رسوخ الفکرة في الديانتين اليهودية و النصرانية


إن الإيمان بفکرة ظهور المصلح ثابت عند اليهود مدوّن في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم، وقد فصّل الحديث عن هذه العقيدة عند اليهود کثير من الباحثين المعاصرين خاصةً في العالم الغربي مثل جورج رذرفورد في کتابه «ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً»، والسناتور الأميرکي بول منزلي في کتابه (من يجرؤ علي الکلام) والباحثة غريس هالسل في کتابها «النبوءة والسياسة». وغيرهم کثير [1] .

فکل مَن درس الديانة اليهودية التفت الي رسوخ هذه العقيدة فيها. والنماذج التي ذکرناها آنفاً من هذه الدراسات اختصت بعرض هذه العقيدة بالذات عند اليهود والآثار السياسية التي أفرزتها نتيجة لتحرک اليهود انطلاقاً من هذه العقيدة، وفي القرون الأخيرة خاصة بهدف الاستعداد لظهور المنقذ العالمي الذي يؤمنون به.

وسبب هذا التحرک هو أن عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل علي تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذ العالمي؛ الذي يبدأ من عام (1914) للميلاد ـ وهو عام تفجر الحرب العالمية الاُولي کما هو معروف ـ، ثم عودة



[ صفحه 24]



الشتات اليهودي الي فلسطين وإقامة دولتهم التي يعتبرونها من المراحل التمهيدية المهمة لظهور المنقذ الموعود، ويعتقدون بأن العودة الي فلسطين هي بداية المعرکة الفاصلة التي تنهي وجود الشر في العالم ويبدأ حينئذ حکم الملکوت في الأرض لتصبح الأرض فردوساً» [2] .

وبغض النظر عن مناقشة صحة ماورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلاّ أن المقدار الثابت هو أنها فکرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مکّنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ أن تقيم علي أساسها تحرکاً استراتيجياً طويل المدي وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفکار والاتجاهات، ونجحت في تجميع جهودها وتحريکها باتجاه تحقيق ما صوّره قادة اليهودية لأتباعهم بأنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.

وواضح أنّ الايمان بهذه العقيدة لو لم يکن راسخاً ومستنداً الي جذور عميقة في التراث الديني اليهودي لما کان قادراً علي إيجاد مثل هذا التحرک الدؤوب ومن مختلف الطاقات والاتباع، فمثل هذا لا يتأتي من فکرة عارضة أو طارئة لا تستند الي جذور راسخة مجمع عليها.

کما آمن النصاري بأصل هذه الفکرة استناداً الي مجموعة من الآيات والبشارات الموجودة في الإنجيل والتوراة. ويصرح علماء الإنجيل بالايمان بحتمية عودة عيسي المسيح في آخر الزمان ليقود البشرية في ثورة عالمية کبري يعم بعدها الأمن والسلام کل الأرض کما يقول القس الالماني فندر في کتابه «ميزان الحق» [3] وأنه يلجأ الي القوة والسيف لإقامة الدولة العالمية العادلة. وهذا هو الاعتقاد السائد لدي مختلف فرق النصاري.



[ صفحه 25]




پاورقي

[1] راجع أيضاً أهل البيت في الکتاب المقدس، احمد الواسطي: 121 ـ 123.

[2] صحيفة العهد اللبنانية العدد: 685، مقال تحت عنوان «حرکة شهود يهوه، النشأة، التنظيم، المعتقد».

[3] بشارت عهدين: 261، نقلاً عن کتاب ميزان الحق للقس الالماني فندر: 271.