عصمة الإمام و توفر شروط الحديث


3 ـ إنّ معرفة مصداق «أهل بيتي وعترتي» في الحديث الشريف تبين صفة أخري للثقل الثاني هي تحلّيه بالعصمة کما هو واضح من دلالة آية التطهير المبارکة [1] ، وهذا ما ينسجم مع دلالة الحديث نفسه علي عصمة الثقل الثاني، فهو يؤکد عدم افتراق الثقلين أبداً وفي أي حال کما هو المستفاد من استخدام أداة «لن» التأبيدية، ومن الثابت أنّه لا باطل في القرآن ابداً، لذا فعدم افتراق الثقل الثاني عنه دالّ علي عصمته وإلاّ لافترق عن القرآن في حالات صدور الخطأ أو المعصية وکل مصاديق الباطل، وهذا ما ينفيه الحديث صراحةً الأمر الذي يدل علي عصمة العترة.

ويُضاف الي ذلک أن الأمر بالتمسک بهما معاً مطلق ـ کما هو واضح لأنه لم يُقيّد بشيء ـ؛ لذلک فهو يشمل مختلف الأحوال والأزمان، ولو جاز وقوع العترة بما يخالف العصمة لأدّي ذلک الي القول بأنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمر بالتمسک بها حتي في الحالات التي تقع في الخطأ وما يخالف القرآن، وهذا محال.



[ صفحه 85]



کما يتضح مما تقدم إخراج غير المعصومين من ذرية الرسول من مصداق الثقل الثاني المأمور بالتمسک به، يقول ابن حجر في دراسته لهذا الحديث: «ثم إن الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بکتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الکتاب الي الحوض ويؤيده الخبر السابق: «ولا تعلموهم فإنهم أعلم منکم» وتميزوا بذلک عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالکرامات الباهرة والمزايا المتکاثرة وقد مر بعضها» [2] .

وقد أثبت الواقع التأريخي انحصار توفر هذا الشرط بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) في الإمام علي والأحد عشر إماماً من أولاده وأولاد فاطمة بنت رسول الله أي من ذرية رسول الله (صلي الله عليه وآله)، کما نسب نبي الله عيسي الي ابراهيم من جهة البنت. فالإمامية مجمعون علي عصمتهم وسائر فرق أهل السنة مجمعة علي محبتهم ونزاهتهم ولم يدع أحد صدور أي شيء يخالف عصمتهم رغم حرص الحکومات المعاصرة لهم علي الحصول علي أي شيء من هذا القبيل کما هو ثابت تأريخياً أيضاً [3] .

4 ـ کما أن الأمر بالتمسک بالقرآن والعترة مطلقٌ زمانياً أيضاً کما هو واضحٌ من قوله (صلي الله عليه وآله): «من بعدي» دونما تقييد، فهو نافذ المفعول الي يوم القيامة لخلود الشريعة المحمدية حيث لا نبي بعده (صلي الله عليه وآله)، وحيث إن القرآن محفوظ من الله تبارک وتعالي، والعترة هي الثقل الملازم له الذي لن يفترق عنه، لذلک فهي محفوظة من الله تبارک وتعالي الي يوم القيامة أيضاً.



[ صفحه 86]



من هنا يتضح أن في هذا الحديث الشريف المتواتر نصاً صريحاً علي حتمية وجود ممثل لأهل بيت النبي وعترته (صلي الله عليه وآله) يتحلي بالعصمة وملازمة القرآن في کل عصر لکي يتمسک العباد به وبالذکر الإلهي المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة عملاً بوصية نبيهم الخاتم محمد (صلي الله عليه وآله)، وإلا لبطل مضمون هذا الحديث المتواتر الذي ثبت صدوره عمن لا ينطق عن الهوي.

فلابد إذن من وجود إمام معصوم من العترة النبوية في عصرنا الحاضر يکون مصداقاً للثقل الثاني ويکون التمسک به ممکناً. وقد تنبه لهذه الحقيقة والدلالة الواضحة في حديث الثقلين عدد من کبار علماء أهل السنة وصرح بعضهم بها، مثل ابن حجر الهيثمي حيث قال: وفي أحاديث الحث علي التمسک بأهل البيت إشارة الي عدم انقطاع متأهل منهم للتمسک به الي يوم القيامة کما أن الکتاب العزيز کذلک، ولهذا کانوا أماناً لأهل الأرض کما يأتي ويشهد لذلک الخبر السابق: «في کل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي...» [4] .


پاورقي

[1] راجع البحث القرآني الذي أورده العلامة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان، في تفسير الآية الکريمة ودلالاتها.

[2] الصواعق المحرقة: 151.

[3] راجع تراجمهم ـ سلام الله عليهم ـ فيما کتبه علماء الرجال من أهل السنة، وقد ألف العديد منهم کتباً خاصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، أمثال ابن طولون الدمشقي وغيره.

[4] الصواعق المحرقة: 151.