صلاته علي أبيه و إعلان وجوده


کان من اُولي المهمات التي قام بها الإمام المهدي (عليه السلام) بُعَيْد تسلمه مهام الإمامة هي الصلاة علي أبيه الحسن العسکري (عليهما السلام) في داره وقبل إخراج جسده الطاهر الي الصلاة «الرسمية» التي خططتها السلطات العباسية [1] وکان قيامه بهذه الصلاة يعتبر أمراً مهماً في إثبات إمامته رغم المخاطر التي کانت تتوقع بعد نقل خبر هذه الصلاة.

روي الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن عبدالله الهاشمي ـ وهو من ولد العباس ـ قال: «حضرتُ دار أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) بسر مَن رأي يوم توفي واُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتي خرج علينا غلام عشاري حاف، عليه رداء قد تقنع به فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه، فصلي عليه ومشي، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه» [2] .

وروي الشيخ الصدوق الحادثة نفسها بتفصيلات أدق عن أبي الأديان



[ صفحه 130]



البصري أحد ثقاة الإمام العسکري (عليه السلام)، حيث قال:

«کنت اخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) واحمل کتبه الي الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فکتب معي کتباً وقال: «امض بها الي المدائن فإنک ستغيب اربعة عشر يوماً وتدخل الي (سر من رأي) يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني علي المغتسل».

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فاذا کان ذلک فمن؟ قال: «من طالبک بجوابات کتبي فهو القائم من بعدي»، فقلت: زدني فقال: «من اخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي» ثم منعتني هيبته ان اسأله عما في الهميان وخرجت بالکتب الي المداين واخذت جواباتها ودخلت (سر من رأي) يوم الخامس عشر کما قال لي (عليه السلام) واذا أنا بالواعية في داره واذا به علي المغتسل واذا انا بجعفر الکذاب ابن علي اخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه فقلت في نفسي ان يکن هذا الإمام بطلت الإمامة لأني کنت اعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فتقدمت فعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد کفن اخوک فقم فصلِّ عليه.

فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار اذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه علي نعشه مکفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي علي اخيه فلما هم بالتکبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط باسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال:«تأخر يا عم فأنا احق بالصلاة علي أبي» فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ وتقدم الصبي فصلي عليه ودفن الي جانب قبر ابيه(عليهما السلام) ثم قال: «يا بصري هات جوابات الکتب التي معک» فدفعتها إليه فقلت



[ صفحه 131]



في نفسي: هذه بيّنتان بقي الهميان ثم خرجت الي جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟

فقال: والله ما رأيته ولا اعرفه فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فتعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فاشاروا الي جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا کتب ومال فتقول ممن الکتب وکم المال؟ فقام ينفض اثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم فقال: معکم کتب فلان وفلان وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الکتب والمال وقالوا: الذي وجّه بک لأخذ ذلک هو الإمام.

فدخل جعفر بن علي علي المعتمد وکشف ذلک فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا علي صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنکرته، وادعت أن بها حبلاً لتغطي علي حال الصبي، فسلّمت الي ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيدالله بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلک عن الجارية فخرجت من أيديهم والحمد لله رب العالمين...» [3] .


پاورقي

[1] يظهر أن الصلاة الأولي کانت بحضور وجوه أصحاب الإمام وأرحامه والصلاة الرسمية کانت بحضور ممثلي السلطة العباسية ووجوه المدينة وعامة الناس، راجع تفصيلات ذلک في کتاب بحار الأنوار: 50/ 328.

[2] غيبة الشيخ الطوسي: 155.

[3] کمال الدين: 475 ـ 476.