مقدرات السنة تتنزل علي أئمة أهل البيت


1063 - محمّد بن العبّاس رحمه الله بإسناده عن أبي يحيي الصنعانيّ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: قال لي أبي محمّد عليه السلام: قرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام «إنّا أَنزَلنَاه فِي لَيلَةِ الْقَدر» وعنده الحسن والحسين عليهما السلام، فقال له الحسين: ياأبتاه کأنّ بها من فيکَ حلاوة، فقال له: يابن رسول اللَّه وابني، إنّي أعلم فيها ما لا تعلم، انّها لمّا اُنزلت بعث إليّ جدّک رسول اللَّه صلي الله عليه وآله فقرأها عليّ، ثمّ ضرب علي کتفي الأيمن وقال: ياأخي ووصيّي ووليّي علي اُمّتي بعدي وحرب أعدائي إلي يوم يبعثون، هذه السورة لک من بعدي ولولدک من بعدک، إنّ جبرئيل أخي عليه السلام من الملائکة أحدث إليّ أحداث اُمّتي في سنتها، واللَّه وإنّه ليحدث ذلک إليک کأحداث النبوّة، ولها نور ساطع في قلبک وقلوب أوصيائک إلي مطلع فجر القائم عليه السلام. [1] .

1064 - روي الشيخ الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: أنّ أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه قال: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول لأصحابه: آمنوا بليلة القدر، إنّها تکون لعليّ بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعده. [2] .

1065 - روي الثقة الصفّار رحمه الله بإسناده عن داود بن فرقد، قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجل: «إنّا أَنزَلنَاه في لَيلَةِ القَدرِ وَ مَا أَدرَاکَ ما لَيلَةُ القَدر» قال: نزل فيها ما يکون من السنة الي السنة من موتٍ أو مولد، قلت له: الي مَن؟ فقال: إلي من عسي أن يکون؟ إنّ الناس في تلک الليلة في صلاةٍ ودعاءٍ ومسئلة، وصاحب هذا الأمر في شغل تنزّل الملائکة اليه بأمور السنة من غروب الشمس الي طلوعها من کل أمر، سلامٌ هي له الي أن يطلع الفجر. [3] .

1066 - وروي بالإسناد عن عبد اللَّه بن سنان، قال: سألته من النصف من شعبان، فقال: ما عندي فيه شي ءٍ، ولکن إذا کانت ليلة تسع عشر من شهر رمضان قَسَّم فيها الأرزاق، وکُتب فيها الآجال، وخرج فيها صکاک الحاجّ، واطلع اللَّه إلي عباده فغفر اللَّه لهم إلّا شارب الخمر، فإذا کانت ليلة ثلاثة وعشرين فيها يُرَق کل أمرٍ حکيم، ثم ينهي ذلک ويمضي. قال: قلت: الي من؟ قال: الي صاحبکم، ولولا ذلک لم يعلم. [4] .

1067 - روي بالإسناد عن ابن أبي عمير، عمّن رواه عن هشام، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: قول اللَّه تعالي في کتابه: «فِيهَا يُفرَق کُلُّ أمرٍ حَکيم». [5] .

قال: تلک ليلة القدر يُکتب فيها وفد الحاجّ وما يکون فيها من طاعة أو معصية أو موت أو حياة، ويحدث اللَّه في الليل والنهار ما يشاء، ثمّ يُلقيه إلي صاحب الأرض.

قال الحرث بن المغيرة البصري: قلت: ومَن صاحب الأرض.

قال صاحبُکم. [6] .

1068 - وروي بالإسناد عن أبي الهذيل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال، قال: يا أبا الهذيل إنا لا يخفي علينا ليلة القدر، إنّ الملائکة يطوفون بنا فيها. [7] .

1069 - وروي بإسناده عن بريدة، قال:

کنت جالساً مع رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وعليّ عليه السلام معه، إذ قال: يا عليّ ألم أشهدک معي سبعَة مواطن: الموطن الخامس ليلة القدر خصّصنا ببرکتها ليست لغيرنا. [8] .

