النظرية الغربية


قبل أن أتطرق لهذه الخصوصيّات لدولة صاحب الأمر، ألاحظ النظرة الغربيّة التي عشناها في بداية شبابنا عندما ظهرت في العالم العربي وترجمت النظريّات الغربيّة إلي العالم العربي والتخوّفات الغربيّة لمستقبل البشريّة في الأرض، التي کان يعبّر عنها تعبيراً أوضح نظريّة مارکس الذي تحدّث علي أنّ البشريّة متقدّمة نحو الدمار والزوال.

هذا البؤس والتشاؤم في الرؤية الغربيّة للدنيا وللبشريّة والعالم جعل الغربييّن يتحرّکون لوضع حلول بديلة عن الوقوع في الهاوية، لأنهم يتصوّرون أنّ الخيرات في الأرض محدودة، وذلک هو مجمل هذه النظريّة الغربية التي تزعّمها مارکس في ذلک الوقت، أنّ الدنيا والأرض تملک خيرات محدودة، فبما أنّ الأرض تملک خيرات محدودة فلابدّ أن يکون الإنسان وجوده السکاني في الأرض محدوداً بمحدوديّة الأرض.

ومن هذا المنطلق، ومن هذه الفکرة نشأت وبقوّة نظريّة تحديد النسل التي دعي إليها الأوربيّون الغربيّون في بداية القرن العشرين وما زالوا لحدّ الآن يؤمنون بهذه النظريّة في تحديد النسل ويدعون إلي تحديد النسل لأجل إيجاد نهاية لهذه التخوّفات وحالة البؤس التي يعاني منها الإنسان الغربي. هذه رؤية.

رؤية تري أنّ البشريّة في حالة دمار وفي حالة هاوية وفي حالة شقاء، وهذه البشريّة لا يمکن علاجها إلاّ بأخذ مسکنات أوّلية وجرعات لهذه المسکّنات لإيقاف البشريّة من حيث التعداد السکّاني إلي مقدار يمکن للأرض أن تتحمّله. هذه نظريّة.

يقابل هذه النظريّة النظريّة الدينيّة الإسلاميّة، التي تؤمن أنّ الأرض فيها من الخيرات الشيء الکثير، وأنّ ما نراه من الخيرات علي هذه الأرض لم يکن کل خيرات الأرض، فهذه الأنهار لم تکن کل قابلية الطبيعة لإغناء الإنسان بالثروة المائيّة، کذلک السماء لم تکن قابليتها فقط هذه الزخّات من المطر، وهکذا بالنسبة للمعادن، وهکذا بالنسبة للثروات الطبيعيّة الأخري.

فإنّ الرؤية الدينيّة تقول: إن ما هو موجود حاليّاً لم يکن کل الثروة ولم يکن کل الخير ولم يکن کل البرکة، بل إنّ الأرض فيها من إمکانيّة أن تعيّش من أبناءها البشر أضعاف وأضعاف هذا العدد السکاّني الموجود علي الأرض ولکنّ المانع الذي يمنع من إيجاد وظهور تلک البرکات هو العوامل الغيبية التي لا يحس بها الإنسان.

تلاحظ أن الفکر المادي عندما يتصوّر أنّ المعادلة کلّها معادلة ماديّة بحتة ولا يوجد هناک دافع وعامل غيـبي يتحکّم بهذه العناصر الماديّة، في الوقت الذي نري فيه أنّ الدوافع الغيبيّة والعوامل الغيبيّة لا تنحصر فقط في الآخرة والمعاد ويوم القيامة والعوامل اللاّمرئيّة، وإنّما ذلک الغيب وذلک العامل الغيبي مؤثّر حتّي في العوامل الطبيعيّة والأسباب الطبيعيّة.

فإن الآية الکريمة التي قرأناها توضّح أن هناک تواصلاً وتلاحماً بين العامل الغيـبي ـ الاستغفار، ذکر الله، أن ينطلق المجتمع انطلاقة ربانيّة ـ وبين التطوّر الحضاري والعمراني والازدهار بکل أنواعه الذي يعيشه الإنسان، هذا الشيء کان مفقوداً، عندما نريد أن ندرسه لابدّ أن نبرهن عليه، هناک برهان علمي وجداني، هناک برهان تجريبي لست الآن بصدد البرهنة التجريبيّة علي هذه الحقيقة الدينيّة، وهو يحتاج إلي وقت مفصّل للحديث عن کل خصوصيّة من هذه الخصوصيّات، وإنّما أشرت إليها إشارة لأنطلق إلي جوانب أخري من البحث، وهذا الجانب هو عندما أتحدّث عن المخّ والمرکز والأساس لتقدّم حضارة الإنسان في دولة الإمام وعصر الإمام عجل الله فرجه.