کلام للشيخ الصدوق


قال الشيخ الصدوق رضي الله عنه: وتصديق قولنا إنّ الإمام يُحتاج إليه لبقاء العالم علي صلاحه أنّه ما عذب اللَّه عزّوجلّ أمّة إلّا و أمر نبيّها بالخروج من بين أظهرهم، کما قال اللَّه عزّوجلّ في قصة نوح عليه السلام: «حتّي إذا جاءَ أمرُنا و فارَ التنوّرُ قُلنا احمِل فيها مِن کلٍّ زَوجَين اثنَين و أهلَکَ إلّا مَن سَبَقَ عليه القَولُ». [1] .

وأمره اللَّه عزّوجلّ أن يعتزل عنهم مع أهل الإيمان به ولا يبقي مختلطاً بهم، وقال عزّوجلّ: «ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون». [2] .

وکذلک قال عزّوجلّ في قصّة لوط عليه السلام: «فأسر بأهلِک بقِطْعٍ من الليل ولا يَلتَفِتْ مِنکم أحَدٌ إلّا امرأتک إنّه مُصيبُها ما أصابهم». [3] .

فأمره اللَّه عزّوجلّ بالخروج من بين أظهرهم قبل أن يَنزل العذاب بهم، لأنّه لم يکن جلّ وعزّ لينزل عليهم ونبيّه لوط عليه السلام بين أظهرهم، وهکذا أمر اللَّه عزّوجلّ کلّ نبيّ أراد هلاک أمّته أن يعتزلها، کما قال إبراهيم عليه السلام مخوّفاً بذلک قومه: «وأعتزلکم وما تدعون من دون اللَّه وأَدعُوا رَبِّي عَسي ألّا أکون بِدُعاء ربّي شَقيّاً - فلمّا اعتَزَلهم و ما يَعبُدون مِن دُون اللَّه». [4] .

أهلک اللَّه عزّوجلّ الّذين کانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم، وجعلهم الأسفلين، ونجّاه ولوطاً کما قال اللَّه تعالي: «وَنَجَّيناه ولُوطاً إلي الأرضِ الّتي بَارَکنا فيها للعالَمين». [5] .

ووهب اللَّه جلّت عظمته لابراهيم إسحاق ويعقوب، کما قال عزّوجلّ: «وَوَهَبنا له إسحقَ و يَعقوبَ نافِلة و کلاً جَعَلنا صالِحِين» [6] وقال اللَّه عزّوجلّ لنبيّه محمّد صلي الله عليه وآله: «وما کان اللَّه لِيُعذّبهم و أنت فيهم». [7] .

وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجّة في الانتفاع بالحجة الغائب عليه السلام، وذلک انّ القلب غائب عن سائر الجوارح لا يُري بالعين ولا يشم بالأنف ولا يذاق بالفم ولا يلمس باليد، وهو مدّبر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها علي صلاحها، ولو لم يکن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها فاحتيج إلي القلب لبقاء الجوارح علي صلاحها کما احتيج إلي الإمام لبقاء العالم علي صلاحه، ولا قوّة إلّا باللَّه. وکما يعلم مکان القلب من الجسد بالخبر، فکذلک يعلم مکان الحجّة الغائب عليه السلام بالخبر، وهو ما ورد عن الأئمّة عليهم السلام من الاخبار في کونه بمکّة وخروجه منها في وقت ظهوره، ولسنا نعني بالقلب المضغة الّتي من اللحم، لأنّ بها لا يقع الانتفاع للجوارح، وإنّما نعني بالقلب اللطيفة الّتي جعلها اللَّه عزّوجلّ في هذه المضغة لا تدرک بالبصر وان کشف عن تلک المضغة، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلّا بالعلم بها لحصول التمييز واستقامة التدبير من الجوارح، والحجّة بتلک اللطيفة علي الجوارح قائمة ماوجدت، والتکليف لها لازم مابقيت، فإذا عدمت تلک اللطيفة انفسد تدبير الجوارح. فکما يجوز أن يحتجّ اللَّه عزّوجلّ بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواس، علي الجوارح، فکذلک جائز أن يحتجّ عزّوجلّ علي جميع الخلق بحجّة غائب عنهم، وبه يدفع عنهم، وبه يرزقهم، وبه ينزل عليهم الغيث، ولا قوة إلّا باللَّه. [8] .

