دعاء التوحيد


الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص130 ط طهران 1391هـ نقلاً عن الکفعمي: إنه صدر من الناحية المقدسة علي يد الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) هذا التوقيع الشريف: اقرأ في کل يوم من أيام رجب:...

اللهم أني أسألک بمعاني جميع ما يدعوک به [1] ولاة أمرک المأمونون علي سرک [2] المستبشرون بأمرک الواصفون لقدرتک المعلنون لعظمتک. أسألک بما نطق فيهم من مشيئتک [3] فجعلتهم معادن لکلماتک [4] وأرکاناً [5] لتوحيدک وآياتک ومقاماتک [6] التي لا تعطيل لها في کل مکان يعرفک بها من عرفک [7] لا فرق بينک وبينها [8] إلا أنهم عبادک وخلقک فتقها ورتقها بيدک [9] بدؤها منک وعودها إليک أعضاد وأشهد ومناة وأذواد وحفظة ورواد [10] فبهم ملأت سماءک وأرضک [11] حتي ظهر أن لا إله إلا أنت فبذلک أسألک وبمواقع العز من رحمتک [12] وبمقاماتک وعلاماتک أن تصلي علي محمد وآله وأن تزيدني إيماناً وتثبيتاً يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومکنونه [13] يا مفرقاً بين النور والديجور يا موصوفاً بغير کنه ومعروفاً بغير شبه حاد کل محدود وشاهد کل مشهود وموجد کل موجود ومحصي کل معدود وفاقد کل مفقود [14] ليس دونک من معبود أهل الکبرياء والجود يا من لا يکيف بکيف ولا يؤين بأين [15] يا محتجباً عن کل عين يا ديموم يا قيوم وعالم کل معلوم صل علي محمد وآله وعلي عبادک المنتجبين وبشرک المحتجبين [16] وملائکتک المقربين والبهم الصافين الحافين [17] وبارک لنا في شهرنا هذا المرجب المکرم [18] وما بعده من الأشهر الحرم وأسبغ علينا فيه النعم وأجزل لنا فيه القسم وأبرز لنا فيه القسم [19] الذي وضعه علي النهار فأضاء وعلي الليل فأظلم [20] واغفر لنا ما تعلم منا وما لا نعلم [21] واعصمنا من الذنوب خير العصم واکفنا کوافي قدرک وامنن علينا بحسن نظرک ولا تکلنا إلي غيرک ولا تمنعنا من خيرک وبارک لنا فيما کتبت لنا من أعمارنا وأصلح لنا خبيئة أسرارنا وأعطنا منک الأمان واستعملنا بحسن الأيمان وبلغنا شهر الصيام وما بعده من الأيام والأعوام يا ذا الجلال والإکرام.


پاورقي

[1] في الإسلام يجوز (الإجمال) في الدعاء والقسم، وحتي في تفاصيل العقائد. أما في مجال الدعاء فقد ورد (الإجمال) من أمثال: (اللهم إني أسألک من کل خير أحاط به علمک، وأعوذ بک من کل شر أحاط به علمک)... (وأن تدخلني في کل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأن تخرجني من کل سوء أخرجت منه محمد وآل محمد). والإجمال لا يفيد فائدة، ولکن قد لا يکون بد منه للجهل بالتفصيل، أو لعدم وجود مجال مناسب له. وأما في مجال القسم فقد ورد (الإجمال)- أيضاً- من أمثال: (اللهم أني أسألک بکلماتک ومعاقد عرشک وسکان سماواتک وأنبيائک ورسلک أن تستجيب لي...) (اللهم أني أسألک باسمک العظيم الأعظم الأعز الأجل الأکرم الذي إذا دعيت به علي مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت... وبکلمتک التي خلقت بها السماوات والأرض... وأسألک اللهم بمجدک الذي کلمت به عبدک ورسولک موسي بن عمران...).

وأما في مجال العقائد فقد ورد - ما معناه- أنه إذا عرضت عليک أمور لا تعلم فيها ما هو الحق، فيکفي أن تقول: اللهم أني أؤمن بکل ما آمن به رسول الله. أو أن تقول: الله أني أشهد بکل ما أنزلت علي أنبيائک. ومن (الإجمال) في الدعاء قول الأمام المهدي: (اللهم إني أسألک بمعاني جميع ما يدعوک به ولاة أمرک...).

[2] سر يسر سروراً: أعجبه. والإعجاب بالشيء هو الانشراح به. فإن کان خفيفاً يبقي في الباطن، سمي: سروراً، وإن کان شديداً يطفح علي الظاهر، سمي: فرحاً. فکل ما يؤدي إلي السرور فهو سر، ولذلک قيل- في معني السر-: إنه: خالص الشيء. أطيب الشيء وأفضله. الأرض الطيبة الکريمة. الأصل...

