اهمية الانتظار


تؤکد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ علي عظمة آثار انتظار الفرج؛ بعنوانه العام الذي ينطبق علي الظهور المهدوي کأحد مصاديقه البارزة؛ وکذلک علي انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن کما هو المروي عن الإمام علي(عليه السلام): «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله» [1] ، وعبادة المؤمن أفضل بلا شک من عبادة مطلق المسلم، فيکون الانتظار أفضل العبادات الفضلي إذا کان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا؛ ويکون بذلک من أفضل وسائل التقرب الي الله تبارک وتعالي کما يشير الي ذلک الإمام الصادق(عليه السلام) في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: «طوبي لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئک أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». [2] ولذلک فإن انتظار الفرج هو «أعظم الفرج» [3] کما يقول الإمام السجاد(عليه السلام)، فهو يدخل المنتظر في زمرةِ أولياء الله.



[ صفحه 187]



وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشک، يقول الإمام الجواد(عليه السلام): «...له غيبة يکثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينکره المرتابون..» [4] وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحکمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلاغرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: «أحب الأعمال الي الله» [5] ، وبالتالي فهو «أفضل أعمال أمتي» [6] کما يقول رسول الله(صلي الله عليه وآله).

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الکريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب علي أمره وبأنه القادر علي کل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحکمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يکمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الکمال، وهو الهدف من معظم أحکام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند الي هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذکره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادق(عليه السلام): «ألا أخبرکم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلاّ به... شهادة أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم(عليه السلام)...» [7] .

وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل



[ صفحه 188]



المنتظر ـ وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي کما يشير الي ذلک الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: «مَن سره أن يکون من أصحاب القائم فلينتظر»، وکذلک يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادق(عليه السلام) حيث يقول: «مَن مات منکم علي هذا الأمر منتظراً له کان کمن کان في فسطاط القائم(عليه السلام)...» [8] ، ويفوز أيضاً بأجر الشهيد کما يقول الإمام علي(عليه السلام): «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا کالمتشحّط بدمه في سبيل الله» [9] ، بل ويفوز بأعلي مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادق(عليه السلام): «مَن مات منکم وهو منتظر لهذا الأمر کمن کان مع القائم في فسطاطه؛ قال الراوي: ثم مکث هنيئة، ثم قال: لا بل کمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلاّ کمن استشهد مع رسول الله(صلي الله عليه وآله)» [10] .

والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار کثيرة ويُفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يکشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي، فکلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المبارکة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار، ولذلک يجب معرفة معناه الحقيقي، وهذا مانتناوله في الفقرة اللاحقة.


پاورقي

[1] المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار: 52/ 131.

[2] کمال الدين: 357.

[3] کمال الدين: 320.

[4] کفاية الأثر: 279، کمال الدين: 378.

[5] الخصال للشيخ الصدوق: 2/ 610، کمال الدين: 645، تحف العقول: 106.

[6] کمال الدين: 644.

[7] غيبة النعماني: 200، إثبات الهداة: 3/ 536.

[8] کمال الدين: 645.

[9] في الخصال: 625 وعنه في بحار الأنوار: 52/ 123.

[10] المحاسن للبرقي: 1/278، 279 ح153 وعنه في بحار الأنوار: 52/126 ح 18.