فلسفة مرحلية الغيبة


أشرنا الي أن الغيبة ـ عموماً ـ إجراء تمهيدي کان لابدّ منه ليتمکن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الکبري.

وقد اقتضت الحکمة الإلهية أن تکون هذه الغيبة علي مرحلتين.

والعلة واضحة؛ إذْ إنّ وقوع الغيبة الکاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهوره(عليه السلام) وإقامة الدولة الإسلامية العالمية.

إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي ـ کما تشير لذلک الأحاديث الشريفة علي ما سيأتي تفصيله خلال الحديث عن الغيبة الکبري بإذن الله ـ، ومثل هذا التمحيص يحتاج الي جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراکم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعداداً للظهور.

إن النبي الأکرم(صلي الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته(عليهم السلام) قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقاً وشمولية کلمّا اقترب، أوآنها کالإخبار عن حتمية وقوعها، وخفاء ولادة صاحبها، وتوسيع العمل بنظام الوکلاء، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم علي أساسها استنباط الأحکام الشرعية وغير ذلک، إلا أن التمهيد للغيبة الکاملة بقي بحاجة الي خطوات تکميلية ونماذج تطبيقية تؤکدها وتبيّنها، وهذا ما قام



[ صفحه 144]



به الإمام المهدي(عليه السلام) في الغيبة الصغري وهو الإطار العام لسيرته وتحرکه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الکامل للأئمة السابقين (عليهم السلام) وبين الغيبة الکاملة للمهدي الموعود، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الکبري.

والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرته (عليه السلام) في الغيبة الصغري ومن خلال دراسة أهداف تحرکاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الکبري. لذلک ندخل الي الحديث عن سيرته(عليه السلام) من باب دراسة أهدافها بالتحديد لکي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الکبري.