الانقلاب علي تعاليم الهيکل


بعد وفاة سليمان عليه السلام انقسمت الدولة الواحدة التي وضع داوود عليه السلام أساسها، ويمکن القول أنه بعد سليمان أصبح لدينا تاريخين لليهود الذين لم يتحدوا في مملکة واحدة بعد سليمان، تاريخ مملکة إسرائيل في الشمال. وتاريخ مملکة يهوذا في الجنوب، ويمکننا القول أيضا أنه بعد سليمان أصبح لليهود قبلتين لا قبلة واحدة. وتحديد القبلة في التوراة جاء کما يلي وإذا جاء بک الرب إلهک إلي الأرض التي أنت داخل إليها. فاجعل البرکة علي جبل جرزيم. واللعنة علي جبل عيبال [1] وعلي أرضية الخلاف والاختلاف والافتراق، قال السامريون إنها جبل جزريم وعلي ذلک دونوا توراتهم، وقال العبرانيون إنها جبل عيبال وعلي ذلک دونوا توراتهم، وهذه الکلمة هي التي ميزت بين التوراتين. وفي عهد المسيح ابن مريم عليه السلام سألته امرأة سامرية عن هذا الاختلاف قالت له يا سيد أري إنک نبي.

آباؤنا عبدوا الله في هذا الجبل. وأنتم اليهود تصرون علي أن أورشاليم يجب أن تکون المرکز الوحيد للعبادة. فأجابها يسوع: صدقيني يا امرأة



[ صفحه 63]



ستأتي الساعة التي فيها تعبدون الله لا في هذا الجبل ولا في أورشاليم [2] وکان عليه السلام يشير بذلک إلي بيت الله الحرام في مکة المکرمة کما سنبين في موضعه.

وجماعة اليهود مختلفون في الصحيح بين النصين حتي الآن. فکل جماعة من اليهود تدعي أن الآخرين حرفوا هذا الموضع في التوراة. وما زال الخلاف بين العلماء. فآدم کلارک في تفسيره 1 / 817 ينقل عن المحقق کنيکات إنه يدعي صحة السامرية. والمحققان (باري) و (درشيور) يدعيان صحة العبرانية. [3] .

ويمکننا القول أيضا أنه بعد سليمان عليه السلام صدرت قرارات رسمية من القيادة بعبادة العجول، وأول من سن هذه السنة (يربعام) مؤسس مملکة إسرائيل الشمالية، فعندما وجد شعبه يذهب إلي أورشاليم عاصمة خصمه ملک يهوذا ليقربوا ذبانحهم في بيت الله هناک قال: إن صعد هذا الشعب ليقربوا ذبائح في بيت الرب في أورشاليم. يرجع قلب هذا الشعب إلي سيدهم ملک يهوذا ويقتلوني [4] ولهذا السبب أقدم علي عمل واتخذ قرارا. يقول العهد القديم: وعمل عجلين من ذهب. وقال لهم. [5] کثير عليکم أن تصعدوا إلي أورشاليم، هوذا آلهتک يا إسرائيل الذين أصعدوک من أرض مصر. ووضع واحد في بيت إيل وجعل الآخر في دان.. [6] وبني المرتفعات وصير کهنة من أطراف الشعب لم يکونوا من أبناء لاوي [7] (والکهانة. في سبط لاوي موقوفة علي أبناء هارون)



[ صفحه 64]



وما لبثت هذه السنة أن انتشرت. وصدرت قرارات عليا علي امتداد المسيرة تنظم هذه العبادة، وعلي امتداد المسيرة الإسرائيلية بعث الله تعالي الأنبياء إليهم في المملکتين. ليسوقوهم إلي سبيل الفطرة وليکونوا عليهم حجة وهم يتحرکون تحت سقف الامتحان والابتلاء لينظر الله إليهم کيف يعملون، ويذکر الکتاب المقدس أن الأنبياء الذين بعثوا في مملکة إسرائيل الشمالية هم: إيليا، اليشع، عاموس، هوشع، أما الذين بعثوا في مملکة يهوذا الجنوبية فهم: يوئيل، أشعيا، ميخا، صفنيا حبقوق، أرميا، وکذب الشعب منهم من کذب وقتل منهم من قتل.

