برکات الدولة المهدوية


لو أردنا أن نقرأ الروايات، وهنا بشکل مجمل أوضّح لک حقيقة أنّ التقدّم بدولة صاحب الأمر ورد في روايات کثيرة، وسنذکر هنا جملة من تلک الروايات بأسانيد عامية، فإن الروايات التي وردت بأسانيد شيعية کثيرة جداً، ولکن من باب المحاججة نذکر بعض الروايات بأسانيد عامية ـ وهي کثيرة أيضاً ـ لتکوّن رؤية أکثر استيعاباً بما هو موجود في المذاهب الأخري وبما روي عن النبي صلي الله عليه وآله.

يقول اخواننا السنّة في کتبهم وهم يتحدّثون عن دولة المهدي عجل الله فرجه:

من جملة تلک الروايات رواية حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلي الله عليه وآله وهو يتحدّث عن المهدي، والرواية طويلة جدّاً لکن أنقل لک هذا المقطع: يقول صلي الله عليه وآله: «يفرح به أهل السماء والأرض، والطير والوحش والحيتان في البحر، وتزيد المياه في دولته، وتمد الأنهار، وتضاعف الأرض أکلها، وتستخرج الکنوز». [1] .

فيفرح به أهل السماء والأرض بمستويً واحد، ما يشمل أهل الأرض يشمل أهل السماء وما يشمل أهل السماء يشمل أهل الأرض، وهذا يحتاج إلي رؤية علميّة غيبيّة، قلنا: الغيب متفاعل في الشهود في الأرض في الدنيا، تفاعل السماء التي هي عالم من عالم الغيب ببعض أوجهها مع الأرض التي هي عالم الشهود وعالم الظهور وعالم الواقع والوجدان والحضور، هذا التفاعل الثنائي معه الرواية تقول: فيفرح به أهل السماء والأرض والطير، هذا البعد الآخر، والوحوش والحيتان في البحر، وهذا يحتاج إلي حديث يتعلّق عن أثر دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ودور دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه بتطوّر الحيوان وليس فقط الإنسان.

وأنا لا أريد أن أعلّق علي نظريّة دارون وأقول أنّ بعض هذه النظريّة في بعض جوانبها کان صحيحاً، لأن هذا يحتاج إلي بحث اختصاصي تفصيلي، قد نوفّق بالمستقبل إليه، والرواية تقول: وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أکلها وتستخرج الکنوز.

ملخّص هذه الرواية بما يتعلّق مع التقدّم الحضاري والعمراني للإنسان تلاحظ أنّه تزيد المياه تمدّ الأنهار تضاعف الأرض أکلها تستخرج الکنوز، هذه الرواية مع أنّها وردت في کتب اخواننا أبناء العامّة تحدّثت عن هذه المظاهر التقدّمية الحضاريّة لدولة صاحب الأمر.

الرواية الأخري أيضاً تروي بأسانيد اخواننا عن عبد الله بن عبّاس عن النبي صلي الله عليه وآله يقول في عصر الإمام ودولة الإمام:

«وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض أفلاذ کبدها. قال: قلت: وما أفلاذ کبدها؟ قال: أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة». [2] .

وتأمن البهائم، انظر الأمن هو من المواضيع المهمة، فعندما تحدّث عن الثروة المائيّة وعن الزراعة وعن الاقتصاد تحدّث عن الأمن، أهم معلم من المعالم الفاعلة والمحرّکة في تقدّم الحضارة الإنسانية، لا يمکن لأمة أن تترقّي بلا أمن، فقال: وتأمن البهائم والسباع، أي أن هذا الأمن الذي تتحدث عنه الرواية لا يختص بالبشر فقط، وإنما يشمل حتي البهائم، ثم قال: وتلقي الأرض أفلاذ کبدها، عبد الله بن عباس يقول إلي رسول الله صلي الله عليه وآله: وما أفلاذ أکبادها؟ قال: أمثال الاسطوانات من الذهب والفضة، اسطوانات، هکذا تخرج الخيرات هذه رواية.

الرواية الأخري التي تحدّثت عن هذا الجانب، وهي روايات کثيرة جدّاً في الواقع لکنّي أعنون الحديث بما يناسب المقام.

الرواية يرويها أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلي الله عليه وآله بأسانيد اخواننا العامّة، قال صلي الله عليه وآله:

«ينـزل علي أمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتي تضيق بهم الأرض الرحبة، وحتي تملأ الأرض ظلماً وجوراً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، يرضي عنه ساکن السماء وساکن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته منها». [3] .