وبما أن أکثر الناس سطحيون يتناولون الأمور ببساطة، ولا يعنون بالتعمق فيها واستيعابها، تبقي لبابها بعيدة عنهم، فإذا کشفت لأحد لبس أمر. يقال: إنک أسررت أليه، لأنک أعجبته. حيث أعفيته عن بذل الجهد في سبيل الوصول إلي لب ذلک الأمر. فالسر: کل ما يعجب وإن لم يکن فيه غموض، ولکنک تعجب کلما تکشف لغيرک اللباب، وتحرق دونه المراحل. أما السر- مفهومه السائد، وهو أن يکون شيء غامضاً محجوباً بالطبع فلا يوجد، لأن کل ما في الکون واضح مفتوح في محله، کلما هنالک أن أکثر العقول لا تواصل البحث عن کثير من الأشياء والأمور، أو تبذل الجهد المناسب لمعرفة بعض الأشياء، ولکنها قاصرة عن إدراکها فکما أن المعادن الجوفية کانت- منذ ملايين السنين- في باطن الأرض وکان الناس منصرفين عنها، فلما توجهوا إليها وبحثوا عنها توصلوا إليها، هکذا الأشياء والأمور کلها مشاعة متروکة لجميع الخلق، وباستطاعة کل من يحاول أن يتوصل إلي ما له الاستعداد لاستيعابه، فالفارق الوحيد هو بين من يحاول ومن لا يحاول، وبين من له قابلية مناسبة ومن ليست له قابلية مناسبة. أي أن الفارق من جانبنا ليس من جانب الأشياء والأمور التي نعتبرها أسراراً. ولذلک قد يکون شيء سراً بالنسبة إلي زيد لأنه لم يبحث عنه، بينما هو ليس سراً بالنسبة إلي عمرو الذي بحث عنه. کما قد يکون شيء سراً بالنسبة إليک لأنک لا تتسع له، فيما هو ليس سراً بالنسبة إلي أستاذک لأنه يتسع له.

فمثلا أبو ذر الغفاري أسبق إسلاماً من سلمان الفارسي ولکن ظرفيته کانت أقل من ظرفيه سلمان، فلم يعط له النبي (صلَي الله عليه وآله) بمقدار ما أعطي لسلمان، وحق فيهما القول المأثور: (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله) أي لقتله العلم. ويصح أن نتجاوز إلي القول: ولو علم سلمان ما في قلب النبي (صلَي الله عليه وآله) لقتله العلم. وإذا أردنا الاستعانة بالأمثلة المادية نستطيع القول: إن البحر مفتوح لا حصار عليه، ولکنک قد تستقبله بإناء يتسع لرطل من الماء فتکون حصتک رطلاً منه، وربما تستقبله بإناء يسع ألف رطل من الماء فتکون حصتک ألف رطل، وإذا تکاسلت عن تجشم الذهاب إلي البحر والاغتراف منه لا تنال منه شيئاً. وفي جميع الحالات لا شح في البحر، وإنما أنت وظرفک هما الوحيدان اللذان يقرران أن لک حصة أو لا؟ ويحددان کمية حصتک علي الفريضة الأولي. وفي الحالة الأولي- أيضاً- إذا کان ظرفک يسع رطلاً واحداً من الماء وأفرغت فيه رطلاً من الماء فإنه يستوعبه بارتياح، وإذا کبست فيه رطلين فقد يستوعبهما بضغط، وإذا حاولت أن تضغط فيه ألف رطل من الماء فسرعان ما ينفجر. وهکذا کل إنسان له ظرفيه فکرية أو نفسية، فإذا حاول معرفة الأشياء والأمور، فأنه يعرف بمقدار ظرفيته، وإذا حاول المزيد تعرض للهلاک، وإذا لم يحاول شيئاً بقي فارغاً، کأکثر الناس الذين يعطلون مواهبهم. وفي کل الحالات يبقي الکون مفتوحاً، ويبقي الکسل أو العجز من جانب الإنسان. وهذان الأمران: الکسل والعجز هما اللذان أوجدا مفهوماً فوقياً أسمه: (السر) بينما الواقع أنه لا توجد لا في الماديات ولا في الماورائيات أشياء أو أمور محجوبة ممروکة بمارکة (أسرار).

