المواصفات القرآنية لإمام الهدي


والمستفاد من تفسير الآيتين المتقدمتين أن الإمام المقصود يجب أن تتوفر فيه الصفات التي تؤهله للاحتجاج به علي قومه يوم القيامة مثل القدرة علي الهداية والأهلية لأن يکون اتّباعه موصلاً للهدي وتکون طاعته معبّرةً عن طاعة الله تبارک وتعالي، وأن يکون قادراً علي معرفة حقائق أعمال الناس وليس ظواهرها، أي أن يکون هادياً لقومه وشهيداً علي أعمالهم، الأمر الذي يستلزم أن يکون قادراً علي تلقي الهداية الإلهية وحفظها ونقلها للناس، کما يجب أن يکون أهلاً لأن يتفضل عليه الله عزّ وجلّ بعلم الکتاب والأسباب التي تؤهله لمعرفة حقائق أعمال الناس للشهادة بشأنها والاحتجاج به عليهم يوم القيامة. وسيأتي المزيد من التوضيح لذلک في الفقرتين اللاحقتين.

کما ينبغي أن يکون متحلياً بأعلي درجات العدالة والتُّقي لکي لا يخلّ بأمانة نقل الهداية الإلهية الي قومه، وکذلک لکي لا يحيف في شهادته عليهم يوم القيامة. أي أن يتحلي بدرجة عالية من العصمة، وهذا ما صرّح به القرآن



[ صفحه 60]



الکريم في قوله تعالي: (وإذْ ابتلي ابراهيم ربّه بکلمات فأتمهن قال إني جاعلک للناس إماماً قال: ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين). [1] فالإمامة «عهد» من الله تبارک وتعالي لا ينال من تلبس بظلم مطلقاً، ومعلومٌ أن ارتکاب المعاصي مصداق من مصاديق الظلم؛ لذا فالمؤهل للإمامة يجب أن يکون معصوماً.

وحيث إن الله تبارک وتعالي قد أقرَّ طلب خليله إبراهيم النبي(عليه السلام) في جعل الإمامة في ذريته ولم يقيّدها إلاّ بأنها لا تنال غير المعصومين، نفهم أن الذرية الابراهيمية لا تخلو من متأهل للإمامة الي يوم القيامة، وهذا ما يؤکده قوله عزّ وجلّ: (وجعلها کلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون) [2] .

ولما کانت الإمامة عهداً إلهياً، کان الإمام مختاراً لها من الله عزّ وجلّ ـ وهو الأعلم حيث يجعل رسالته ـ وهذا ما تؤکده الآيات الکريمة فقد نسبت جعل الإمام الي الله مباشرة ولم تنسبه لغيره کما هو واضحٌ في الآيتين المتقدمتين من سورتي الزخرف والبقرة وغيرهما. ويتحقق هذا الاختيار الإلهي لشخص معيّن للإمامة من خلال النص الصادر من ينابيع الوحي ـ القرآن والسنة ـ أو مَن ثبتت إمامته وعصمته، أو ظهور المعجزات الخارقة للعادة علي يديه حيث تثبت صحة ادعائه الإمامة.

إذن فإمام زماننا الذي دلّت آيتا سورة الاسراء علي حتمية وجوده يجب أن يکون هادياً لقومه وشهيداً علي أعمالهم ليصح الإحتجاج به يوم القيامة، وأن يکون معصوماً أو علي الأقل متحليّاً بدرجة عالية من العدالة تؤهله للقيام بمهمته في الهداية والشهادة؛ ومن الذرية الابراهيمية التي ثبت



[ صفحه 61]



بقاء الإمامة فيها، وأن يکون منصوصاً عليه من قبل الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) أو مَن ثبتت إمامته، أو أن يکون قد ظهرت علي يديه من المعجزات وأثبتت ارتباطه بالسماء وصحة ادعائه الإمامة.


پاورقي

[1] البقرة (2): 124.

[2] الزخرف (43): 28، ولاحظ قوله تعالي (ووهبنا له اسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيته النّبوة والکتاب)العنکبوت (29): 27.