في إثبات ذلک من جهة العامة


و قد ورد ذلک في کثير من کتبهم و نقلوه مشايخهم و رواه أحاديثهم فمن ذلک أن شيخهم الذي لا ينکرون فضله و علمه و يرجعون إليه في أقواله و يقتدون بأعماله و هو الفقيه العلامة عندهم الذي يسمونه مفتي العراقين محدث الشام صدر الحفاظ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي المعروف بالکنجي الشافعي فإنه صنف کتابا في هذا الباب سماه بالبيان في أخبار صاحب الزمان و قال في خطبته إني قد عريته عن طرق الشيعة تعرية ترکيب الحجة إذ کل ما تلقته الشيعة بالقبول و إن کان صحيح النقل فإنما هو خريت منارهم و خدارية ذمارهم فکان الاحتجاج بغيره آکد.



[ صفحه 43]



و روي عدة من الأخبار تدل علي وجوده و تعيينه استخرجها من کتب المشايخ المتقدمين عليه و أسندها إلي رجالهم و رواه أحاديثهم الذين أوصلوا الروايات إليه فمن ذلک ما رواه متصلا و ذکر رجاله في کتابه عن النبي ص أنه قال يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلک اليوم حتي يلي ثم قال الکنجي هذا حديث صحيح أخرجه الحافظ محمد بن عيسي الترمذي في جامعه الصحيح.

و من ذلک ما ذکر إسناده يرفعه إلي علقمة بن عبد الله قال بينا نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه و تغير وجهه فقلت ما نزال نري في وجهک شيئا نکرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا و إن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا حتي يأتي قوم من



[ صفحه 44]



قبل المشرق و معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونها حتي يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا کما ملئوها جورا فمن أدرک ذلک منکم فليأتهم و لو حبوا علي الثلج و من ذلک ما يرفعه إلي أعثم الکوفي في کتاب الفتوح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال ويحا للطالقان فإن لله عز و جل بها کنوزا ليست من ذهب و لا فضة و لکنها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته و هم أنصار المهدي آخر الزمان و من ذلک ما رواه متصلا إلي النبي ص أنه قال فيلتفت المهدي و قد نزل عيسي ابن مريم کأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسي إنما أقيمت الصلاة لک قال فيصلي عيسي خلف رجل من ولدي فإذا صليت قام عيسي حتي جلس في المقام فبايعه فيمکث أربعين سنة أول الآيات في زمانه الدجال ثم نزول عيسي ثم نار تخرج من عدن تسوق الناس إلي المحشر ثم قال الکنجي و هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (ع) و من ذلک ما رواه متصلا إلي النبي ص و ذکر حديثا



[ صفحه 45]



طويلا منه أن النبي ص ضرب بيده علي کتف الحسين (ع) و قال من هذا مهدي الأمة ثم قال الکنجي هذا حديث صحيح أخرجه الدارقطني صاحب الجرح و التعديل. و من ذلک ما رواه متصلا إلي النبي ص و ذکر حديثا طويلا خاطب به فاطمة (ع) اقتصرنا علي ذکر المطلوب منه أنه قال و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناک الحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة و الذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا و تظاهرت الفتن و تقطعت السبل و أغار بعضهم علي بعض فلا کبير يرحم صغيرا و لا صغير يوقر کبيرا فيبعث الله عند ذلک منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أول الزمان و يملأ الدنيا عدلا کما ملئت جورا و الحديث بطوله. قال الکنجي في آخر الحديث هذا الحديث رواه صاحب حلية الأولياء أيضا في کتابه المترجم بذکر نعت المهدي و أخرجه الطبراني شيخ أهل الصنعة في معجمه الکبير. لا يقال هذا الحديث يخالف ما عليه الشيعة الإمامية لأنهم قائلون إن المهدي من ولد الحسين (ع) و إنه خاتم الأئمة الاثني عشر و قد ذکر أنه من ولد



[ صفحه 46]



الحسن هذا خلف. لأنا نقول لا نسلم أن هذا الخبر مخالف لما نحن فيه و لا مناف لما ذهبنا إليه لأن النبي ص قال منهما يعني الحسن و الحسين (ع) و الأمر کما قال لأن الإمام الباقر (ع) جد المهدي (ع) أمه بنت عم أبيه الحسن السبط (ع) و هو أول فاطمي ولد لفاطميين و قد تقدم ذکر ذلک في بابه فهو من الحسن و الحسين و کذلک کل من کان من ولده و المهدي من ولده فيکون منهما فقد طابق ما ذهبنا إليه ما قاله النبي ص و من ذلک ما يرفعه إلي زر عن عبد الله قال قال رسول الله ص لا تذهب الدنيا حتي يملک العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي قال الکنجي هذا حديث حسن صحيح قال و في الباب عن علي و أبي سعيد و أم سلمة و أبي هريرة و قد ذکر هذا الحديث بطرق کثيرة متعددة منها عن أبي هريرة أيضا و منها عن محمد بن عيسي الترمذي بطريق آخر غير الأول و منها عن زر عن عبد الله بطريق آخر غير الأول أيضا و ذکر فيه أنه أخرجه أبو داود في سننه و منها يرفعه إلي عاصم الآبري في کتاب مناقب الشافعي