الآية الثالثة قوله تعالي: «وقاتِلوهم حتّي لا تکون فِتنة ويَکون الدّين کلُّه للَّه فإن انتَهَوا فإنّ اللَّه بما يَعملون بَصير». [9] .

241 - قال المفضّل (في حديث طويل له عن الامام الصادق عليه السلام:) يا مولاي فما تأويل قوله تعالي: «لِيُظهِرَه علي الدّين کُلّه و لو کَرِه المشرکون»؟ [10] .

قال عليه السلام هو قوله تعالي: «وقاتِلوهم حتّي لا تکون فِتنة ويکون الدِّين کُلُّه للَّه»، فواللَّه يا مفضل ليرفع عن الملل والاديان الاختلاف، ويکون الدّين کلّه واحداً کما قال جلّ ذکره: «إنّ الدّينَ عِند اللَّهِ الإسلامُ». [11] .

وقال اللَّه: «ومَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلام دِيناً فلن يُقبَلَ مِنه وهو في الآخرةِ من الخاسِرين». [12] .

وفي الحديث نفسه:

قال المفضل: يامولاي فقوله: «لِيُظهِرَه علي الدِّين کُلّه» ما کان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ظهر علي الدّين کلّه؟ قال: يا مفضل لو کان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ظهر علي الدّين کلّه، ما کانت مجوسيّة ولا يهوديّة ولا صابئيّة ولا نصرانيّة، ولا فُرقة ولا خلاف ولا شکّ ولا شرک ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا اللّات والعزّي، ولا عبدة الشمس والقمر، ولا النجوم، ولا النار ولا الحجارة، وإنّما قوله: «لِيُظهِره علي الدِّين کلّه» في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة، وهو قوله: «وقاتِلوهم حتّي لاتکون فِتنة ويکون الدِّين کلّه للَّه».

فقال المفضل: أشهد أ نّکم مِن علم اللَّه علمتم، وبسلطانه وبقدرته قدرتم، وبحکمه نطقتم، وبأمره تعملون... الحديث. [13] .

242 - روي الشيخ هاشم بن سليمان في کتاب «المحجّة» قال: روي محمّد بن مسلم قال: قلت للباقر صلي الله عليه وآله: تأويل قوله تعالي في الأنفال: «وقاتِلوهم حتّي لا تکونَ فِتنة ويکون الدِّين کلّه للَّه». قال: لم يجي ء تأويل هذه الآية، فإذا جاء تأويلها يقتل المشرکون حتّي يوحّدوا اللَّه عزّوجلّ، وحتّي لا يکون شرک، وذلک في قيام قائمنا. [14] .

243 - محمّد بن يعقوب: عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قوله اللَّه عزّوجلّ: «وقاتِلوهم حتّي لا تکون فِتنة ويکون الدِّين کلّه للَّه» فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو جاء تأويلها لم يقبل منهم، ولکنّهم يقتلون حتّي يوحّدوا اللَّه عزّوجلّ، وحتّي لا يکون شرک. [15] .

244 - العيّاشيّ بإسناده عن زرارة: قال: قال أبو جعفر عليه السلام سئل عن قوله تعالي: «وقاتِلوا المُشرِکين کافّة کما يُقاتِلونکم کافّة» [16] ، «حتّي لا تکون فِتنة ويکون الدِّين کلُّه للَّه» فقال: إنّه لم يجي تأويل هذه الآية، ولو قدم قام قائمنا عليه السلام بعد، سيري من يدرکه ما يکون من تأويل هذه الآية، وليبلغنّ دين محمّد ما بلغ الليل، حتّي لا يکونن شرک علي ظهر الأرض کما قال اللَّه. [17] .

245 - الطبرسيّ في مجمع البيان في قوله تعالي «وقاتِلوهم حتّي لا تکون فِتنة ويکون الدِّين کلّه للَّه»قال: روي زرارة وغيره عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أ نّه قال: لم يجي تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد، سيري من يدرکه ما يکون من تأويل هذه الآية، ليبلغنّ دين محمّد صلي الله عليه وآله ما بلغ الليل حتّي لا يکون مشرک علي وجه الأرض. [18] .