1070 - وروي بالإسناد عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، قال: عرضت هذا الکتاب علي أبي جعفر عليه السلام فأقرّ به قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام:

قال عليّ عليه السلام في صبح أوّل ليلة القدر الّتي کانت بعد رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: سلوني فواللَّه لأخبرنَّکم بما يکون إلي ثلثمأة وستين يوماً، من الذرّ فما دونها فما فوقها، ثمّ لأخبرنّکم بشي ءٍ من ذلک لا بتکلّف ولا برأي ولا بادّعاء في علم إلّا من علم اللَّه وتعليمه، واللَّه لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الانجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان، إلّا فرّقت بين کلّ أهل کتاب بحکم ما في کتابهم.

قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أرأيت ما تعلمونه في ليلة القدر، هل تمضي تلک السنة وبقي منه شي ء لم تتکلّموا به؟ قال لا والّذي نفسي بيده، لو أ نّه فيما عَلمنا في تلک السنة: أن أنصتوا لأعداءِکم، لنصتنا، فالنصت أشدّ من الکلام. [9] .

1071 - وروي بالإسناد عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أرأيت مَن لم يقرّ بما يأتکم في ليلة القدر کما ذکر ولم يجحدهُ؟

قال: أما إذا قامت عليه الحجّة من يثق به في علمنا فلم يثق به، فهو کافر، وأمّا من لم يسمع ذلک، فهو في عذر حتي يسمع.

ثمّ قال عليه السلام: يؤمن باللَّه ويؤمن للمؤمنين. [10] .

1072 - وروي الثقة الصفّار رحمه الله بإسناده عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: لمّا قُبض رسول اللَّه صلي الله عليه وآله هبط جبرئيل ومعه الملائکة والروح الّذين کانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين عليه السلام بصره، فرآهم في منتهي السماوات إلي الأرض يغسلون النّبي صلي الله عليه وآله معه ويصلّون معه عليه ويحفرون له، واللَّه ما حفر له غيرهم، حتّي إذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتکلّم وفتح لأمير المؤمنين عليه السلام سمعه، فسمعه يوصيهم به فبکي، وسمعهم يقولون: لانألوه جهداً، وإنّما هو صاحبنا بعدک إلّا أ نّه ليس يُعايننا ببصره بعد مرّتنا هذه.

حتّي إذا مات أميرالمؤمنين عليه السلام رأي الحسن والحسين مثل ذلک الّذي رأي، ورَأيا النّبيّ صلي الله عليه وآله أيضاً يُعين الملائکة مثل الّذي صنعوه بالنّبيّ، حتي إذا مات الحسن رأي منه الحسين مثل ذلک، ورأي انبيّ صلي الله عليه وآله وعلّياً عليه السلام يُعينان الملائکة، حتّي إذا مات الحسين رأي عليّ بن الحسين منه مثل ذلک، ورأي النّبيّ صلي الله عليه وآله وعليّاً والحسن يُعينون الملائکة، حتي إذا مات عليّ بن الحسين رأي محمّد بن عليّ عليه السلام مثل ذلک، ورأي جعفر مثل ذلک ورأي انبيّ صلي الله عليه وآله وعليّاً عليه السلام والحسن والحسين وعليّ بن الحسين يُعينون الملائکة، حتي إذا مات جعفر، رأي موسي منه مثل ذلک، هکذا يجري إلي آخرها. [11] .

