علل الغيبة في الأحاديث الشريفة


لقد تناولت مجموعة من الأحاديث الشريفة علل وقوع الغيبة. نذکر أولاً نماذج منها استناداً الي العلل التي تذکرها: مشيرين الي أن لکل نموذج نظائر عديدة رواها المحدثون بأسانيد متعددة:

1 ـ روي سدير عن أبيه عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «ان للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذاک قال: لأن الله عز وجل أبي إلاّ أن يجعل فيه سنن الأنبياء(عليهم السلام) في غيبا تهم، وانه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم، قال الله تعالي: (لترکبنّ طبقاً عن طبق)، أي سنن مَن کان قبلکم [1] .

وروي عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها کل مبطل، فقلت له: ولم جُعلت فداک؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في کشفه لکم قلت: فما وجه الحکمة في غيبته؟ قال: وجه الحکمة في غيبته وجه الحکمة في غيبات من تقدم من حجج الله تعالي ذکره، إنّ وجه الحکمة في ذلک لا ينکشف إلاّ بعد ظهوره کما لم ينکشف وجه الحکمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) إلاّ بعد افتراقهما، يابن الفضل ان هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتي علمنا ان الله عز وجل حکيم صدقنا بأن أفعاله کلها



[ صفحه 165]



حکمة، وان کان وجهها غير منکشف» [2] .

2 ـ ومنها مارواه زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومي بيده الي بطنه، قال زرارة يعني: القتل» [3] .

ومنها ماروي عن عبد الله بن عطا، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قلت له إن شيعتک بالعراق کثيرة والله مافي أهل بيتک مثلک؛ فکيف لا تخرج؟ قال: فقال: يا عبد الله بن عطاء! قد اخذت تفرش اذنيک للنوکي، إي والله ما أنا بصاحبکم، قال: قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمي علي الناس ولادته؛ فذاک صاحبکم؛ إنّه ليس منا احد يشار إليه بالاصبع ويمضغ بالالسن إلاّ مات غيظاً أو رغم أنفه» [4] .

3 ـ ومنها ما روي عن الحسن بن محبوب بن ابراهيم الکرخي قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو قال له رجل: أصلحک الله ألم يکن علي قوياً في دين الله؟ قال: بلي قال: فکيف ظهر عليه القوم وکيف لم يمنعهم ومامنعه من ذلک؟ قال: آية في کتاب الله عز وجل منعته، قال: قلت؟ وأيّ آية هي؟ قال: قول الله عز وجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين کفروا منهم عذاباً اليماً). انه کان لله عز وجل ودائع مؤمنون في اصلاب قوم کافرين ومنافقين، فلم يکن عليّ ليقتل الآباء حتي تخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر علي مَن ظهر فقاتله، وکذلک قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتي تظهر ودائع الله عز وجل فاذا ظهرت ظهر علي مَن ظهر فقاتله» [5] .

4 ـ ومنها ماروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «والله لا يکون الذي تمدون



[ صفحه 166]



إليه أعناقکم حتي تميّزوا وتمحّصوا، ثم يذهب من کل عشرة شيء ولا يبقي منکم إلاّ الأندر، ثم تلا هذه الآية: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منکم ويعلم الصابرين» [6] .

5 ـ ومنها ماروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال:

«دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملکوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا، إذا ملکنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين)» [7] .

6 ـ ومنها ما روي عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه قال ـ في جواب من سأله عن علة الغيبة ـ: «لئلا يکون في عنقه بيعة اذا قام بالسيف» [8] .

وهذا المعني مروي عن کثير من الأئمة بألفاظ متقاربة، منها ما روي عن المهدي(عليه السلام) نفسه أنه قال في توقيعه الي اسحق بن يعقوب في جواب أسئلته: «... وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لکم تسؤکم). إنه لم يکن أحد من آبائي(عليهم السلام) إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي» [9] .

7 ـ ويقول ـ عجل الله فرجه ـ في رسالته الأولي للشيخ المفيد: «نحن، وإن کنا ثاوين بمکاننا النائي عن مساکن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالي لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلک، مادامت دولة الدنيا للفاسقين» [10] .

8 ـ ويقول(عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد: «ولو أن أشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالحمد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا،



[ صفحه 167]



ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا علي حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا مما نکرهه ولا نؤثره منهم...» [11] .

هذه نماذج لابرز الأحاديث الشريفة المروية بشأن علل الغيبة، والأسباب التي تذکرها فيها بعض التداخل، نشير إليها ضمن النقاط الثمانية التالية:


پاورقي

[1] اثبات الهداة: 3 / 486 ـ 487.

[2] کمال الدين: 481، علل الشرائع: 1/ 245.

[3] علل الشرائع: 1 / 246، غيبة النعماني: 176، غيبة الطوسي: 201.

[4] الکافي: 1 / 342، غيبة النعماني: 167 ـ 168.

[5] علل الشرائع: 147، کمال الدين: 641.

[6] قرب الأسناد للحميري: 162 وعنه في بحار الانوار: 52/ 113.

[7] الآية في سورة الاعراف: 128، والحديث في غيبة الطوسي: 282.

[8] علل الشرائع: 1/ 245، عيون الأخبار الرضا: 1 / 273.

[9] کمال الدين: 483، غيبة الطوسي: 176.

[10] معادن الحکمة: 2/ 303، بحار الانوار: 53/ 174.

[11] الاحتجاج: 2/325 وعنه في معادن الحکمة: 2/ 306 وبحار الأنوار: 35/ 176.