الانسان بين الخلقة و الکمال


عندما نتحدّث عن الإنسان الکامل في عهد الإمام المهدي عجل الله فرجه لابد أن نعطي لمحة تمهيدية لشرح هذا الاصطلاح الفلسفي والمقصود من هذا الاصطلاح والمداليل التي تؤدّيها هذه الکلمة.

الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالي في موقع حباه ما لم يحبِ أحداً من خلقه.

نلاحظ في المفهوم الإسلامي الفلسفي للعالم أنّ المرکز في الکون هو الإنسان، والمحور الذي يتحرّک عليه کلّ شيء وإليه کلّ شيء هو الإنسان، لذلک عبّر عنه القرآن الکريم بأنّه خليفة الله)وَإِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً). [1] .

الإنسان الذي سمّي باسم آدم علي نبينا محمد وآله وعلي آدم آلاف التحيّة والسلام، هذا الاسم کان المقصود به هو الخليفة الإنسان، ما يعبّر عنه بالنوع والجنس والکلّي، الإنسان الکلّي المقصود کلّ إنسان، نوع الإنسان، وليس المقصود الکاشف عن الأفراد الخارجيّة ـ کما يعبّر عنه في علم المنطق الشکلي أو الأرسطي ـ الإنسان الخليفة من حيث الفهم الفلسفي له، ودوره في الحياة، المرکز الذي يتمحوّر حوله کلّ شيء في الکون.

لذلک فإنّ الله سبحانه وتعالي جعله الخليفة وجعله الواسطة بينه وبين باقي الخلائق والکائنات، فلم نجد نبيّاً غير إنسان، مع أنّ الله سبحانه وتعالي خلق خلائق کثيرة (عالمين)، هذه العالمين التي وردت في کثير من الآيات الکريمة، أي مجموعة العوالم المتنوّعة سواء العوالم الشهوديّة أو العوالم الغيبّية باختلاف تلک العوالم الشهوديّة والعوالم الغيبية، لم نجد في جميع تلک العوالم نبياً إلاّ في الإنسان، لأنّ الخلافة الإلهيّة انحصرت في الإنسان ولم تعط تلک الخلافة الإلهيّة لأحد من خلق الله کائناً من کان حتّي لو کان ذلک الخلق جبرئيل، حتي لو کان ذلک الخلق الملائکة الکروبيّين، فضلاً عمّا خلق الله من الجن وخلق الله من النسناس ـ کما ذکر في الروايات [2] وخلق من الحيوانات وخلق من الأشجار وخلق ممّا يري وممّا لا يري، فلا يوجد فيها خلق نبي يوحي إليه، يتصّل بينه وبين السماء أو بينه وبين الله تبارک وتعالي مباشرة أو بواسطة الوحي إلاّ الإنسان.

يکشف هذا الأمر عن الموقع الربّاني في هذا المخلوق في الکون، المرکز الذي يتمحور حوله کل الموجودات في هذا الوجود.

هذا المرکز وهو الإنسان لم يقصد به الأنبياء فقط أو الأئمة عليهم السلام أو الأوصياء أو المعصومون، أيّ معصوم من المعصومين ـ علي جميع المعصومين من الأنبياء والأئمة آلاف التحية والسلام ـ لم يکن هو المقصود الأوّل والآخر فقط، وإنّما المقصود هو الإنسان الکامل الذي خلقه الله تکويناً.

فإنّ الله سبحانه وتعالي خلق البشر والإنسان علي نمطين، علي نحوين: خلق بالتکوين کامل وهم الأنبياء والمعصومون والأئمة، ومع ذلک هم في طور التکامل ويتکاملون، لذلک فإنّ إبراهيم النبي عليه السلام مرّ بمراحل من التکامل بما تجلّي بمقامات التجلّي والظهور في هذا الوجود، ولا أريد أن أتعرّض لهذه النظريّة بکل تفاصيلها، وإنّما أشير إليها إشارة لکي أتوصّل لتوضيح المصطلح الذي نريد أن نتحدّث عنه في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.

الإنسان إذن علي نوعين وقسمين: إنسان معصوم بالذات، خُلق کاملاً، ولکن هذا الکامل کامل نسبي، لذلک نري أنّ بعض المعصومين بالنسبة للمعصومين الآخرين يکون أعلي درجة أو أقل درجة، فمثلاً عندنا الأنبياء أصحاب درجات والدرجات تعني أن نسبة الکمال والتکامل في ذلک الإنسان بما ظهر فيه، فعندنا أنبياء أکمل من أنبياء إلي أن تصل إلي الأنبياء أولي العزم الذين هم أکمل الأنبياء ثمّ تأتي درجة أعلي من الأنبياء أولي العزم وهو خاتميّة محمد صلي الله عليه وآله، فدرجته في النبوّة أعلي وأکمل لأنّ إنسانيّته أکمل من باقي الأنبياء.


پاورقي

[1] البقرة (2): 30.

[2] لاحظ: بحار الأنوار: 24/ 94 الباب 35.