انظر أثر الدولة التخريبـي، إذا کانت الدولة مخرّبة کيف تؤثّر تلک الدولة في حياة الإنسان المجتمع وفي حياة الإنسان الفرد، الدور التخريبي في حياة الإنسان من تخريب الدولة، وهو ما يقابل الدور الفاعل الإيجابي في حياة الإنسان والعمراني والتقدّمي في الدولة الخيّرة، ينزل علي أمّتي في آخر الزمان بلاءٌ شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتي تضيق بهم الأرض الرحبة وحتي تملأ الأرض جوراً وظلماً ولا يجد المؤمن ملجأً يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً يرضي عنه ساکن السماء ـ انظر التقدّم يصعد إلي السماء ـ وساکن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته.

طبعاً قلت سابقاً أنّ هذه الروايات کثيرة وإنّما أخذت عينة لما يناسب المقام، کي أرشد إلي جوانب متعدّدة من التقدّم الذي يظهر في دولة الإمام.

وهذا التقدم لم يکن کيفياً، وإنّما هو طبيعي، أي بالقوانين الطبيعيّة وليس بالإعجاز وليس خارق العادة، بل بالقوانين الطبيعيّة سوف يتم هذا التطوّر عندما تفتح السماء أبوابها وعندما يکون الإنسان مؤهّلاً لنزول الخيرات.

تلاحظ من مظاهر التقدّم في دولة الإمام عجل الله فرجه أوّل شيء هو مسألة المياه، الآن ونحن نعيش في هذا العصر، مسألة المياه مشکلة العصر، مشکلة القرن الواحد والعشرين هي مشکلة المياه، والمتوّقع کما تسمعون من الإعلام والاختصاصيين الذين يبحثون عن هذه المشکلة العويصة، لا فقط المشکلة بالنسبة کثروة زراعيّة أو مسألة مهمّة بالحياة الإنسانية، بل انعکاسها علي الوضع السياسي العالمي، فإنّ الحروب المتوقّعة بالمستقبل في هذا القرن منشؤها قلّة المياه، لأن هناک جدباً بعضهم يفسّر هذه الحالة بعنوان أنّ الأرض ابتدأت ترتفع حرارتها، فربّما ارتفعت درجة حرارة الأرض ـ بحسب التقارير العلمية نصف درجة إلي درجة ممّا يسبّب هذا الارتفاع للجدب الذي تمرّ به الأرض بشکل عام.

فإنّ من أهم مشکلات العصر الحاضر هي مشکلة المياه، فنحن الآن وإن کنا نعيش في بلاد الرافدين وقد أبعدنا الباري عن هذه المشکلة، إلاّ أنکم لو نظرتم إلي بقية دول العالم لرأيتم هذه المشکلة بوضوح، فالآن إحدي المشاکل في مباحثات السلام بين لبنان وسوريا من جهة وبين إسرائيل هي تقسيم الثروة المائيّة، يعني مسألة المياه مسألة سوف تدخل في السلم العالمي فضلاً عن دور المياه في الزراعة ودور المياه في الاقتصاد ودور المياه في حفظ حياة الإنسان.

لکن هذه الحلول ـ کل الحلول التي تقدّم ـ علي نمطين، النمط الأساسي عالمياً أنّ المرتکز العالمي لإيجاد الحلول هو الحلول السياسيّة، وهو تقسيم الثروة المائيّة کالمؤتمر الأخير الذي عقد في أفريقيا لتقسيم ثروة المياه في نهر النيل.

الآن هذا الموضوع موضوع دولي لتقسيم المياه، لکن هذا التقسيم وهذا الحل هو حلّ مؤقّت، فإنّه سوف يوفّر لهم فرصة أخري للعيش في مياه أقل، لکن عندهم مشکلة يعانون منها في تصوّرهم هي أنّ الأرض قادمة علي جفاف کلّي، جفاف مؤثّر في حياة البشريّة ککل، ولذلک يحاولون أن يجدوا حلولاً طبيعيّة أخري يستغنون بها عن تلف وإتلاف هذا المقدار من المياه، ولم يفلحوا لحدّ الآن إلاّ من جانب واحد، هو جانب الخيال العلمي، أمّا انطلاقة أخري عمليّة واقعيّة تجريبيّة، فلم يتوصّل الإنسان إلي تجربة عمليةّ لتوفير المياه.

نحن في دولة صاحب الأمر الحل موجود، وهو أنّ السماء سوف تمدّنا بمطر غزير وأنّ الأرض حينئذٍ يفجّر الله فيها عيوناً وأنهاراً، هذه الخيرات التي سوف تکون فيها هذه الأرض لم تکن علي نحو إعجازي وإنّما تناسبي، لو فهمنا المعادلة التناسبيّة حينئذٍ نفهم التقدّم الذي يحصل في دولة صاحب الأمر.