1073 - روي ثقة الإسلام الکلينيّ قدس سره بإسناده، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

قال اللَّه عزّوجل في ليلة القدر: «فيها يُفرَقُ کُلُّ أَمرٍ حَکيم» يقول: ينزل فيها کل أمرٍ حکيم، والمحکم ليس بشيئين، إنّما هو شي ء واحد، فمن حکم بما ليس فيه اختلاف، فحکمه مِن حکم اللَّه عزّوجل، ومَن حکم بأمرٍ فيه اختلاف فرأي أ نّه مصيب، فقد حکم بحکم الطاغوت، إنّه لينزل في ليلة القدر إلي وليّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بکذا وکذا، وفي أمر الناس بکذا وکذا، و إنّه ليحدث لوليّ الأمر سوي ذلک کل يوم علم اللَّه عزّوجلّ الخاصّ والمکنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلک السنة من الأمر، ثمّ قرأ: «وَلَو أنّ مَا في الأرضِ مِن شَجَرةٍ أقلام و البَحرُ يَمُدُّه مِن بَعدِه سَبعةُ أبحُرٍ ما نَفِدت کَلِماتُ اللَّهِ إنّ اللَّهَ عَزيزٌ حکيم». [12] .

1074 - روي عليّ بن إبراهيم القمّي في قوله: «انّا أنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدرِ وَ مَا أدراکَ ما لَيلَةُ القَدر» قال: فهو القرآن اُنزل إلي البيت المعمور في ليلة القدر جُملة واحدة، وعلي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله في طول ثلاث وعشرين سنة.

«وما أَدرَاکَ مَا لَيلَةُ القَدرِ» ومعني ليلة القدر أنّ اللَّه يقدّر فيها الآجال والأرزاق وکلّ أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شرّ، کما قال اللَّه:

«فِيهَا يُفرَق کُلُّ أَمرٍ حَکيم» إلي سنة.

قوله: «تَنزَّلُ المَلائِکةُ والرُّوحُ فيها» قال: تنزّل الملائکة وروح القدس علي إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد کتبوه من هذه الاُمور:

قوله: «لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن ألفِ شَهر» قال: رأي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله في نومه کأنّ قردة يصعدون منبره، فغمّه ذلک، فأنزل اللَّه، «إنّا أنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القدر - و ما أَدراکَ ما لَيلةُ القَدر - ليلةُ القدرِ خَيرٌ مِن ألف شهر» تملکه بنو أُميّة ليس فيها ليلة القدر. قوله «من کلِّ أمرٍ سلامٌ» قال: تحيّة يُحيّي بهاالإمام إلي أن يطلع الفجر. وقيل لأبي جعفر عليه السلام: تعرفون ليلة القدر؟ فقال: وکيف لا نعرف والملائکة تطوف بنا فيها. [13] .

1075 - وروي القمّيّ بإسناده عن حمران، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عمّا يفرق في ليلة القدر، هل هو ما يقدّر اللَّه فيها؟

قال: لا توصف قدرة اللَّه إلّا أ نّه قال: «فيها يُفرَق کُلُّ أَمرٍ حَکيم» فکيف يکون حکيماً إلّا ما فرق، ولا توصف قدرة اللَّه سبحانه لأ نّه يحدث ما يشاء، وأمّا قوله: «لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن ألفِ شَهر» يعني فاطمة عليها السلام.

وقوله: «تنزّلُ الملائکةُ والروحُ فِيها» والملائکة في هذا الموضع المؤمنون الّذين يملکون علم آل محمّد عليهم السلام: والروح روح القدس، وهو في فاطمة عليها السلام «مِن کلِّ أمرٍ سلامٌ» يعني من کلّ أمر مسلمة «حتّي مَطلَعِ الفَجر» يعني حتّي يقوم القائم عليه السلام. [14] .

