موقفه من قول الواقفية بمهدوية الامام الکاظم


زعمت الواقفية بعد شهادة الامام الکاظم عليه السلام سنة (183 ه) في حبس السندي بن شاهک ببغداد و بأمر قارون اللارشيد العباسي لعنه الله؛ أنه حي لم يمت و لا يموت حتي يملک شرق الأرض و غربها، و يملأها کلها عدلا کما ملئت جورا، و أنه القائم المهدي!.

و زعموا أنه خرج من الحبس - و لم يره أحد - نهارا، و لم يعلموا به، و أن السلطان و أصحابه ادعوا موته، و موهوا علي الناس و کذبوا، و أنه غاب عن الناس و اختفي!.

و قال بعضهم: انه القائم و قد مات و لا تکون الامامة لغيره حتي يرجع فيقوم و يظهر، و زعموا أنه رجع بعد موته الا أنه مختف في موضع من المواضع، حي، يأمر و ينهي، و أن أصحابه يلقونه و يرونه!.

و قال بعضهم: انه مات و لکن هو القائم، و سيرجع في وقت قيامه؛ ليملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا!.

و أنکر بعضهم قتله، و قالوا: مات و رفعه الله اليه، و أنه يرده عند قيامه.

و هذه الأقوال کلها تنسب الي الواقفية المعروفة باسم (الکلاب الممطورة) [1] و السبب الذي دعاهم الي انکار وفاة الامام الکاظم عليه السلام



[ صفحه 279]



و القول بمهدويته، هو الطمع فيما بأيديهم من أمواله ي، قال الشيخ الطوسي رضي الله عنه: «فروي الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقد: علي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسي الرواسي؛ طمعوا في الدنيا و مالوا الي حطامها، و استمالوا قوما، فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، و ابن المکاري، و کرام الخثعمي، و أمثالهم» [2] و قد شهد علي ذلک يونس بن عبدالرحمن الفقيه الثقة المشهور فقال: «مات أبو ابراهيم - يعني الامام الکاظم - عليه السلام، و ليس من قوامه أحد الا عنده المال الکثير، و کان ذلک سبب وقفهم و جحدهم موته؛ طمعا في الأموال.

کان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.

فلما رأيت ذلک، و تبينت الحق، و عرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت؛ تکلمت و دعوت الناس اليه، فبعثا الي و قالا: ما يدعوک الي هذا؟ ان کنت تريد المال فنحن نغنيک، و ضمنا لي عشرة الآف دينار، و قالا لي: کف، فأبيت و قلت لهما: انا روينا عن الصادقين عليهماالسلام أنهم قالوا: اذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه، فان لم يفعل سلب نور الايمان. و ما کنت لأدع الجهاد و أمر الله علي کل حال. فناصباني و أضمرا لي العداوة». [3] .



[ صفحه 280]



و لما لم نکن بصدد دراسة هذه الفرقة، لذا سنهمل سائر الأدلة القاطعة في بطلان مدعياتهم، و نکتفي بموقف الامام الصادق عليه السلام مراعاة منا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهم، فنقول:

ان مما يوضح ذلک الموقف منهجه عليه السلام تجاه العقيدة المهدوية من جهة، و الامامة من جهة أخري؛ اذ بين - کما مر- من هو المهدي الحق الذي تنتظره الأمة بيانا شافيا کافيا، کما بين في أحاديث الامامة من هم أئمة المسلمين علي الحقيقة، مع بيان عددهم، و أسمائهم، و أن آخرهم المهدي عليه السلام، و له في هذا أحاديث کثيرة و فيما يأتي نموذج منها:

1- ما رواه ثقة الاسلام الکليني بسند صحيح عن عيسي بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن أميرالمؤمنين علي عليه السلام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قلت له: ان کان کون - و لا أراني الله ذلک - فبمن أئتم؟ قال: فأومأ الي ابنه موسي عليه السلام، قلت: فان حدث بموسي حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده... الحديث». [4] .

و لو کان الامام الکاظم عليه السلام کما تزعم الواقفية هو المهدي، لنبه الامام الصادق عليه السلام السائل علي ذلک، لا أن يأمره بالائتمام بعد موسي بولده الامام الرضا عليهماالسلام.

2- و أخرج الصدوق عن ابراهيم الکرخي قال: «دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام و اني لجالس عنده اذ دخل أبو الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام و هو غلام، قمت اليه، فقبلته و جلست، فقال أبو عبد الله عليه السلام:



[ صفحه 281]



يا ابراهيم أما أنه صاحبک بعدي، أما ليهلکن فيه أقوام و يسعد آخرون، فلعن الله قاتله، و ضاعف علي روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سمي جده، و وارث علمه، و أحکامه، و فضائله، معدن الامامة، و رأس الحکمة». [5] .

و هذا الحديث صريح بهلاک الواقفية، و فساد مقولتهم، اذ تضمن الاخبار عن ثلاثة أشياء کلها في الرد علي مقولتهم.

الأول: الاشارة الي الواقفية انفسهم بقوله: (ليهلکن فيه أقوام)؛ اذ ادعوا حياته بعد وفاته و أنکروا امامة الرضا عليه السلام.

الثاني: الاخبار بشهادته قتلا في سبيل الله مع لعن قاتله، و هو هارون اللارشيد لعنه الله تعالي.

الثالث: ان المهدي الموعود ليس هو الامام الکاظم عليه السلام، و انما هو من صلبه.

3- و في حديث آخر عن الامام الصادق عليه السلام قال: «يظهر صاحبنا و هو من صلب هذا، و أومأ بيده الي ولده موسي عليه السلام فيملأ الأرض عدلا کما ملئت جورا و ظلما، و تصفوا له الدنيا». [6] .

و هذا صريح بعدم مهدوية الامام الکاظم عليه السلام، و ان المهدي الموعود من ولده عليهم السلام.

4- و سئل الامام الصادق عليه السلام کما في حديث عبد الله بن أبي يعفور:



[ صفحه 282]



«يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدک؟ قال عليه السلام: الخامس من ولد السابع يغيب عنکم شخصه... الحديث». [7] .

و في هذا الحديث تعريض بالواقفية التي ادعت مهدوية الامام السابع من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام و هو الامام الکاظم عليه السلام، في حين أنه الخامس من ولد السابع، أي الامام الحجة بن الحسن العسکري عليهما السلام.


پاورقي

[1] راجع: الفرق النوبختي 91-90.

[2] کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 63- 64: 65.

[3] کتاب الغيبة الشيخ الطوسي 66:64، و علل الشرائع 1:235، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 2:112:1.

[4] اصول الکافي 7:309:1 باب الاشارة و النص علي أبي الحسن موسي عليه السلام، من کتاب الحجة.

[5] اکمال الدين 5:334:1 باب 33.

[6] اکمال الدين 2: 479- 480: 1 و 5 باب 44.

[7] اکمال الدين 1:333:2 و 12 باب 33.