي.

قال: فحملت المال والثياب إلي منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان، وسلمتها إليه وخرجت إلي الحج فلما رجعت إلي (دينور) اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وکيل مولانا (صلوات الله عليه) إلي وقرأته علي القوم، فلما سمع بذکر الصرة باسم الذراع سقط مغشياً عليه وما زلنا نعلله حتي أفاق، فلما أفاق سجد شکراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الذراع، لم يقف علي ذلک إلي الله عز وجل.

قال: فخرجت ولقيت بعد ذلک أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج فقال: يا سبحان الله ما شککت في شيء فلا تشک في أن الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجته.