مقدمة المؤلف


بسم الله الرحمن الرحيم

من الأمور التي لفتت نظري أثناء مطالعة الفکر السياسي عندنا أهل السنة بقاؤه علي سذاجته خلال کل العصور رغم تقدم الفکر الإسلامي في العلوم والطب والعمارة والفنون والإجتماع وغير ذلک من ضروب المعرفة، علي النحو المفصل في الکتب المعنية. وحين اطلعت أکثر، کدت أوقن أن ذلک لم يکن عيباً فينا بقدر ما کان رغبة في الحکومات التي حکمتنا باسم الإسلام، وسياسة مبرمجة للابقاء علي هذا الجمهور معصوب العينين، حتي لا يفهم، وإن کان قد سمح له أن يتقدم في غير ذلک من ضروب المعرفة، يعمل فيها عقله، ويري فيها رأيه.

ثم إني رأيت من تناولوا الحديث في مسائل السياسة عند هذا الجمهور لم يدخروا وسعاً في الحفاظ علي البَلَه السياسي الذي



[ صفحه 12]



عشش علي عقول القوم، بل أفرطوا في تقديس (ما ومن) لا يستحق التقديس، ربما عن اعتقاد منهم بذلک، وربما إرضاء للسلاطين، وهو ما أميل اليه، حتي رأينا عالماً کابن خلدون يبذ عصره ويفوق زمانه فيما يختص بآرائه في علم الإجتماع ويدون من النظريات ما سبق به علماء الغرب بقرون، لکنه - وفي نفس الوقت - يصل الي درجة من التخلف وهو يکتب عن مسائل علم السياسة يستحي منها کل عاقل، ثم ينسب ما کتبه الي الإسلام.

وقد دفعتني هذه الظاهرة الي استطلاع ما کتبه العلماء في مسألة واحدة من مسائل علم السياسة وهي: تعيين القيادة، أو انتاج الأمة لقيادتها فحسب، دون التطرق الي غير ذلک من أصول وفروع العلم السياسة.

ولما استسخفت ما هو مکتوب وما أريد لنا تقديسه بلانقاش، طالعت ما عند الشيعة، فليس تاريخ المسلمين ولا دينهم ولا کتابهم ولا نبيهم ورسالته حکراً علي فرقة دون أخري، حتي يحق لها وحدها أن تري فيه رأيها، وتسلطه في کثير من الأحيان علي کل المسلمين.



[ صفحه 13]



وانتهيت في هذه المسألة - تعيين القيادة في الأمة الإسلامية - الي آراء تختلف عما نشأت عليه في البيت والمدرسة والمسجد والمجتمع. ولا أزعم أني سکن ما بي، کما أني لا أريد أن ألزم الناس بما انتهيت إليه، خصوصاً وأن أشباه القناعات التي انتهيت اليها ثقلت بي حتي أمالتني إلي وجهة قد يحسها القاريء أو يراها رأي العين.

من هنا رأيت أن أدع هذا الکتاب يجد طريقه الي الناس عله يکون بداية سلسلة أبحاث جادة تنير الطريق، وتنزع البراقع السميکة التي فرضت علي وجه الحقائق دون شرع. أسأل الله العون والتوفيق.

د. أحمد عزالدين



[ صفحه 15]