تشبيه غيبة المهدي بغيبات عيسي


134 - روي العلّامة البيّاضي رحمه الله قال: أسند الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ، إلي سُدير الصيرفيّ، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبان بن تغلب علي الصادق عليه السلام فقال: إنّ اللَّه تعالي إذا آن لقائمنا، قدّر ثلاثة لثلاثة: قدّر مولده بمولد موسي، وغيبته بغيبة عيسي، وإبطاءه بإبطاء نوح، وجعل له بعد ذلک عمر العبد الصالح - يعني الخضر - دَليلاً علي عمره. ثمّ قال بعد ذلک: وأمّا غيبة عيسي، فإنّ الکتابيين اتّفقوا علي قتله، فکذّبهم اللَّه بقوله: «وما قتلوه» وغيبة القائم تنکرها الأمّة لطولها، فمِن قائل لم يُولد، وقائل وُلد ومات، وقائل إنّ حادي عشرنا کان عقيماً، وقائل يتعدّي الأمر عن اثني عشر، وقائل: إنّ روح القائم تنطق في هيکل غيره. [1] .

135 - وروي الصدوق بإسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: کان بين عيسي وبين محمّد صلي الله عليه وآله خمسمائة عام منها مائتان وخمسون عاماً ليس فيها نبيٌّ ولا عالِمٌ ظاهر، قلت: فما کانوا؟ قال: کانوا متمسّکين بدين عيسي عليه السلام، قلت: فما کانوا؟ قال: کانوا مؤمنين، ثمّ قال عليه السلام: ولا يکون الأرض إلّا وفيها عالِم.

وکان ممّن ضرب في الأرض لطلب الحجّة سلمان الفارسيّ رضي الله عنه فلم يزل ينتقل من عالم إلي عالم، ومن فقيه إلي فقيه، ويبحث عن الأسرار و يستدلّ بالاخبار منتظراً لقيام القائم سيّد الأوّلين والآخرين محمّد صلي الله عليه وآله أربعمائة سنة حتّي بُشّر بولادته، فلمّا أيقن بالفرج، خرج يريد تهامة فسُبي. [2] .

الآية الثانية و العشرون قوله تعالي: «و إن مِن أهل الکتاب إلّا ليُؤمننّ به قبلَ مَوته ويوم القيامة يکون عليهم شهيداً». [3] .

136 - عليّ بن إبراهيم القميّ رحمه الله بإسناده عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجّاج: يا شهر آية في کتاب اللَّه قد أعيتني، فقلت: أيّها الأمير أيّة آية هي؟ فقال: قوله: «وإن مِن أهل الکتاب إلّا ليؤمننّ به قبل مَوته» واللَّهَ إنّي لأمرّ باليهوديّ والنصرانيّ، فيضرب عنقه، ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّک شفتيه حتّي يخمد، فقلت: أصلح اللَّه الأمير ليس علي ما تأوّلتَ، قال: کيف هي؟ قلت: إنّ عيسي ينزل قيل يوم القيامة إلي الدنيا، فلا يبقي أهل ملّة يهوديّ ولا غيره (نصرانيّ) إلّا آمن به قبل موته، ويُصلّي خلف المهدي. قال: ويَحک.. أ نّي لکَ هذا ومن أين جئت به؟ فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام. فقال: جئتَ بها - واللَّه - من عين صافية. [4] .

137 - روي الطبريّ بإسناده عن ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: «وإن مِن أهل الکتاب إلّا ليؤمننّ به قبل مَوته» قال: إذا نزل عيسي ابن مريم فقتل الدجّال، لم يبقَ يهوديّ في الأرض إلّا آمن به. قال: وذلک حين لا ينفعهم الإيمان. [5] .

قال العلّامة البيّاضيّ رحمه الله في رجعة عيسي عليه السلام في زمان المهدي عليه السلام: ثمّ نرجع ونقول: عيسي أيضاً حيٌّ إلي الآن، قال الضحّاک وجماعة أيضاً من مفسّري المخالف في قوله تعالي: «إنّي متوفّيک و رافِعُک إليَّ» [6] أي بعد إنزالک من السماء، وقال الکلبيّ والحسن وابن جريح: رافعک من الدنيا إليّ من غير موت.

ويؤکّد ذلک ما رواه الفرّاء في کتابه «شرح السنّة» وأخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحهما، عن أبي هريرة، قول انبيّ صلي الله عليه وآله: کيف أنتم إذا نزل ابنُ مريم فيکم وإمامکم منکم؟

وفي تفسير: «وإن مِن أهل الکتاب إلّا ليُؤمننّ به قبل مَوته» قال ابن المرتضي: قال قومٌ: الهاء في «موته» کناية عن عيسي، أي قبل موت عيسي عند نزوله من السماء في آخر الزمان، فلا يبقي أحد إلّا آمن به، حتّي يکون به الملّة واحدة ملة الإسلام، ويقع الأمنة في الناس، حتّي ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان مع الحيّات. [7] .