إلا إذا کان (السر) تعبيراً عن (الغيب) الذي يقابل (الشهور) وهو- أي الغيب- ما لا يدرک بالحواس الخمس، کما يستشعر ذلک من قول الإمام علي الهادي (عليه السلام)- في زيارة الجامعة الکبيرة-: (... وارتضاکم لغيبه، واختارکم لسره...) في إشارة واضحة إلي آيتين من القرآن. فالجملة الأولي: (ارتضاکم لغيبه) إشارة إلي قوله تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلا من ارتضي من رسول فإنه يسلک من بين يديه ومن خلفه رصداً...) سورة جن آية 27 والجملة الثانية: (واختارکم لسره) إشارة إلي قوله سبحانه: (وما کان الله ليطلعکم علي الغيب ولکن الله يجتبي من رسله من يشاء)- سورة آل عمران آية 179- حيث وضع الإمام الهادي (عليه السلام) کلمة (اختارکم) موضع کلمة (يجتبي) ووضع کلمة (لسره) موضع کلمة (علي الغيب). وأولياء الله (عليهم السلام) يمتازون بأمرين:

1: مواهب متنوعة قابلة للامتداد والاستيعاب بشکل غريب لا تتصوره العقول العادية.

2: مساع متواصلة لا تعترف بالکلل والملل.

وکلما انطلقت طاقات هائلة بالسرعة القصوي، وبدون أي تردد أو توقف، فإنها تحرز مکاسب ضخمة تعتبر- بالنسبة إلي غير أصحابها- أسراراً. وحيث أن أولياء الله يتجهون في سعيهم إلي اللامتناهي: إلي الله، ترتفع مطامحهم کلما تقدموا إذ تتضح لديهم آفاق جديدة تشجعهم علي الاستزادة والسرعة فلا يضعون نقطة الختام لمساعيهم مهما بلغوا، ولا ينالون مکسباً إلا ويستخدمونه في مسيرتهم نحو الکمال لمنحهم زخماً جديداً يساهم في قوة دفعهم نحو الأعلي- علي ما في هذه الألفاظ من ضيق في التعبير البشري الذي لا يناسب مقام أولياء الله-. ونحن القاصرين الذين لا نملک مثل تلک المواهب، والکسلين اللذين لا نبذل مثل تلک المساعي الحثيثة، والجامدين الذين لا نستحصل مکسباً إلا ونفرح باستهلاکه، فلا نطوره إلي طاقة دفع جديدة، لا يبقي أمامنا ألا أن نعتبر کثيراً من معارف الأولياء (أسراراً) کما لا يبقي أمامنا ألا أن نستعين بـ(الإجمال) فننشد الله بما يدعوه به ولاة أمره. ومعني (المأمونون علي سرک) أن لأولئک الولاة الظريفة الکافية، لتلک المعارف، فلا يستخدمونها لأغراض أنانية أو غير مشروعة، ولا تتسرب منهم إلي من لا يتحملونها.

[3] يحتمل معنيان:

1: أن مشيئة الله نبضت فيهم فأصبحوا أولياء، فيکون التعبير بـ(نطقت) عن تعلق المشيئة بلاغياً، لأن النطق هو الإفصاح بوضوح، وتلک المشيئة کانت واضحة محددة، حتي کأنها نطقت فيهم.

2: أن مشيئة الله تجسدت فيهم، حتي کأن کلامهم هو نطق مشيئة الله، فيکون المعني: أنهم يعبرون عن الله، کقوله تعالي: (وما ينطق بالهوي إن هو إلا وحي يوحي) سورة النجم آية 3- 4.

[4] عدن عدناً بالمکان: أقام فيه: البلد توطنه. المعدن: المکان الذي جبل بأحد الأجسام البسيطة والحديد والزئبق. يقال: (فلان معدن الخير والکرام) إذا جبل عليهما وقول الإمام المهدي: (معادن لکلماتک) يحتمل معنيين:

1: المعني الأول، وهو أنهم موطن کلمات الله.

2: المعني الثاني، وهو أنهم مجبولون بکلمات الله.

[5] الرکن جمعه أرکان: ما يعتمد عليه. والمعني- هنا- أن توحيد الله وآياته ومقاماته يعتمد علي ولاة أمره، لأنهم يعطون للناس أدلة التوحيد ودلالات آيات الله ومقاماته.

[6] المقام جمعه مقامات: موضع القديمين. المنزلة: السيادة. المجلس.. وقيل في تفسير قوله سبحانه: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) سورة الرحمان، آية 46. المراد بالمقام موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب. ولعل هذا المعني هو المراد بـ(مقاماتک) هنا، أي المواقف التي تتجلي فيها آيات الله.