انظر بعض القضايا تطرح علي الخيال العلمي، کما يقال وکما ترون بما يذکر في هذا الصدد، أنّ أثر الخيال العلمي في الوصول إلي اختراع الآلات المتطوّرة، ولا أريد أن أتطرّق لهذا الموضوع وليس من اختصاصي، وإنّما استشهد به لتوصيل الفکرة، وهو ربّما أنا وأنت نقرأ بعض الروايات وربّما لا نستوعب حدود هذه الرواية، فمرّة نوکلها إلي الإعجاز ومرّة نوکلها إلي ظروف لم يتوصّل إليها الإنسان.

أنا أقول لک بصراحة أن القوانين الطبيعية التي اکتشفناها لحد الآن کبشر، القوانين والتطوّر الطبيعي فضلاً عن التطوّر العمراني والحضاري الذي وصل إليه الإنسان، لم يکن کل اکتشافاته، يعني أن القوانين التي اکتشفناها حاليّاً لم تکن کلّ القوانين التي تملکها الطبيعة، وإنّما هناک قوانين أخري لم يتوصّل إليها الإنسان في مورد الاکتشاف يظهروه بالخيال العلمي.

هذا الخيال العلمي، ربّما يکون علي الأرض نحن علي يقين أنّ هناک کثيراً من القوانين الطبيعيّة التي لم يکتشفها الإنسان حاليّاً إنّما سوف تظهر ويظهرها صاحب الأمر عجل الله فرجه، الذي آتاه من العلم ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، فالإمام ليس عالماً بقوانين الشريعة فقط أو قوانين اللّغة أو العلوم الإنسانية بشتّي أنواعها وأصنافها، وإنّما الإمام المعصوم عجل الله فرجه عالم بکل قوانين الحياة، سواء کانت علي مستوي فيزيائي أو کيميائي أو أي نوع من أنواع تلک القوانين التي تحکم حياة الإنسان والتطوّر الإنساني.

عندما يظهر ويخرج کنوز الأرض، أحد التفاسير لکنوز الأرض أنه ليس المقصود من هذا الکنز هو الکنز من الذهب والفضّة المادّي فحسب، وإنّما قد يکون ـ والله العالم ـ کما تشير إليه الروايات الکثيرة إلي هذا المعني، وهو أنّ الإمام يظهر مبادئ القوّة وقوانين القوّة وقوانين القدرة يظهرها للإنسان، أي يعطيه تلک القوانين التي يستطيع بها الإنسان أن يوفّر لحياته أفضل العيش وأهنأ العيش وأحسن العيش، أي أنّ الإمام من جملة الأشياء التي يوفّرها هي تلک القوانين.

أعطيک رواية واحدة تشير إلي هذا المعني، التي تحدّثت عمّا يظهر في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، هذه الرواية في الخرائج للراوندي، وهو من العلماء الأعلام للشيعة، عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليه السلام قال:

«إذا قام القائم بمکّة وأراد أن يتوجّه إلي الکوفة نادي مناديه: ألا لا يحمل أحد منکم طعاماً ولا شراباً، ويحمل معه حجر موسي الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلاّ نصبه فانبجست منه العيون، فمن کان جائعاً شبع ومن کان ظمآناً روي، فيکون زادهم حتّي ينزلوا النجف من ظاهر الکوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللّبن دائماً، فمن کان جائعاً شبع ومن کان عطشاناً روي». [4] .

علماً أن عدد الجيش هو عدد ضخم، إذ أن قادة الجيش عددهم 313 قائداً، وقد ورد في بعض الروايات أن کل قائد يشد له الإمام عليه السلام راية علي عشرة أو اثني عشرة ألف أو يزيدون، فکم مليون يکون عدد جند صاحب الأمر عجل الله فرجه؟ هذا يعطيک حالة تفاؤليّة لمن يکون معه عجل الله فرجه من حيث الکم، والأمل أن نکون ضمن هذا الکم.


پاورقي

[1] انظر جامع البيان للطبري، ج 15: 17، الکامل لابن عدي، ج 6: 2177، تهذيب ابن عساکر، ج 1: 196، الدر المنثور، ج 4: 250. علي ما ذکره معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 356.

[2] المستدرک للحاکم، ج 4: 514، رواه وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه - أي البخاري ومسلم....

[3] المستدرک للحاکم، ج 4: 465، رواه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه - أي البخاري ومسلم -، راجع أيضاً کنز العمال للمتقي الهندي، ج 14: 275، ح 38708.

[4] الخرائج والجرائح للراوندي، ج2: 690.