1076 - روي العلّامة البحرانيّ رحمه الله بالإسناد عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: کان عليّ بن الحسين صلوات اللَّه عليه يقول: «إنّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدر» صدق اللَّه عزّوجلّ أنزل القرآن في ليلة القدر «ومَا أدراکَ ما لَيلَةُ القَدر» قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: لا أدري، قال اللَّه عزّوجلّ:

«لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن ألفِ شَهر» ليس فيها ليلة القدر، قال لرسول اللَّه صلي الله عليه وآله: وهل تدري لِمَ هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال:

لأنّها «تَنزَّل الملائکة و الرّوحُ فيها بإذن رَبِّهم مِن کُلِّ أَمرٍ» وإذا أذن اللَّه عزّوجلّ بشي ء فقد رضيه «سَلامٌ هِيَ حتّي مَطلَعِ الفَجر» يقول تسلّم عليک يامحمّد ملائکتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلي مطلع الفجر.

ثمّ قال في بعض کتابه: «وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذِين ظَلَموا مِنکم خَاصَّةً» [15] في إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وقال في بعض کتابه:

«وما مُحمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أفإن مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم علي أعقابِکُم و مَن يَنقَلِب عَلَي عَقِبَيه فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئاً و سَيَجزي اللَّهُ الشاکِرِين» [16] يقول في الآية الاُولي: إنّ محمّداً حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر اللَّه عزّوجلّ: مضت ليلة القدر مع رسول اللَّه صلي الله عليه وآله، فهذه فتنة أصابتهم خاصّة، وبها ارتدّوا علي أعقابهم، لأ نّهم إن قالوا لم تذهب، فلابدّ أن يکون للَّه عزّوجلّ فيها أمر، وإذا أقرّوا بالأمر لم يکن له من صاحبٍ بُدَّ. [17] .

1077 - وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: لقد خلق اللَّه جلّ ذِکره ليلة القدر أوّل ما خلق الدنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يکون وأوّل وصيّ يکون، ولقد قضي أن يکون في کلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الاُمور إلي مثلها من السنة المقبلة، مَن جحد ذلک فقد ردّ علي اللَّه عزّوجلّ عِلمه لأ نّه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدّثون إلّا أن يکون عليهم حجّة بما يأتيهم في تلک الليلة مع الحجّة الّتي يأتيهم بها جبرئيل.

قلت: والمحدّثون أيضاً يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائکة؟

قال: أمّا الأنبياء والرسل صلّي اللَّه عليهم، فلا شکّ ولابدّ لمن سواهم مِن يوم خلقت الأرض فيه إلي آخر فناء الدنيا أن يکون علي ظهر الأرض حجّة ينزل ذلک في تلک الليلة إلي مَن أحبّ من عباده، وأيمُ اللَّه لقد نزل الروح والملائکة بالأمر في ليلة القدر علي آدم، وأيم اللَّه ما مات آدم إلّا وله وصيّ، وکلّ من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيّه من بعده، وأيم اللَّه إن کان النّبي ليؤمَر فيما يأتيه من الأمر في تلک الليلة من آدم إلي محمّدصلي الله عليه وآله أن أوصِ إلي فلان.

ولقد قال اللَّه عزّ وجلّ في کتابه لولاة الأمر من بعد محمّد صلي الله عليه وآله خاصّة: «وَعَدَ اللَّهُ الّذين آمَنوا مِنکم و عَمِلوا الصالحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهم في الأرضِ کما استَخلَفَ الّذين مِن قبلِهم - إلي قوله - فاُولئک هُمُ الفاسقون». [18] .

يقول: أستخلفکم لعِلمي وديني وعبادتي بعد نبيّکم کما استخلف وصاة آدم من بعده حتّي يبعث النّبي الّذي يليه «يَعبُدُونَني لا يُشرِکون بي شيئاً» [19] يقول: يعبدونني بالايمان لا نبي بعد محمّد صلي الله عليه وآله، فمن قال غير ذلک «فاُولئک هُمُ الفَاسِقون»، فقد مکّن ولاة الأمر بعد محمّد صلي الله عليه وآله بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدّقناکم فأقرّوا وما أنتم بفاعلين.