246 - العيّاشيّ بإسناده عن عبد الأعلي الحلبيّ، قال: قال: أبو جعفر عليه السلام: يکون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب، ثمّ أومأ بيده إلي ناحية ذي طوي، حتّي إذا کان قبل خروجه بليلتَين انتهي المولي الّذي يکون بين يدَيه حتّي يلقي بعض أصحابه، فيقول: کم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً، فيقول: کيف أنتم لو قد رأيتم صاحبکم؟ فيقولون: واللَّه لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه، ثمّ يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلي ذوي أسنانکم وأخيارکم عشرة، فيشيرون له إليهم، فينطلق بهم حتّي يأتون صاحبهم، ويعدهم إلي الليلة الّتي تليها.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: واللَّه لکأ نّي أنظر إليه وقد أسند ظهره إلي الحجر، ثمّ ينشد اللَّه حقّه، ثمّ يقول: يا أيّها الناس من يحاجّني في اللَّه فأنا أولي الناس باللَّه، ومن يحاجّني في آدم فأنا أولي بآدم عليه السلام، يا أيّها الناس من يحاجّني في نوح، فأنا أولي الناس بنوح عليه السلام، يا أيّها الناس من يحاجّني في موسي فأنا أولي الناس بموسي عليه السلام، يا أيّها الناس من يُحاجّني في عيسي،فأنا أولي الناس بعيسي عليه السلام، يا أيّها الناس من يحاجّني في محمّد، فأنا أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه وآله، يا أيّها الناس من يحاجّني في کتاب اللَّه فأنا أولي الناس بکتاب اللَّه.

ثمّ ينتهي إلي المقام فيصلّي عنده رکعتين ثمّ ينشد اللَّه حَقَّهُ.

قال أبو جعفر عليه السلام: هو واللَّه المضطّر في کتاب اللَّه، وهو قول اللَّه: «أمّن يُجيب المُضطرّ إذا دَعاه و يَکشف السوء و يَجعلکم خُلفاء الأرض» [19] وجبرئيل علي الميزاب في صورة طائر أبيض، فيکون أوّل خلق اللَّه يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً...(الحديث وفي نهايته): ثمّ يرجع إلي الکوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلي الآفاق کلّها، فيمسح بين أکتافهم وعلي صدورهم فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقي في الأرض قرية إلّا نودي فيها شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريک له وأنّ محمّداً رسول اللَّه صلي الله عليه وآله، وهو قوله: «وله أسلّم مَن في السموات والأرض طَوعاً وکَرهاً و إليه تُرجَعون» ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية کما قبلها رسول اللَّه صلي الله عليه وآله، وهو قول اللَّه: «وقاتِلوهم حتّي لاتکون فِتنة ويکون الدِّين کُلُّه للَّه».

قال أبو جعفر عليه السلام: يقاتلون واللَّهِ حتّي يوحّد اللَّه ولا يشرک به شيئاً، وحتّي تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويُخرج اللَّه من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم علي رقابهم إلي المهدي عليه السلام، ويوسّع اللَّه علي شيعتنا، ولولا ما ينجز لهم من السعادة لبغوا فتنة، فبينا صاحب هذا الأمر قد حکم ببعض الأحکام، يتکلّم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين، فيأتون بهم أسري ليأمر بهم فيُذبحون، وهو آخر خارجة تخرج علي قائم آل محمّد عليه السلام. [20] .

الآية الرابعة قوله تعالي: «والّذين آمَنوا مِن بَعدُ وهَاجَروا و جَاهَدوا معکم فأولئک مِنکم و أُولوا الأرحامِ بعضُهم أَولي ببَعضٍ في کتابِ اللَّه إنّ اللَّه بِکُلّ شَي ءٍ عليم». [21] .


پاورقي

[1] هود: 43.

[2] هود: 40.

[3] هود: 84.

[4] مريم: 50 و 51.

[5] الأنبياء: 72.

[6] الأنبياء: 72.

[7] الأنفال: 33.

[8] کمال الدّين 1 : 210-209.

[9] الأنفال: 39.

[10] التوبة: 33؛ الصفّ: 9.

[11] آل عمران: 19.

[12] آل عمران: 35.

[13] الهداية الکبري 82-74؛ مختصر بصائر الدرجات 179-178.

[14] المحجّة 78.

[15] روضة الکافي 201؛ المحجّة 78.

[16] التوبة: 36.

[17] تفسيرالعيّاشيّ 56:2 ح 48؛ بحارالأنوار 55:51.

[18] تفسير مجمع البيان 543:4، ذيل الآية.

[19] النمل: 62.

[20] تفسير العيّاشيّ 61-56: 2 ح 49؛ الغَيبة للنعمانيّ 181 ح 30.

[21] الأنفال: 75.