البشرية بين اليأس و الأمل


تطالع البشرية أخبار الدمار العالمي والحروب الدولية والمؤامرات السياسية وانتهاک الحقوق، وتفاجأ بأخبار مروّعة في کل صباح ومساء، حيث أنها لتروّع لدي إخبارها بأن الکرة الأرضية قد حزمت بحزام متفجّر اسمه الخطر النووي والکيمائي والجرثومي، وأنواع هائلة ورهيبة من الأسلحة الفتاکة.

وتروّع أيضاً بأخبار اتساع الفجوة الحاصلة في غلاف الأوزون، وأن درجة حرارة الأرض والمحيط الجوي سترتفع إلي حدٍ تطغي فيه البحار علي اليابسة، أو تتضاعف لديه احتمالات وقوع الزلازل وانفجار البراکين، أو غير ذلک من أنباء الرعب والهلع؛ بل إن من الدراسات الاستراتيجية تؤکد بأن العالم – بما فيه العنصر البشري- سينتهي إلي وقت قريب، إذا ما استمرت وتيرة التدمير هذه، حيث الاستفادة غير المدروسة من النفط والغازات السامة واقتلاع الغابات التي خلقت لنفع الإنسان، الأمر الذي سيؤدي الي انقراضه من علي سطح الأرض.

إن مثل هذه الأخبار التي تطالع البشرية في کل صباح ومساء، تؤدي إلي انکماشها علي نفسها، وإلي يأسها من الحياة والحرکة، حتي أنها - في هذا الجو المفعم بالتطيّر والتشاؤم- ستتمني الموت قبل أن يحلّ بها، باعتبار ان القلب البشري المجبـول علي التقلـب والتحول يعجز عن الصمود بوجه موجات الرعب المشار إليها.

ولکن البشرية نفسها إذا طالعهـا قول الله سبحانه وتعالــي: [وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] (الانبياء/105) فحدثت نفسها وآمنت به علي اعتبار ان الله لن ينهي العالم إلاّ الي الخير والسعادة والصلاح، وأن هذه السفينة التي تعصف بها الأعاصير وتتقاذفها الأمواج العاتية سوف تعود الي المرفأ الآمن، وأنه من المتوقع بين لحظة وأخري حدوث المعجزة الإلهية الکبري، حتي ولو کان ذلک سيتحقق للأجيال القادمة فهي –البشرية- ستعيش حياة الأمل وواقع النشاط والحيوية، والإصرار علي تحدي اليأس والخضوع دون شک.

إذن؛ فالدعوة الإسلامية ينبغي أن تتوجه الي جميع الناس، بمن فيهم المسيحيون واليهود والکفار وعبدة الأوثان، وأن تصطبغ هذه الدعوة بصبغة التبشير بحقيقة أن الله عز وجل لم يخلق الخلق من الناس ليعذبهم أو ينهي وجودهم علي الأرض وهم تعساء. ولم يرض عن الظلمة والمترفين الذين يعيثون في الأرض الفساد. وذلک لأن الرب هو قائد العالم والمسيطر علي مقدّراته، فهو الرحمن الذي لا حدود لرحمته، وقد أبت هذه الرحمة والإرادة الإلهية أن يکون مصير الأرض بيد الظالمين، مهما أفسدوا.

لقد يتذکر العالم تطورات الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميرکية، وبين الشرق بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق، وکيف أن الأرض صارت آنذاک علي حافة حرب نووية، وذلک في أزمة خليج الخنازير المعروفة في عهد الرئيسين المتجبرين خروشوف وکندي في عقد الستينات، إذ هددت الولايات المتحدة بإعلان الحرب الذرية إذا ما لم يسحب الاتحاد السوفياتي صواريخه النووية من الأراضي الکوبية؛ الأراضي التي تعتبرها الولايات المتحدة حدوداً استراتيجية وأمنيةً لها. وهناک أزمات عالمية أخري قد لم تتابعها البشرية بصورة دقيقة، أو إنها لم تعلم بها أبداً. فيا تري من منع وحال دون وقوع الکارثة الکبري، لاسيما وأننا والعالم أجمع يعرف أن من يصنع مثل هذه الأسلحة المدمرة لا يمکن بحال من الأحوال ان يمتلک العقل الکافي والإرادة اللازمة لضبط النفس لدي هذه الأزمة وذلک التحدي الکبير، نظراً إلي أن الانفجارات النووية لا تعرف، أو لا تميز بين الطرف المهاجم أو الطرف المدافع، فالجميع سينتهي في حالة اندلاع الحرب النووية.

ولنضرب مثالين آخرين علي حقيقة ما نذهب إليه، وهما حادثة الغواصة الروسية الغارقة في بحر النرويج، والتي ظلت عالقة في قاع هذا البحر، حيث يجهل الجميع سبب تعطلها وغرقها، بل ويجهل الجميع مصير الصواريخ النووية التي تقلها. أما المثل الثاني فهو تعرض المدمرة الأميرکية للهجوم الانتحاري قرب ميناء عدن، وهي مدمرة نووية، کاد القارب الانتحاري أن يصطدم بها، وکادت أن تحل کارثة کبري ومأساة عالمية لو أن القارب المذکور قد اصطدم بها، لولا أنه قد تفجر علي بعد ما لا يزيد علي مسافة متر ونصف المتر منه.

وما بال العالم لو قرر مجنون من المجانين المسؤولين عن الأسلحة الذرية في هذه الدولة الکبري أو تلک، بالضغط علي أحد أزرار الرعب بداعي تخليص البشرية من عذابها وقلقها؟!!