رکائز النظام السياسي في الإسلام


بادئ بـدء أقـول: أنّ التعابيـر والألفاظ قـد تعددت في إطـار النظام السياسي في الإسلام، فتارة يسمي بولاية الفقيه أو الإمامة أو القيادة الإسلامية والدينية، وقد يسمي بولاية الله، وتعابير أخري لا تغير من المعني شيئاً.

إنّ الرکيزة الأولي لهذا النظام، هو عدم العلاقة بين الإيمان بوجود القيادة الإلهية للأمة وبين الإيمان بغيبة الإمام المهدي الموعود.

فالإيـمان بوجـود الإمام مرتبـط بصورة مباشرة بأصل الدين وفلسفته وحکمته؛ أي أن الإيمان بالنظام السياسي الإسلامي يعني الإيمان بوجود إمام مشرف، إشرافاً مباشراً علي المسيرة البشرية. إذن؛ فوجود الإمام أوسع من أن يکون مشاهداً أو غائباً عن الأنظار.

ونحن لم نصور الإيمان بالنظام الإسلامي، والإيمان بوجود الإمام بصورة واحدة، إلاّ لأننا تصفحنا الآيات القرآنية فوجدنا فيها قـولـه تعالي: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون» فعرفنا عبر هذه الآية حقائق عدة، منها:

1 - أن وجود الخلقة والخليقة قائم علي أساس الطاعة.

2 - أنّ مستوي العبادة تتفاوت درجاته بحسب تفاوت درجة العابدين.

3 - أنّ وجود غير العابدين من الجن والإنس يعتبر خطوة عاصية علي طريق تغيير حکمة الله في عملية الخلق، وهذا ما يجعل الحجة البالغة لله علي غير العابدين.

4 - بما أنّ درجة العبادة في تفاوت مستمر، فإنّ العابد الأصدق من شأنه أن يکون الأکثر قرباً الي الله تعالي، وبالتالي فإن الأعبد من بين الناس يأخذ الحصة الأکبر في حکمة الله في خلقته للمخلوقات، وأنه -الأعبد- کان سبباً لان يخلق الله الخلق من أجله.

5 - أنّ الأنبياء والرسل هم أعبد الناس، وأن نبينا محمد وآله من بعده صلوات الله عليهم أجمعين هم أعبد الصفوة من بيـن عبـاد الله. وبالتالي فإن أسـاس الخلقـة قـام علـي أساس وجود

ومنزلة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

6 - أن أولئک الذين يختصمون في مصداقية إمامة الحجة المنتظر ووجوده وغيبته سلام الله عليه، بعيدون عن معرفة حکمة الوجود ولماذا خلق الله سبحانه الکون، إلاّ الذين أبصروا حقائق الدين وقالوا بأنّ إمامة أهل البيت ووجود الإمام الغائب تمثل التعبير الأصدق لمقولة وجود النظام السياسي الإسلامي وولاية الله..

ومن هذا المنطلق الذي أکدته آيات القرآن والأحاديث والروايات الشريفة نتساءل عن أنّه هل من المعقول أن يخلق الله الخلق من أجل مجموعة من الأشخاص - وهو النبي وأوصياؤه من بعده- ثم يعمد الله أن يخلي الأرض منهم، حيث تبقي الدنيا دون أن تبقي الحکمة من خلقها؛ الحکمة التي تعني وجود النبي أو من ينوب عنه بالنص المباشر؟

بالتأکيد ليس من المعقول أبداً أن يحدث کلّ هذا. ولکنّ الذين في قلوبهم زيغ، والتابعون لما تشاء أهواؤهم، ومريدو الفتن والتأويل غير الصادق، إنّما أصلهم الله علي علم، وأصبح مثلهم بين الناس کمثل الغني الذي مات فقراً وجوعاً.

إذن؛ فهي نقمة کبري أن يؤمن الإنسان ثم يکفر فيطبع الله علي قلبه فلا يکون ممّن يفقه قيلاً.