الآية الثالثة و العشرون قوله عزّوجلّ: «ورُسُلاً قد قَصَصناهم عَليکَ مِن قَبلُ و رُسُلاً نَقصُصهم عليک وکَلّمَ اللَّه مُوسَي تکليماً». [8] .

138 - روي الصدوق رحمه الله بإسناده عن عبد الحميد بن ابي الديلم قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: يا عبد الحميد إنّ للَّه رسلاً مستعلنين و رُسلاً مستخفين، فإذا سألته بحقّ المستعلنين فَسَلْهُ بحقّ المستخفين.

وتصديق ذلک من الکتاب قوله: «ورُسلاً قد قَصَصناهم عليک مِن قبل ورُسلاً لم نقصصهم عليک وکلّم اللَّه موسي تکليماً» فکانت رسل اللَّه تعالي کذلک من وقت وفاة آدم عليه السلام إلي وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلمّا کان وقت کون إبراهيم عليه السلام، ستر اللَّه شخصه وأخفي ولادته، لأنّ الامکان في ظهور الحجّة کان متعذّراً في زمانه، وکان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستتراً لأمره، وکان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملکته في طلبه، إلي أن دلّهم إبراهيم عليه السلام علي نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغَيبة أمدها، ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده اللَّه في إثبات حجّته واکمال دينه، فلمّا کان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام، کان له أوصياء حُججاً للَّه عزّوجلّ في أرضه يتوارثون الوصيّة، کذلک مستعلنين ومستخفين إلي وقت کون موسي عليه السلام، فکان فِرعون يقتل أولاد بني اسرائيل في طلب موسي عليه السلام الّذي قد شاع من ذِکره وخبر کونه، فستر اللَّه ولادته، ثمّ قذفت به أمّه في اليمّ کما أخبر اللَّه عزّوجلّ: «فالتَقَطه آلُ فِرعَون» [9] وکان موسي عليه السلام في حِجر فرعون يربّيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني اسرائيل في طلبه، ثمّ کان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلّهم علي نفسه ما قد قصّه اللَّه عزّوجلّ في کتابه، فلمّا کان وقت وفاة موسي عليه السلام کان له أوصياء حُججاً للَّه کذلک مستعلنين ومُستخفين إلي وقت ظهور عيسي عليه السلام.

فظهر عيسي عليه السلام في ولادته، مُعلناً لدلالته، مُظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه غير مُخفٍ لنفسه، لأنّ زمانه کان زمان إمکان ظهور الحجّة کذلک.

ثمّ کان له من بعده أوصياء حُججاً للَّه عزّوجلّ کذلک مُستعلنين ومُستخفين إلي وقت ظهور نبيّنا صلي الله عليه وآله، فقال اللَّه عزّوجلّ له في الکتاب: «ما يُقال لَکَ إلّا ما قد قيل للرُّسُل مِن قبلک» [10] ثمّ قال عزّوجلّ: «سُنّةَ من قد أرسَلنا قبلک مِن رُسلنا» [11] ، فکان ممّا قيل له ولزم من سُنته علي ايجاب سُنن من تقدّمه من الرسل، اقامة الاوصياء له کإقامة مَن تقدّمه لاوصيائهم، فأقام رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أوصياء کذلک، وأخبر بکون المهدي خاتم الائمة عليهم السلام، وأ نّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً، ونقلت الامة ذلک بأجمعها عنه.

وأنّ عيسي عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلّي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام، إلي وقت ولادة صاحب زماننا عليه السلام المنتظر للقسط والعدل، کما أوجبت الحکمة باستقامة التدبير غيبة من ذکرنا من الحجج المتقدّمة بالوجود.

وذلک أنّ المعروف المتسالَم بين الخاصّ والعامّ من أهل هذه الملّة أنّ الحسن بن عليّ والد صاحب زماننا عليهم السلام قد کان وکّل به طاغية زمانه الي وقت وفاته، فلمّا توفي عليه السلام وکّل بحاشيته وأهله، وحُبست جواريه وطُلب مولوده هذا أشدّ الطلب، وکان احد المتولّين عليه عمّه جعفر أخو الحسن بن عليّ بما ادّعاه لنفسه من الإمامة، ورجا أن يتمّ له ذلک بوجود ابن اخيه صاحب الزمان عليه السلام، فَجَرَت السُنّة في غَيبته بما جري من سُنن غيبة مَن ذکرنا من الحجج المتقدمة، ولزم من حکمة غيبته عليه السلام ما لزم من حکمة غيبتهم. [12] .


پاورقي

[1] الصراط المستقيم 227:2.

[2] کمال الدّين 161:1.

[3] النساء: 159.

[4] تفسير القمّيّ 158:1؛ بحارالأنوار 34914.

[5] تفسير الطبريّ 14:6.

[6] آل عمران: 55.

[7] الصراط المستقيم 222:2.

[8] النساء: 164.

[9] القصص: 7.

[10] فصّلت: 43.

[11] الإسراء: 77.

[12] کمال الدّين 21:1.