[ صفحه 47]



ثم ذکر بعد ذلک أن الحافظ أبو نعيم جمع طرق هذا الحديث عن الجم الغفير في مناقب المهدي کلهم عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله عن النبي ص منهم سفيان بن عيينة بطرق شتي و منهم قطر بن خليفة و طرقه بطرق شتي و منهم أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني بطرق شتي و منهم الأعمش بطرق شتي و منهم حفص بن عمرو و منهم سفيان الثوري بطرق شتي و منهم شعبة بطرق شتي و منهم واسط بن الحارث و منهم يزيد بن معاوية أبو شيبة و منهم سليمان بن قرم بطرق شتي و منهم جعفر الأحمر و منهم سلام أبو المنذر و منهم أبو شهاب محمد بن إبراهيم الکناني بطرق شتي و منهم عمرو بن عبيد الطيالسي بطرق شتي و منهم أبو بکر بن عياش بطرق شتي و منهم أبو الجحاف داود بن أبي العوف بطرق شتي و منهم عبد الملک بن أبي غنية و منهم محمد بن عياش العامري بطرق شتي و منهم عمرو بن أبي قيس الملائي و منهم عمار بن زريق و منهم عبد بن جبير بن



[ صفحه 48]



حکيم الأسدي و منهم عمر بن عبد الله بن بشر و منهم أبو الأحوص و منهم سعد بن الحسن ابن أخت ثعلب و منهم معاذ بن هشام و منهم يوسف بن يونس و منهم غالب بن عثمان و منهم حمزة الزيات و منهم شيبان و منهم الحکم بن هشام و رواه غير عاصم و هو عمرو بن مرة. و إذا اتفق هؤلاء أئمة رواة الأخبار و الأحاديث و الآثار عندهم علي تعيين الإمام المهدي (ع) و أنه هو الإمام المعني الذي ذهبنا إليه و وقع اتفاقنا عليه کان إنکاره بعد ذلک محال و دخول في الضلال مع أنه قد ورد في هذا الکتاب و في غيره من طرق العامة ما يوافق ما نحن عليه في هذا الباب روايات کثيرة و أخبار و قصص و آثار أعرضنا عنها و ذکرنا هذا منها إذ الغرض من ذکرها ليس إثبات ذلک من طريقهم إذ الحق ثابت بما بيناه و ظاهر مما قررناه بل الغرض مما ذکرنا إلزام المنکرين منهم بما ورد عنهم.

کشف و إيضاح و کيف ينکر أمر شهد بصحته المعقول و طابقه علي ذلک المنقول أ ليس من الأمر المعلوم الذي تسلمه الخصوم أن الله تعالي جرت عادته أن يبعث في الأمم السالفة



[ صفحه 49]



رسولا بعد رسول يعرفهم ما أخذ عليه من العهود و المواثيق و يخرجهم من ظلمات الشبهات إلي سعة المجال بعد الضيق. و لا بد له من خاصية تشرفه عليهم حتي يقبلوا ما أتي به إليهم و تلک الخاصية هي العصمة التي اتفق علي وجوبها للنبيين کافة المسلمين و قد ثبت في زماننا هذا أن محمدا ص خاتم النبيين فلا بد من شخص بعده يکون في مرتبته يقوم بشريعته و يبلغها إلي من بعده من أمته و يجب أن يکون له تلک الخاصية ليکون له عليهم المزية و إلا لوسعهم القول في مخالفته فلا يتم فائدة إرسال النبي و بعثه فوجب وجود إمام معصوم ليبين للناس شرائع هذا الرسول و يبين لهم ما أخذ عليهم من المواثيق و العهود و ما أمروا به و نهوا عنه بالمعقول و المنقول. و لم يثبت العصمة إلا لهم و الباقي منهم هو الإمام القائم (ع) الذي شهد بتعيينه الموافق و المخالف فمن عدل عن طريقه و أنکر وجوده و بقاءه و إمامته فقد ارتطم في الضلال و وقع في المحال ذلک هو الخسران المبين



[ صفحه 50]