طول عمر الدجال علي أساس الاطروحة الکلاسيکية المشهورة عنه


حيث دل ما اخرجه مسلم في صحيحه من الروايات و غيره، علي ان الدجال هو ابن صائد، و انه لم يومن برسول الله (ص) بالرغم من طلبه شخصيا منه. بل هو أدعي الرسالة، و حاول عمر بن الخطاب قتله، فقال له رسول الله (ص): «ان يکنه فلن تسلط عليه، و ان لم يکنه فلا خير لک في قتله» [1] وفي رواية اخري: «ان يکن الذي تري فلن تستطيع قتله» [2] و في رواية ثالثة:«فان يکن الذي تخاف فلن تستطيع قتله». [3] .

و المراد: انه لو کان هو الدجال، فهو غير قابل للقتل اساسا، لان الله تعالي قد قدر له طول عمره. و هذا النص، بالرغم من انه لا يعطي الجزم بان ابن صائد هو الدجال بالتعيين. ولکنه يدل بوضوح بانه لو کان هو الدجال، فهو ممن لا بد من بقائه الي حين قيامه و ظهوره. و بما يويد ذلک ما أخرجه مسلم أيضا [4] عن رسول الله (ص) انه قال: «ما بين خلق آدم الي قيام الساعة خلق أکبر من الدجال». لو فهمنا منه طول العمر.

و لا نريد ان نناقش في ان ابن صائد هو الدجال ام لا. فقد طعن في ذلک محمد بن يوسف الکنجي في کتابه البيان. [5] وانکره ابن صائد نفسه، فيما أخرجه مسلم عنه [6] قائلا:«يزعمون اني الدجال، ألست سمعت رسول



[ صفحه 483]



الله (ص) يقول، انه لا يولد له قال الراوي: قلت: بلي قال: فقد ولي لي: أو ليس سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يدخل المدينة و لا مکة. قلت: بلي. قال: فقد ولدت بالمدينة وها انا ذا اريد مکة».

و مما يدل علي طول عمر الدجال: حديث الجساسة، الذي اخرجه عدد من الصحاح منهم مسلم [7] و فيه يقول: «الرجال أنا المسيح، اني أوشک ؤن يوذن لي في الخروج فأسير في الأرض فلا أدع قرية الا هبطتها في أربعين ليلة غير مک دو طيبة، فهما محرمتان علي کلتاهما». فاذا علمنا انه لم يوذن له بالخروج من حين عصر تميم الداري الي الان، و هو ما يزيد علي الالف عام.. عرفنا کيف يدل هذا الحديث علي طول عمره.

و لعمري ان من العجب ان اخواننا أهل السنة و الجماعة، يومنون به و بالمصادر الحديثة التي دلت عليه. ولکنهم يستبعدون غيبة المهدي (ع) و طول عمره. مع قلة الروايات عن الدجال و طول عمره و تکاثرها عن المهدي (ع). بالرغم في سببية الامام المهدي (ع) لهداية الامام و تنفيذ الغرض الالهي الکبير، و ليس الدجال کذلک.

فالجماعة يرون الدجال شخصا طويل العمر، غائبا منعزلا في جزيرة في البحر، کما يدل عليه حديث الجساسة. و اما المهدي (ع) فشخص يولد في زمانه. علي حين ان الذي ينبغي ان يقال بکونه هو الحق عکس ذلک لو مشينا علي الاطروحة الکلاسيکية لفهم الدجال - و هو ان المهدي طويل العمر و غائب عن الانظار بالشکل الذي ذکرناه في القسم الاول من هذا التاريخ،و اما الدجال فشخص يولد في حينه.

فان المهدي (ع) مذخور لثورة الحق و تطبيق الغرض الالهي الکبير. فهل بالامکان ان يقال: ان الدجال مذخور لثورة الباطل و اغراء الناس بالجهل؟!

و هل يصح أن يکون هذا غرضا الهيا،بشکل من الاشکال!!.

و انما صحيح، انطلاقا من هذه الاطروحة، کون الدجال شخصا اعتياديا



[ صفحه 484]



منحرفا او کافرا يوفق لانتشار حکمه و سلطته علي رقعة کبيرة من الارض. فيکون کل من اتبعه علي الباطل، و کل من خالفه علي الحق.

و اما علي الاطروحة المقابلة، و هي التي تنفي ان يکون الدجال شخصيا بذاته و انما هو عبارة رمزية عن التيارات الکافرة و المنحرفة فکريا و سياسيا و اقتصاديا.. فهذا ما سنعرضه بشکل تفصيلي في الجهة الاتية. و قد يکون من الدليل عليها ما ورد من طول عمر الدجال علي أي حال.


پاورقي

[1] صحيح مسلم، ج 8، ص 192.

[2] المصدر، ص 189.

[3] المصدر، ص 190.

[4] المصدر، ص 207.

[5] ص 108.

[6] ج 8، ص 190.

[7] ج 8، ص 205.