أمّا علمنا فظاهر، وأمّا ابان أجلنا الّذي يظهر فيه الدّين منّا حتّي لا يکون بين الناس اختلاف، فإنّ له أجلاً من ممرّ الليالي والأيّام، إذا أتي ظهر وکان الأمر واحداً. وأيم اللَّه لقد قضي الأمر أن لا يکون بين المؤمنين اختلاف، ولذلک جعلهم شهداء علي الناس ليشهد محمّدصلي الله عليه وآله علينا،ولنشهد علي شيعتنا،وليشهد شيعتناعلي الناس.

أبي اللَّه عزّوجلّ أن يکون في حکمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: فضل إيمان المؤمن بحمله إنّا أنزلناه وتفسيرها علي من ليس مثله في الإيمان بها، کفضل الإنسان علي البهايم، وإنّ اللَّه عزّوجلّ ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا نَکال عذاب الآخرة لمن علم أ نّه لا يتوب منهم ما يدفع بالمجاهدين علي القاعدين، ولا أعلم أنّ في هذا الزمان جهاداً إلّا الحجّ والعمرة والجوار.

قال: وقال رجل لأبي جعفر عليه السلام: يابن رسول اللَّه لا تغضب عليّ، قال: لماذا؟ قال: لما اُريد أن أسألک عنه، قال: قل، قال: ولا تغضب؟ قال: ولا أغضب.

قال: أرأيت قولک في ليلة القدر وتنزّل الملائکة والروح فيها إلي الأوصياء يأتونهم بأمر لم يکن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله قد علمه، وقد علمت أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله مات وليس من علمه شي ء إلّا وعليّ عليه السلام له واعٍ.

قال أبو جعفر عليه السلام: ما لي ولک أيّها الرجل ومَن أدخلک عليّ؟!

قال: أدخلني عليک القضاء لطلب الدّين.

قال: فافهم ما أقول لک: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله لمّا اُسري به ولم يهبط حتّي أعلمه اللَّه جلّ ذِکره عِلم ما قد کان وما سيکون، وکان کثيراً من علم ذلک جُملاً يأتي تفسيرها في ليلة القدر، وکذلک کان عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد علم جُمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر، کما کان مع رسول اللَّه صلي الله عليه وآله.

قال السائل: أو ما کان في الجُمل تفسيره؟

قال: بلي، ولکنّه إنّما يأتي بالأمر من اللَّه تبارک وتعالي في ليالي القدر إلي النّبيّ صلي الله عليه وآله وإلي الأوصياء: افعل کذا وکذا، لأمر قد کانوا علموه اُمروا کيف يعملون فيه.

قلت: فسّر لي هذا.

قال: لم يمت رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إلّا حافظاً لجملة العلم وتفسيره.

قلت: فالذي کان يأتيه في ليالي القدر عِلم ما هو؟

قال: الأمر واليسر فيما کان قد علم.

قال السائل: فيما يحدث لهم في ليالي القدر عِلم سوي ما علموا؟

قال: هذا مما اُمروا بکتمانه، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلّا اللَّه عزّوجلّ.

قال السائل: فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟

قال: لا، قال: وکيف يعلم وصيّ غير علم أوصي إليه؟

قال السائل: فهل يسعنا أن نقول أنّ أحداً من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟

قال: لا، لم يمت نبيّ إلّا وعلمه في جوف وصيّه، وإنّما تنزّل الملائکة والروح في ليلة القدر بالحکم الّذي يحکم به بين العباد.

قال السائل: وما کانوا علموا بذلک الحکم؟

قال: بلي قد علموه، ولکنّهم لا يستطيعون إمضاء شي ء منه حتّي يؤمروا في ليالي القدر کيف يصنعون إلي السنة المقبلة.

قال السائل: ياأبا جعفر لا أستطيع إنکار هذا؟

قال أبو جعفر عليه السلام: من أنکره فليس منّا!

