في کل زمان إمام شهيد علي امته


قال تعالي: (فکيف إذا جئنا من کلّ اُمة بشهيد وجئنا بک علي هؤلاء شهيداً) [1] .

وقال: (ويومَ نبعث من کلّ اُمة شهيداً ثمّ لا يُؤذن للّذين کفروا ولا هم يُستعتبون) [2] .

وقال: (ويومَ نبعثُ في کل أُمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بک شهيداً علي هؤلاء...) [3] .

وقال: (ونزعنا من کلّ اُمّة شهيداً فقلنا هاتوا برهانکم فعلموا أنّ الحقّ لله وضلّ عنهم ما کانوا يفترون) [4] .

إن هذه الآيات الکريمة تتحدث عن الاحتجاج الإلهي علي البشر يوم القيامة، وهو الاحتجاج نفسه الذي لاحظناه في آيتي سورة الإسراء



[ صفحه 63]



المتقدمتين، وهي تدعم وتؤکد دلالتهما علي حتمية وجود إمام حق في کل عصر يحتج به الله جلّ وعلا علي أهل کل عصر «کل أمة، کل اُناس» فيما يرتبط بالهداية والضلال وانطباق أعمالهم علي الدين الإلهي القيم.

واضحٌ أن مقتضي کونه حجة لله علي خلقه أن يکون عالماً بالشريعة الإلهية من جهة لکي يکون قادراً علي هداية الخلق إليها وأن يکون بين أظهرهم للقيام بذلک، هذا أولاً، وثانياً أن يکون محيطاً بأعمال قومه لکي يکون شهيداً عليهم، أي يستطيع الشهادة يوم القيامة بشأن مواقفهم تجاه الدين القيم.

وواضح أن الشهادة المذکورة في هذه الآيات مطلقة، «وظاهر الجميع علي إطلاقها هو الشهادة علي أعمال الأمم وعلي تبليغ الرسل أيضاً» [5] وقد صرّح الزمخشري في الکشاف بذلک وقال: «لأن أنبياء الأمم شهداء يشهدون بما کانوا عليه» [6] ، وأن الشهيد: «يشهد لهم وعليهم بالايمان والتصديق والکفر والتکذيب». [7] والشهيد يجب أن يکون حياً معاصراً لهم غير متوفي کما يشير لذلک قوله تعالي علي لسان عيسي(عليه السلام): (وکنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلمّا توفّيتني کنت أنت الرّقيب عليهم وأنت علي کلّ شيء شهيد) [8] .

يُستفاد من هذه الآية أن إعلان نتاج الشهادة يکون في يوم القيامة لکن الإحاطة بموضوعها أي أعمال القوم يکون في الدنيا وخلال معاصرة الشهيد لاُمته لقوله تعالي: (وکنتُ عليهم شهيداً مادمتُ فيهم، فلمّا توفّيتني...)، لذلک يجب أن يکون الشهيد الذي يحتج به الله يوم القيامة معاصراً لمن يشهد عليهم، لذلک لا يمکن حصر الشهداء علي الأمم بالأنبياء(عليهم السلام) کما فعل الزمخشري



[ صفحه 64]



في تفسيره [9] ، بل يجب القول بأن في کل عصر شهيدٌ علي أعمال معاصريه، کما صرّح بذلک الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: «أما قوله تعالي: (ونزعنا من کل أمة شهيداً)، فالمراد ميّزنا واحداً ليشهد عليهم، ثم قال بعضهم هم الأنبياء يشهدون بأنهم بلّغوا القوم الدلائل وبلّغوا في إيضاحها کل غاية ليُعلم أن التقصير منهم أي من الناس فيکون ذلک زائداً في غمهم.

وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون علي الناس في کل زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء، وهذا أقرب لأنه تعالي عمَّ کل أُمة وکل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه الأحوال التي لم يُوجد فيها النبي وهي أزمنة الفترات والأزمنة التي حصلت بعد محمد(صلي الله عليه وآله) فعلموا حينئذ أن الحق لله ولرسوله...» [10] .

إذن فلابد من وجود شهيد علي الأمة في هذا العصر کما هو الحال في کل عصر، يؤيد ذلک استخدام آيتي سورة النساء والحج لاسم الإشارة «هؤلاء» في الحديث عن شهادة الرسول الأکرم محمد(صلي الله عليه وآله): (وجئنا بک شهيداً علي هؤلاء)إشاره الي معاصريه فيما يکون شهداء آخرون علي الأجيال اللاحقة [11] فمَن هو الشهيد علينا في هذا العصر؟! نعود الي الآيات الکريمة لمتابعة ما تحدده من الصفات الهادية الي معرفته والإجابة علي هذا التساؤل.


پاورقي

[1] النساء (4): 41.

[2] النحل (16): 84.

[3] النحل (16): 89.

[4] القصص (28): 75.

[5] تفسير الميزان: 1/32.

[6] تفسير الکشاف: 3/429.

[7] تفسير الکشاف: 2/626.

[8] المائدة (5): 117.

[9] تفسير الکشاف: 3/429.

[10] التفسير الکبير: 25/12 ـ 13. راجع في ذلک مجمع البيان: في ذيل الآية.

[11] التفسير الکبير: 25/12 ـ 13، وتفسير الکشاف: 2/628.