وسجل سفر الملوک انحرافات بني إسرائيل بعد سليمان في أکثر من موضع. منه إن بني إسرائيل أخطأوا إلي الرب إلههم الذي أصعدهم من أرض مصر من تحت يد فرعون مصر. واتقوا آلهة أخري وسلکوا حسب فرائض الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل وملوک إسرائيل الذين أقاموهم. وعمل بنو إسرائيل سرا ضد الرب إلههم أمور ليست بمستقيمة وبنوا لأنفسهم مرتفعات في جميع مدنهم... وأقاموا لأنفسهم أنصابا وسواري علي کل تل عال وتحت کل شجرة خضراء. وأوقدوا هناک علي جميع المرتفعات مثل الأمم الذين ساقهم الرب من أمامهم. وعملوا أمورا قبيحة.. وعبدوا الأصنام التي قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الأمر. وأشهد الرب علي إسرائيل وعلي يهوذا عن يد جميع الأنبياء وکل راء قائلا: إرجعوا عن طرقکم الردية واحفظوا وصاياي فرائضي حسب کل الشريعة التي أوصيت بها آباءکم والتي أرسلتها إليکم عن يد عبيدي الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيتهم کأقفية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم.

وساروا وراء الباطل وصاروا باطلا وراء الأمم الذين حولهم الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم. وترکوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا



[ صفحه 65]



لأنفسهم مسبوکات عجلين. وعملوا سواري وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل. [8] .

وسجل أشعيا في سفره هذه الانحرافات، ومما قال کما ذکر العهد القديم: أسمعي أيتها السماوات. واصغي أيتها الأرض، الآن الرب يتکلم، ربيت بنين ونشأتهم. أما هم فعصوا علي، الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم، ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم. نسل فاعلي الشر. أولاد مفسدين، ترکوا الرب. استهانوا بقدوس إسرائيل. ارتدوا إلي الوراء، علي من تضربون بعد. تزدادون زيغانا، کل الرأس مريض وکل القلب سقيم. من أسفل القدم إلي الرأس ليس فيه صحة. بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت [9] وقال: وقد ارتد الحق إلي الوراء والعدل يقف بعيدا. لأن الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول. وصار الصدق معدوما. والحائد عن الشر يسلب. [10] .

والخلاصة لقد أقام الله الحجة علي بني إسرائيل ببعث الأنبياء فيهم، وأمرهم سبحانه أن يوفوا بعهده وأن يذکروا نعمته التي أنعمها عليهم وأن لا يعبدوا إلا إياه، وحذرهم سبحانه من عواقب العصيان والکفر، ولکن قست قلوبهم واندفعت قافلتهم في طريق الانحراف، رافعة لأعلام والاستکبار في الأرض بغير حق تصد بها عن سبيل الله، وعلي طريق الانحراف وضعوا مقدمات الفتن التي تنتهي نتائجها في سلة المسيح الدجال.



[ صفحه 66]



ولما کان اليهود قد رفعوا علي امتداد مسيرتهم بعد ذلک لافتة تقول بأنهم شعب الله المختار، فإننا سنلقي بعض الضوء علي مملکة إسرائيل في الشمال ومملکة يهوذا في الجنوب. لتظهر رموز المسيرة ويقف الباحث علي الحرکة الحقيقية للقافلة. ليقرر ماذا قدمت الصفوة والقدوة في مملکة إسرائيل الشمالية ومملکة يهوذا الجنوبية. وهل ما قدموه يستقيم مع صراط الفطرة. وهل تحليل حوادث هذه المرحلة التاريخية يقود إلي دوائر الأمان الغيبية التي بينها الأنبياء والرسل.



[ صفحه 67]




پاورقي

[1] التثنية 26 / 11.

[2] إنجيل يوحنا 4 / 20 - 22.

[3] المقارنات / د. محمد الصادقي ص 99.

[4] الملوک الأول 12 / 25.

[5] أي قال للشعب.

[6] الملوک الأول 12 / 28 - 29.

[7] المصدر السابق 12 / 21 - 22.

[8] الملوک الثاني 17 / 7، 10، 11، 12، 13، 17.

[9] أشعيا 1 / 3 - 7.

[10] المصدر السابق 59 / 14.