[7] وأولئک الولاة دائبون في توجيه الآخرين إلي الله، فلا تعطيل لفاعليتها، فکل من کان في ذاته تجاوب مع الله فقد عرف الله بهم. وفاعليتهم ليست محصورة بمکان معين وإنما يوجهون إلي الله في کل مکان.

[8] فرق يفرق ويفرق فرقاً وفرقاً بينهما: فصل. وفرق البحر: فلقه. وفرق الشيء بدده ووزعه. وفارقه: باينه وانفصل عنه. و(تفرقت بهم الطرق) أي ذهب کل منهم في طريق. انفرق عنهم: انفصل. والفرق: الطريق في شعر الرأس. والفرق: الجماعات المفصولة عن بعضها. وولاة أمر الله متصلون بالله، وليسوا منفصلين عن الله، فلا فرق بينهم وبين الله إلا في شيء واحد، وهو أنه واجب الوجود، وأنهم ممکن الوجود.

وقد نفصل القول بأن مواد اللقاء والفراق ثلاثة.

الأولي: المعرفة، فعلم الله بالأشياء والأمور وعلمهم بهما کلاهما صواب، إذ لا خطأ.

الثانية: العمل، فعمل الله هو هذا الکون المتناسق تحت نظام موحد، وعملهم متناسق مع الکون تحت ذلک النظام، لأن نظام الکون منبعث من إرادة الله. وإرادتهم منشعبة من إرادة الله.

الثالثة: الذات، وفي الذات يختلفون عن الله، لأن الله واجب الوجود وهم ممکن الوجود. فقول الإمام المهدي: (لا فرق بينک وبينها) أي لا فصل بتنک وبينها. وقوله: (إلا عبادک وخلقک...) تفصيل للفارق الذاتي بينهم وبين الله.

[9] يلاحظ في قوله عجل الله فرجه: (إلا أنهم عبادک وخلقک، فتقها ورقها بيدک...) استخدم ضمير الجمع المذکر السالم تارة، وضمير المفرد المؤنث أحياناً ولعله حيث عبر عنهم بـ(ولاة أمرک) استخدم ضمير الجماعة، ولما أراد أن يعبر عنهم بـ(عبادک) استخدم ضمير الجمع المذکر، فيکون الضمير أکثر انسجاماً مع المضمر إليه.

[10] أعضاء. جمع عضد وعضد، وعضد کل شيء ما شد حواليه من البناء وغيره. ويقال (فلان عضدي) أي ناصري ومعتمدي. والأشهاد: جمع شاهد. ومناة: جمع المنا: کيل أو وزن يساوي رطلين. فالمعني: أثقال أو موازين. أذود، من الذود، وهو الدفاع. رواد، جمع الرائد، وهو الرسول الذي يرسله القوم لينظر لهم مکاناً ينزلون فيه.

[11] لعل المراد بمثل هذه العبارة: أن الأولياء هم الأنوار الأولية التي خلقها الله تعالي ثم تشعبت منها شعب مختلفة وتفاعلت فخلق الله منها بقية المخلوقات العلوية والسفلية.

[12] إن رحمة الله تقع مواقع شيء، فربما تقع مواقع الذل الدنيوي بهدف العز الأخروي کما تقع علي المقبل الأسير والبائس الفقير، مثل أيوب ويحيي وإسماعيل الصادق الوعد، وأکثر الأنبياء الذين أوذوا في الله. وقد تقع مواقع العز کما وقعت علي سليمان فآتاه الملک والحکمة، ووقعت علي يوسف فجعله الله ملکاً. والقسم هنا بالنوع الثاني من مواقع الرحمة.

[13] إن الله تعالي ظاهر بنفسه للعقل، ولکن العقل البشري يدرک (إجمالاً) وجود الله ولا يدرک الحقيقة الإلهية لأن العقل مخلوق ممکن والله سبحانه خالق واجب فلا سنخية بينهما، فهو ظاهر ظهوراً مجملاً ففي ظهوره بطون، کما أن غيابه عن العقل ليس غياباً کاملاً لأنه ظاهر الوجود وبين الدلالات. ويمکن القول بأن الله ظاهر الوجود باطن الذات، فهو ظاهر من جهة وباطن من جهة والجهتان متداخلتان بحيث لا يمکن فصلهما أو تمييزهما، فليس ظهوره کاملاً حتي يحيط به العقل وليس بطونه شاملاً حتي ينصرف عنه العقل وهذا ما يميز الله عن مخلوقاته التي لها ظهور مطلق أو بطون مطبق.