قال السائل: ياأبا جعفر، أرأيت النبيّ، هل کان يأتيه في ليالي القدر شي ء لم يکن علمه؟

قال: لا يحلّ لک أن تسأل عن هذا، أمّا علم ما کان وما يکون، فليس يموت نبيّ ولا وصيّ إلّا والوصيّ الّذي بعده يعلمه، أمّا هذا العلم الّذي تسأل عنه، فإنّ اللَّه عزّوجلّ أبي أن يطلع الأوصياء عليه إلّا أنفسهم.

قال السائل: يابن رسول اللَّه، کيف أعرف أنّ ليلة القدر تکون في کلّ سنة؟

قال: إذا أتي شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في کلّ ليلة مائة مرّة، فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين، فانّک ناظر إلي تصديق الّذي سألت عنه.

قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: لما ترون مَن بعثه اللَّه عزّوجلّ للشقاء علي أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأرواحهم أکثر ممّا ترون مع خليفة اللَّه الّذي بعثه للعدل والصواب من الملائکة.

قيل: ياأبا جعفر، وکيف يکون شي ء أکثر من الملائکة؟

قال: کما يشاء اللَّه عزّوجلّ.

قال السائل: ياأبا جعفر، إنّي لو حدّثتُ بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لأنکروه.

قال: کيف ينکرونه؟

قال: يقولون: إنّ الملائکة أکثر من الشياطين.

قال: صدقت، إفهم عنّي ما أقول لک، إنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة، وتزور أئمّة الهدي عددهم من الملائکة، حتّي إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائکة إلي وليّ الأمر خلق اللَّه، أو قال: قَيّض اللَّه عزّوجلّ من الشياطين بعددهم، ثمّ زاروا وليّ الضلالة فأتوه بالأفک والکذب، حتّي لعلّه يصبح فيقول: رأيت کذا وکذا، فلو سئل وليّ الأمر عن ذلک، لقال رأيت شيطاناً أخبرک بکذا وکذا، حتّي يفسّر له تفسيراً ويعلمه الضلالة الّتي هو عليها.

وأيم اللَّه إنّ من صدّق بليلة القدر لَيعلم أ نّها لنا خاصّة، لقول رسول اللَّه صلي الله عليه وآله لعليّ عليه السلام حين دنا موته: هذا وليّکم من بعدي، فإن أطعتموه رشدتم، ولکنّ من لا يؤمن بما في ليلة القدر منکر، ومن آمن بليلة القدر ممّن علي غير رأينا فإنّه لا يسعه في الصدق إلّا أن يقول انّها لنا، ومن لم يقل فإنّه کاذب، إنّ اللَّه عزّوجلّ أعظم من أن ينزِّل الأمر مع الروح والملائکة إلي کافر فاسق، فإن قال إنّه ينزل إلي الخليفة الّذي هو عليها، فليس قولهم ذلک بشي ء، وإن قالوا: إنّه ليس ينزل إلي أحد فلا يکون أن ينزل شي ء إلي غير شي ء، وان قالوا وسيقولون: ليس هذا بشي ء، فقد ضلّوا ضلالاً بعيداً. [20] .


پاورقي

[1] تأويل الآيات الظاهرة 2 : 821-820 ح 9.

[2] کمال الدّين 1: 281-280 ح 30.

[3] بصائر الدرجات 240 ح 2.

[4] نفس المصدر ح 3.

[5] الدخان: 4.

[6] بصائر الدرجات 241 ح 4.

[7] بصائر الدرجات 241 ح 5.

[8] نفس المصدر 242 ح 9.

[9] نفس المصدر 243-242 ح 12.

[10] بصائر الدرجات 244 ح 15.

[11] نفس المصدر 245 ح 17.

[12] الکافي 248:1 ح 3.

[13] تفسير القمّيّ 2 : 432-431.

[14] تفسير القمّيّ 431:2.

[15] الأنفال: 25.

[16] آل عمران: 144.

[17] تفسير البرهان 488:4 ح 29.

[18] النور: 55.

[19] النور: 55.

[20] تفسير البرهان 4 : 485-484 ح 7.