دلالة الواقع التأريخي


يُضاف الي ذلک أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يکون المقصود بالخليفة هذا المعني، إذْ انّ عدد مَن وصل للحکم من المسلمين بعد وفاة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وتسمي بهذا الاسم يفوق الإثني عشر بکثير.

أجل يمکن القول بأن الإثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يکون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الي الحکم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حکم المسلمين بطريقة أو بأخري يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف.

فإنّ الخلافة والإمرة بالمعني المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر



[ صفحه 94]



منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعني کما تقدم، ولأنه يستلزم أن يکونوا متفرقين علي مدي التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخري المستفادة من الحديث الشريف، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص علي استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الإثني عشر الي يوم القيامة دونما انقطاع کما سنري لاحقاً.

ولذلک لا بد من حمل معني «الخليفة» في هذا الحديث علي ماهو أعم من التولي المباشر للحکم السياسي، أي أن يکون المقصود خلافته (صلي الله عليه وآله) في الوصاية علي الدين والولاية علي الأمة وهدايتها الي الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحکم عملياً أو لم يستلمه، فالرسول (صلي الله عليه وآله) کان يقوم بهذه المهمة عندما کان في مکة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذي من المشرکين وعندما هاجر الي المدينة وأقام دولته وتولي حکومتها. فقد کان(صلي الله عليه وآله) قيّماً علي الدين الحق حافظاً له وداعياً إليه في کل الأحوال، دون أن يکون لاستلامه الفعلي للحکم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن کان هو الأجدر باستلام الحکم في کل الأحوال.

وهذا ما يشير إليه تشبيهه (صلي الله عليه وآله) لهؤلاء الإثني عشر بنقباء بني اسرائيل وأوصياء موسي (عليه السلام) کما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره [1] وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه، فهم أوصياء رسول الله(صلي الله عليه وآله) وخلفاؤه في الوصاية علي دينه والهداية إليه.



[ صفحه 95]




پاورقي

[1] مسند أحمد: 1/ 398، المعجم الکبير للطبراني: 10/ 195، المستدرک للحاکم: 4/ 501.