[14] کل إنسان محدود العلاقة بما حوله من الناس والأشياء، فإذا فقد شيء من تلک الأشياء افتقده، بينما علاقة الله شمولية تسع کل ما في الکون لأنه خالق کل شيء، فلا يفقد شيء إلا والله فاقده.

[15] الإنسان - باعتباره مرکباً - مکيف مجالات وخواص أجزائه وفعل المؤثرات التي تختلف عليه. تختلف کيفياته باختلاف أجزائه والمؤثرات الطارئة عليه. وکما الإنسان کمل سائر المرکبات. وأما البسائط- إن ثبت وجودها- فهي أيضاً- تتکيف بأوضاعها، ومراحل وجودها واستمرارها، ولا أقل من انعکاس المرکبات عليها من حيثيات القرب والبعد والابتداء والإنهاء وما شابهها. وأما الله عز وجل فلا تختلف الکيفيات من داخله، لأنه ليس مرکباً، ولا تنعکس عليه الکيفيات من المرکبات، لأنه ليس من نوعها، ولا يزاملها في شيء من الصفات والأوضاع حتي يکون ذلک الجامع المشترک سبب انعکاس المرکبات عليه. کما أن لجميع الماديات والماورائيات ظرف معين، فکل شيء إما موجود في مکان معين أو في زمان معين أو في الفکر أو في اللاشعور، بينما الله سبحانه خالق المکان والزمان وسائر الاعتبارات الأينية، فلا ظرف له ولا وعاء يحتويه.

[16] هذا النص دليل علي وجود نوع من البشر لا يدرک بالحواس الخمس، إن لم يکن في المکون القريب منا في الکون البعيد عنا، وتسلسل الصلوات يدل علي أن ذلک النوع من البشر دون الرسل وفوق الملائکة. وطالما وردت الصلوات علي عموم ذلک النوع بدون قيد أو استثناء فهو نوع مفضل علي نوع الإنسان، لأن الإنسان ليس أفضل أنواع المخلوقات، کلما ثبت أنه أفضل من کثير من المخلوقات العاقلة، ولکن القرآن يسجل دلالة واضحة علي وجود أنواع مفضلة علي نوع الإنسان حيث يقول: (ولقد کرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي کثير ممن خلقنا تفضيلاً) سورة الإسراء، آية 70. فهو مفضل علي أنواع کثيرة من المخلوقات العاقلة وليس علي جميعها.

ويحتمل أن يکون المراد من (البشر المحتجبين) أولئک الأفراد الذين غابوا عن المجتمعات کإدريس وعيس والخضر وإلياس ونظرائهم ويضعف هذا الاحتمال أنهم من الأنبياء، فلا يصح تصنيفهم إلي جانب الأنبياء (عليهم السلام).

[17] البهم جمع أبهم وهو الأصمت الذي لا يعرف. والصافين: الذين يصفون أقدامهم وأجنحتهم فلا يحرکونها. والحافين: الذين يحيطون بالشيء. والمراد هنا الملائکة الصامتون الذين لا يحرکون أجنحتهم وهم يطوفون حول العرش. وإنما يکونون صامتين صافين في حالة الطواف خشوعاً لله. وقد ذکرهم الله في قوله: (وتري الملائکة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) سورة الزمر، آية 75.

[18] رجب: وهو الشهر السابع من السنة القمرية، کان يعظم في الجاهلية، وجعله الإسلام أول الأشهر الحرم، وندب فيه إلي العمرة المفردة. والمرجب: المهيب. المعظم.

[19] القسم، جمع قسمة: النصيب. والقسم: اليمين بالله تعالي أو غيره. وبر في قوله: صدق. وبرت اليمين صدقت. وبر الله قسمه وأبره أي صدقه. وفي الحديث: (... ولو أقسم علي الله لأبر قسمه) أي استجاب له.

[20] فکما أن النور شيء مخلوق، وليس عدم النور، ويبدو من بعض النصوص الإسلامية أن الظلمة أسبق خلقه من النور وأن أنواعها أکثر. مثل قوله تعالي: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين کفروا بربهم يعدلون) سورة الأنعام، آية1.

[21] المحرمات نشوة جوهر الإنسان، کما أن المخالفات الطبية نشوة جسده، غير أن الإنسان إذ ارتکب الحرام عن سابق علم وتصميم نشوة جوهر، ولکنه لا يعتبر مجرماً يعرض للعقاب، وإن ارتکب الحرام لا عن سابق علم وإصرار، نشوة جوهر ولکنه لا يعتبر مجرماً فلا يتعرض للعقاب وفي کلتا الحالتين يحتاج إلي الغفران، وهو الستر.