حفظ الاسلام الصحيح و تسديد العمل الاجتهادي


إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم أيضاً في غيبته الکبري بحفظ الإسلام النقي الذي يحمله مذهب أهل البيت(عليهم السلام). وهذه المهمة من المهام الرئيسة للإمامة، ومن مظاهر قيامه(عليه السلام) بها في غيبته تسديد العمل الاجتهادي للعلماء والفقهاء ومنع إجماعهم علي باطل بطريقة أو باُخري: «لأن هذه الآثار والنصوص في الأحکام موجودة مع مَن لا يستحيل منه الغلط والنسيان،



[ صفحه 175]



ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترک والکتمان. وإذا جاز ذلک عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلاّ بوجود معصوم يکون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداههم، أو نسوا ذکّرهم أو کتموا، علم الحق من دونهم.

وإمام الزمان(عليه السلام) وإن کان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحق لما وسعته التقية ولأظهره الله سبحانه ومنع منه الي أن يبين الحق وتثبت الحجة علي الخلق» [1] .

والمقصود من الظهور هنا ليس الظهور العام بل المحدود لبعض العلماء وبالمقدار اللازم لتبيان الحق، وهذه من القضايا التي بحثها العلماء في باب الإجماع، فمثلاً يقول العلاّمة السيد محمد المجاهد في کتابه مفاتيح الأصول: «... البناء علي قاعدة اللطف التي لأجلها وجب علي الله نصب الإمام فإنها تقضي ردهم لو اتفقوا علي الباطل فإنه من أعظم الألطاف، فإن امتنع حصوله بالطرق الظاهرة فبالأسباب]الخفية[... إن وجود الإمام(عليه السلام) في زمن الغيبة لطف قطعاً؛ فيثبت فيه کل ما أمکن؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع. وإن هذا اللطف قد ثبت وجوبه قبل الغيبة فيبقي بعده بمقتضي الأصل]إضافة الي[أن النقل المتواتر قد دل علي بقائه.

وقد ورد ذلک عن النبي(صلي الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) بألفاظ ومعان متقاربة، فعن النبي(صلي الله عليه وآله): «إنّ لکل بدعة يُکاذب بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موکلاً يذب عنه ويعلن الحق ويرد کيد الکائدين»، وعنه(صلي الله عليه وآله) وعن أهل البيت «أن فيهم في کل خلف عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».



[ صفحه 176]



وفي المستفيض عنهم(عليهم السلام) «إن الارض لا تخلو إلاّ وفيها عالم اذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم الي الحق وإن نقصوا شيئاً تمم ذلک ولولا ذلک لالتبس عليهم أمرهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل».

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) في عدة طرق: «اللَّهُمَّ إنک لا تخلي الارض من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حججک وبيناتک..»، وفي بعضها: «لابد لأرضک من حجة لک علي خلقک يهديهم الي دينک ويعلمهم علمک لئلا تبطل حجتک ولئلا يضل تُبّع أوليائک بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مکتتم أو مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فيهم، بها عاملون».

وفي تفسير قوله تعالي: (إنما أنت منذر ولکل قوم هاد) [ورد] في عدّة روايات: «أن المنذر رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وفي کل زمان إمام منا يهديهم الي ماجاء به النبي(صلي الله عليه وآله)»، وفي بعضها [عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في الآية]: «والله ماذهبت منا ومازالت فينا الي الساعة».

وعن أبي عبد الله [الامام الصادق(عليه السلام)] قال: «ولم تخل الارض مُنذ خلقها الله تعالي من حجة له فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولن تخلو الي أن تقوم الساعة ولولا ذلک لم يعبد الله، قيل: کيف ينتفع الناس بالغائب المستور؟! قال(عليه السلام): کما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب».

وعن الحجة القائم(عليه السلام) قال: «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فکالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأنظار السحاب، وإني لأمان أهل الارض کما أن النجوم أمان أهل السماء».

والاخبار في هذا المعني أکثر من أن تُحصي، ومقتضاها تحقق الرد عن الباطل والهداية الي الحق؛ من الإمام في زمن الغيبة والمراد حصولها بالاسباب



[ صفحه 177]



الخفية کما يشعر به حديث السحاب]الانتفاع بالإمام کالانتفاع بالشمس إذا غيبها السحاب[دون الظاهرة فانها منتفية بالضرورة، ولا ينافي ذلک تضمن بعضها الاعلان بالحق فانه من باب الاسناد الي السبب...» [2] .


پاورقي

[1] کنز الفوائد للعلامة الکراجکي: 2/ 219.

[2] مفاتيح الأصول: 496 ـ 497، باب الاجماع.